كتب أسعد حيدر في صحيفة “المستقبل”:
يكاد سيناريو انتخاب الإصلاحي المتشدد محمد خاتمي رئيساً للجمهورية، ضد ناطق نوري يتكرر الآن. نوري كان مرشح المرشد آية الله علي خامنئي علناً، الى درجة أن الإيرانيين جعلوا من اسمه رمزاً لتدخل المرشد، إذ أطلقوا عليه استناداً الى معنى اسمه: الإذاعة والتلفزيون. رغم ذلك تدفق الإيرانيون على صناديق الاقتراع، وفاز محمد خاتمي وسقط مرشح المرشد، ولم تقم القيامة، ولم يتغيّر شيء. أمسك خامنئي مع المحافظين بمراكز ومواقع القرار، ومنعوا خاتمي من الإقلاع وإحداث أي تغيير، وهو الآن ممنوع من الظهور والسفر رغم كونه الزعيم الأول للإصلاحيين.
لذا ما هو الجديد في الدورة التاسعة للانتخابات الرئاسية، سواء فاز مرشّح المرشد العلني إبراهيم رئيسي أو الرئيس – المرشح حسن روحاني؟ ولماذا هذا الاهتمام الإقليمي والدولي بنتائج الانتخابات، طالما أنّ المرشد خامنئي باقٍ وكلمته حُكماً لا تُراجع لأنها صادرة عن “الولي الفقيه”؟
طبعاً، يوجد رأي، أن كل ما يجري في هذه الانتخابات الرئاسية التاسعة، سبق وجرى، وأن كل المدارات الرئاسية متشابهة فلا ديموقراطية
ولا من يديمقرطون. ترشح 1636 مرشحاً من بينهم 137 سيدة سبق وأن حصل بأعداد أقل، ثم جاء “مجلس صيانة الدستور” المشكّل من 12 عضواً نصفهم من أصحاب العمائم الذين يعيّنهم المرشد، والنصف الثاني من رجال القانون المعينين من السلطة القضائية التي يرأسها آية الله صادق لاريجاني الطموح لخلافة المرشد خامنئي المعروف بأنه يحرص على الاطلاع “على كل شاردة وواردة، وعلى معرفة كل شيء عن كل شيء”. وفي النهاية لا يبقى أكثر من عشرة مرشحين يتنافسون ليفوز أبرزهم كما سبق وفاز رفسنجاني وخاتمي ونجاد وحسن روحاني، في ظلال “السيادة الشعبية الإسلامية”.
رغم ذلك هذه الانتخابات مهمة جداً، لا بل استثنائية الى درجة كونها مصيرية. لماذا؟
فجأة أصبح إبراهيم رئيسي “الرقم الصعب”، في إيران. لم يكن معروفاً لأنه لم يلعب أي دور سياسي. نشط طوال حياته في القضاء، ولم يبلغ مرتبة عليا تجعله شخصية معروفة أو شعبية، حتى اختاره المرشد وسمّاه “سادن الروضة الرضويّة” في مشهد قبل أشهر قليلة، ثم وبدون مقدمات وقبل أن يتعرف على أملاك وأرقام وأسرار “الروضة الرضويّة” التي تصل قيمة أملاكها الوقفية إلى حوالى 96 مليار دولار، أنزله المرشد بالبراشوت على المسرح السياسي في طهران، مرشحاً لرئاسة الجمهورية، بلا منافسين له في جبهة الأصوليين إذا ما استثني أحمدي نجاد الذي يتحدى المرشد مباشرة كما لم يحدث من قبل. لأنّ خامنئي سبق وطلب منه مباشرة في جلسة خاصة أن لا يترشح.
السؤال الكبير: لماذا يخاطر المرشد خامنئي بكل رصيده في مواجهة مرشح المعتدلين والإصلاحيين المتحدين في جبهة “أوميد”، بينما المتشددون ممزقون لم يتفقوا على مرشح واحد حتى ولو كان رئيسي الذي لم يعد خافياً على أحد أنّه “الابن السياسي لخامنئي”؟
المرشد خامنئي، لا يخاف أن يكون روحاني رئيساً للجمهورية، لو كانت إيران تمر بظروف طبيعية. إيران تقف على مفترق طرق تتناول هوية الجمهورية وليس هوية الرئيس، وفي وقت تهدر فيه تهديدات الرئيس دونالد ترامب وكأن الحرب على الأبواب.
المرشد خامنئي تكلم بنفسه عن خلافته. لهذا فإن هذه الانتخابات تجري على وقع الخلافة وليس الرئاسة. خامنئي حاول قبل سنوات فتح الباب أمام ابنه مجتبى الرجل القوي والخفي في النظام، ولكن بدا ذلك مستحيلاً لأن الإمام الخميني رفض توريث ابنه السيد أحمد وكان قادراً على ذلك بإشارة منه بما يملكه من شرعية الثورة والقيادة، لا يمكن أن يسمح لأحد بتوريث ابنه حتى ولو كان مجتبى الذي يدير في ظل والده مراكز القرار والمال. لذلك فإن خامنئي الذي شعر في الفترة الأخيرة أن ملفات كثيرة من سلطته المستمرة منذ 28 سنة ستُفتح بعد وفاته، بعد أن تمرّد عليه أحمدي نجاد وأشار إليه خفية بلقب “السلطان”، وهو يهدد بكشف الأسرار إذا مُنع من الترشح؟ أكثر من ذلك أن يتجرأ مخرج سينمائي قبل سنة حتى ولو كان بحجم محسن مخملباف بكشف أسرار أسلوب حياته المترفة وأملاكه الضخمة بالمليارات وهواياته التي تتجاوز تكلفتها عشرات الملايين، فكيف بعد وفاته؟
أيضاً كانت لندن قد أشارت الى ثروة مجتبى خامنئي عندها وهي بالمليارات، وقد جرت لفلفة القضية بعد مهاجمة “متظاهرين” السفارة البريطانية.
هذا القلق المستور يكشف سرّ حماسة خامنئي لتأمين خلافته. يدرك خامنئي الآن أن رفسنجاني الذي كان متعلقاً بسلامة “السفينة” الإيرانية كان “ضمانة له” رغم كل “حربه” ضده الى درجة أنه مات وابنه في السجن. وأنه بعد وفاة رفسنجاني، يوجد بديل معلن له دون إعلان هو حسن روحاني، علماً أن الأخطر هو اقتراب محمد خاتمي من هذا الموقع سواء بالنفوذ أو الحضور المباشر. عندها وبعد أن يتحرر روحاني لا شيء يحول دون إضعاف “معسكر” المتشددين ولو بعد فترة زمنية معقولة من فتح ملفات معيّنة على طريق إلغاء “الولاية المطلقة” وكما كان وما زال التوجه عند المعتدلين والإصلاحيين.
حالياً، المرشد خامنئي يعيش مآزق عدة في مأزق واحد. ذلك أنه إذا فاز روحاني بسبب “تسونامي” شعبي يضم خصوصاً الشباب الذين يريدون التغيير والدخول الى العصر، فإنه لن يعود كما كان. خامنئي كان رئيساً للجمهورية وأصبح مرشداً والعملية قابلة للتكرار ليصبح الرئيس روحاني، المرشد روحاني.
أما إذا أصر المرشد أن يربح رئيسي بأي ثمن في تكرار لعملية إنجاح نجاد في الدورة الثانية، فإن الوضع كله سيكون اختباراً خطيراً، قد يتجاوز “الانتفاضة الخضراء”، لأنه هذه المرة سيكون اليأس من التغيير وقوداً لـ”التغيير” في وقت تخوض فيه إيران مواجهة حقيقية مع رئيس البيت الأبيض دونالد ترامب وعلى جبهات عديدة. خامنئي وعد الإصلاحيين الذين التقى وفداً منهم قبل أيام ببحث إطلاق سراح مير حسين موسوي ومهدي كروبي في الصيف المقبل أي بعد أن يضمن ضبطهم للشارع.
يبقى أيضاً أحمدي نجاد الذي بلا شك يملك أسراراً خطيرة سبق وهدّد بكشفها ثم بلع تهديده. هذه المرة، إن حرمان نجاد من الترشح قد يدفعه يأسه الى مواجهة مفتوحة على كل المخاطر له ولخامنئي.
آية الله علي خامنئي يُحذر منذ الآن “أن العدو يحاول المساس بمسار الانتخابات” بينما الرئيس روحاني يؤكد بأنه “لا ينبغي لأحد تيئيس الشعب الإيراني”.
لا شك أنّ هذه الانتخابات الرئاسية خطيرة لأنّ الرهان ضخم خصوصاً أن هدف خامنئي أن يستمر ويبقى الى الأبد حتى ولو عبر ابراهيم رئيسي، وأغلبية الشعب خصوصاً الشباب يريدون التغيير والنهوض ببلادهم اقتصادياً بدلاً من رفع ميزانية الدفاع 77 في المئة لهذا العام في ظلّ أزمة اقتصادية تكبّل بلادهم ومستقبلهم منذ عقود.