شدّد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على أنّ “التّساهل الدوليّ في تحقيق العدالة، بما يختصّ بالمجازر الأرمنية، قد شجّع الطّغاة والمستبدين على الإمعان في جرائمهم حتى هذه اللحظة”، وقال: “لبنان هو ارض النضال الذي كتبه الله لنا حتّى نبقى صامدين ومستمرّين. نجاهد ونناضل حتى يبقى لبنان واحةً للحريّة وحتى نصلح ما افسدته دهور الوصاية”.
وأكد أنّ “قوّة القوات ليست في عدد وزرائها ولا في كتلتها النيابية على أهمّيتها، وإنّما في مشروعيّتها ومصداقيّتها وصلابة الأسس التي قامت عليها”، لافتاً الى أنّ “القوات هي ابنة البشير و 14 آذار والـ10452 كلم2، وهي في قدرتها على تحقيق المصالحة المسيحية والمصالحة الوطنية”.
ولفت الى أنّ “ما حصل في خان شيخون قبل ايامٍ قليلة، وقبله في حلب والغوطة الشرقية وغيرها، من استهداف للأبرياء بالأسلحة الكيمائية، وما حصل من تفجيرٍ إرهابيٍّ بحقّ الأبرياء من نساءٍ وأطفال من أهالي بلدتي الفوعة وكفريا، ليس الا اوجهاً مختلفة للمجازر الأرمنية”، مضيفاً: “لا يمكن ان نكون صادقين مع انفسنا ومع الآخرين، إلاّ إذا أدنّا سفّاحي اليوم كما ندين سفّاحي الماضي. لن نكون شهود زورٍ، لا الأمس ولا اليوم ولا غداً.”
كلام جعجع جاء خلال إحياء حزب “القوات” لقاء بعنوان: “إرادة شعب… حكاية بقاء” بمناسبة ذكرى الإبادة الأرمنية الثانية بعد المائة، في المقر العام في معراب، حيث رحّب بالأرمن قائلاً: “إفرحي وتهللي يا معراب، فأصحاب القضية في ربوعك اليوم! إفرحي وتهللي، فبهجة اللقاء مع الأحبّة تمسح عن عيون هذه الذكرى الأليمة دمعةً حزينة. تعودون اليوم الى بيتكم الثاني معراب وانتم لم تغادروا عقلها وقلبها ووجدانها. لن نقول لكم اهلاً وسهلاً، لأنّنا في حضرة قضيّتكم وقضيّتنا المجيدة، نصبح نحن كلّنا أرباب البيت”.
ورأى أن “24 نيسان 1915 ليس مجرّد تاريخٍ عابرٍ في روزنامة الأيام بل تاريخٌ فرض تقويماً جديداً صار بإمكاننا معه الحديث عمّا قبل هذا التاريخ، وعمّا بعده. ففي 24 نيسان 1915 طعنت الإنسانية بخنجر القهر والاستبداد والوحشيّة، ومنذ ذلك التاريخ والجرح ينزف وسيبقى حتّى تحقيق العدالة ووصول كلّ صاحب حقٍّ إلى حقّه. قبل ذلك التاريخ كان استقلال أرمينية مسألةٌ محليّة، وبعده صار قضيّة شعبٍ، قضيّةً عالميّة. قبله كان الأرمن حالةً وطنيّةً صرفة في ارمينيا التاريخيّة، بعده صار الأرمن حالةً عابرةً للأوطان يطال تأثيرها معظم دول العالم. قبله كان للأرمن هويّةٌ واحدة فقط، بعده صارت كلّ هويّات العالم هويّاتهم وكلّ مساكن العالم بيوتهم.”
وتابع جعجع: “من تاريخ 24 نيسان 1915 استلهمت الأمم المتحدة العديد من بنود مواثيقها وشرعاتها. وبالرغم من كل ذلك تستمرّ المجازر حول الكرة الأرضية منذ ذلك التاريخ، وآخرها مجزرة خان شيخون؟ ذلك لأنّ التّساهل الدوليّ في تحقيق العدالة، بما يختصّ بالمجازر الأرمنية، قد شجّع الطّغاة والمستبدين على الإمعان في جرائمهم حتى هذه اللحظة، من دون الخشية من العقاب، يجب أن نعترف جميعاً بأنه في 24 نيسان تمكن الشر من توجيه صفعةٍ قوية للخير فتعرّضت شعوبٌ بأكملها للإبادة الجماعية. من جبال امانوس وأرارات الى سيفو الى جبال لبنان، سيف الترويع والظّلم والتّجويع يجهز على البشر والحجر، وقلوبٌ برغبة التسلط تحجّرت، لم تفارق العصور الحجريّة، أبت إلاّ أن تحاول إفناء شعوبٍ مشرقيّةٍ وجدت في هذا الشّرق منذ فجر التاريخ.”
وقال: “إذا كان مرتكبو المجازر قد توهّموا أّنّه بقتلهم النّساء والشّيوخ والأطفال قد حقّقوا نصراً مبيناً، فإنّ المستقبل أثبت لاحقاً أنّ هذه الوحشيّة قد عجّلت في انهيار سلطنتهم،ولم يكن سوى وصمة عارٍ على جبينهم، فها هو التاريخ يشرّع ابوابه وصفحاته امام الأرمن والسريان وسواهم ممّن ظلم وقتل في ذلك الوقت، وها هي مئات المنابر والساحات تفتح لهم وأمامهم على امتداد العالم، فيما سفّاحو المجازر قابعون في غياهب جهنّم، وبئس المصير.”
واعتبر جعجع “أننا نحيي اليوم ذكرى المجازر الأرمنيّة بالتّزامن مع الذكرى 23 لاعتقال رئيس حزب القوات اللبنانية،وحل الحزب ، لخنق نضالٍ بكامله، وقمع شعبٍ باكمله. صحيحٌ أنّ هّول الاضطهاد والمجازر التي لحقت بالأرمن لا يمكن مقارنتها بالظّلم الذي لحق بالقوات في الماضي القريب، إلاّ أنّ مفهوم الشر واحدٌ لا يتجزّأ، ومبدأ مقاومة الشر هو واحدٌ ايضاً ولا يمكن أن يتجزّأ. وحتّى تتوضّح صورة هذه المقارنة اكثر في أذهان إخوتنا الأرمن، لا بدّ من لفت نظرهم الى أنّ القوات اللبنانية هي امتدادٌ تاريخيٌّ لاولئك الرّجال والنساء الذين قاوموا العثمانيين ومن سبقهم من امبراطوريّاتٍ ودفعوا أثماناً باهظة لذلك، وعندما جاء الى لبنان غزاةٌ آخرون بأسماء أخرى في زمننا الحديث،تمثلت القوات بمسيرة آبائها وأجدادها بجلجلتها، وصليبها، بالمقاومة، ومن ثمّ بانتصارها وقيامتها.”
ورأى “انّ القضيّة التي تجمع شعبينا واحدة،فالأرمن كافحوا حتّى تكون ارمينيا حرّةً، واللبنانيّون كافحوا حتّى يكون لبنان حرّاً.والأرمن ظلموا واضطهدوا وقتلوا وسيقوا الى المعتقلات فداءً عن قضيّة حقٍ اعتنقوها، واللبنانيّون ظلموا وقتلوا وشرّدوا وسجنوا حتّى تسلم لهم الحريّة التي إذا ما عدموها عدموا الحياة. ألأرمن لم يعوّلوا على أساطيل تأتي لتدافع عنهم في غمرة الأخطار،بل تدبّروا امر مقاومتهم بأنفسهم، كذلك اللبنانيون لم ينتظروا الغرب او الشّرق ليدافع عنهم، بل استشهدوا هم دفاعاً عن قيم الغرب، وصوناً لحضارة الشّرق”.
وأكّد جعجع “انّ قوّة القوات ليست في عدد وزرائها ولا في كتلتها النيابية على أهمّيتها، وإنّما في مشروعيّتها ومصداقيّتها وصلابة الأسس التي قامت عليها؛ هي في قدرتها على ان تتماهى مع وجدان الشعب الأرمنيّ والشعب السرياني والاشوريين والكلدان وسواهم من المشرقيين من دون عناء، لأنّها إبنة القضية المشرقية ذاتها، وحفيدة يوحنا مارون والمقدّمين ووادي قنّوبين؛وهي في قدرتها ان تحاكي الوجدان الوطنيّ من دون ايّ عقدة، لأنّها ابنة البشير و 14 آذار والـ10452 كلم2؛ وهي في قدرتها على تحقيق المصالحة المسيحية والمصالحة الوطنية، وهي في قدرتها أن تتماهى مع معاناة الشعب السوريّ في سعيه للانعتاق من نير العبوديّة والدّيكتاتوريّة، والانطلاق الى برّ الحرّيّة وحقوق الإنسان؛ وهي في قدرتها أن تتماهى مع نضال الشّعب الفلسطينيّ الطويل لقيام دولةٍ فلسطينية مستقلّةٍ حرّة؛ وهي في قدرتها ان تقول “لا” حيث لا يقولها الآخرون،لأنّها ليست مرتهنةً إلا لقناعاتها ومبادئها. إنّ القوات قويةٌ بكم، قويةٌ في امتلاكها هذا الشعور العميق بالدّعوة، وبأنّها ليست مؤتمنة على إرث شهدائها فحسب وإنّما على إرث كلّ شهداء المسيحيّة المشرقيّة وعلى إرث كلّ شهداء الحق والحريّة في هذا الشّرق، لأيّ مذهبٍ أو دينٍ أو عرق انتموا.”
وأضاف: “منذ ان وجدت القوات، وجد رفاقٌ ارمن في صفوفها، وكلاهما يتمّم الآخر. إذ كيف يمكن ان تكون القوات مقاومةً تدافع عن المظلومين والمضطهدين في الشرق، وابناء الشعب المشرقيّ الذي عانى اكثر ما عاناه من ظلمٍ،غائبٌ عنها. بالمقابل كيف يمكن لأبناء شعبٍ فضّل الموت بحريّةٍ في كنف جباله الصّعبة على العيش صاغراً ذليلاً في ذمّة المحتل، ألاّ يكون نصيراً وداعماً ومؤيداً للقوات؟ من برج حمود الى الأشرفية والبدوي وكمب حاجن، ومن انطلياس وزحلة وعنجر، ومن جبيل الى الدورة والفنار والبوشرية، رفاقٌ ارمن شاركوا في صناعة امجاد القوات، فإلى الأحياء منهم والجرحى والشّهداء، الف والف تحيّةٍ وتحيّة. صحيحٌ انكم خسرتم إخوةً وأحبّةً وآباءً وامّهاتٍ على امتداد رقعة المجازر الأرمنية، لكنّكم ربحتم إخوةً وأحبةً وآباءً وأمّهاتٍ على امتداد لبنان والعالم بأجمعه. صحيحٌ انّ ارض ارمينيا بكت على آبائكم واجدادكم لكنّ ارض لبنان هلّلت لهم عندما جاؤوا اليها. صحيحٌ أنّ الإكراه هو ما أتى بكم الى لبنان بالدّرجة الأولى، لكنّ المحبّة والقناعة والإيمان بهذا الوطن هو ما رسّخكم فيه بالدّرجة الأخيرة. صحيحٌ أنّ رقعة انتشاركم في لبنان محصورةٌ في المكان، إلاّ أنّ عبق أعمالكم لا يحدّه مكانٌ او زمان. صحيحٌ أنّ أرمينيا تراجعت بغيابكم عنها، لكنّ بلداناً كثيرة، ومنها لبنان، تقدّمت وتطوّرت وازدهرت بقدومكم إليها. صحيحٌ أنّ خريفاً عثمانياً دامياً ودّعكم في ارمينيا، لكن ربيعاً ارمنياً مشرقاً استقبلكم في لبنان”.
واعتبر جعجع أنه “يُخطىء من يعتقد بأنّ الإبادة الأرمنيّة منفصلة عما عداها من قضايا هزّت وتهزّ الضّميرالإنساني. فكما أنّ النّهار واللّيل يتتابعان، كذلك فإنّ صراع الخير والشرّ يتتالى في جولاتٍ متلاحقة، فرياح الشّرّ التي عصفت بالأرمن قبل قرنٍ من الزمن عادت هي نفسها، وإنّما في جولةٍ جديدة وبحلل جديدة، لتعصف بأمكنةٍ وشعوبٍ اخرى. فما حصل في خان شيخون قبل ايامٍ قليلة، وقبله في حلب والغوطة الشرقية وغيرها، من استهدافٍ للأبرياء بالأسلحة الكيمائية، وما حصل من تفجيرٍ إرهابيٍّ بحقّ الأبرياء من نساءٍ وأطفال من أهالي بلدتي الفوعة وكفريا، ليس الا اوجهاً مختلفة للمجازر الأرمنية .لا يمكن ان نكون صادقين مع انفسنا ومع الآخرين، إلاّ إذا أدنّا سفّاحي اليوم كما ندين سفّاحي الماضي. لن نكون شهود زورٍ، لا الأمس ولا اليوم ولا غداً.”
وأشار جعجع الى انّ “القوات لم تدخل الى الدولة بفعاليّة بعد طول غيابٍ لمجرد ان تتمثل في الحكومة،بل لتعبر عن هواجس اللبنانين كافة. فوجودنا اليوم في الوزارة لا نريده وجوداً كمّيّاً فقط وإنّما نوعياً ايضاً. لا نريد ان نمارس السياسة بمفهومها التقليديّ البالي، وإنّما مصمّمون على إحداث كلّ الفرق في مقارباتنا وحلولنا للمشاكل السياسيّة والاجتماعيّة والحياتية العالقة. نريد ان يعطي وجودنا في الحكومة قيمةً مضافة، تماماً كوجود الطائفة الأرمنية في لبنان، لا أن نكون أعداداً إضافيّة لا وزن إصلاحيّ أو إبداعيّ أو معنويّ لها. إنّ السياسة بالنسبة لنا هي قيمٌ واخلاقٌ ومبادىء وكلمة حقٍّ قاطعة كحدّ السّيف، فكلّما راحت الدّفة تميل نحو سياسة المصلحة والمادّيّة والنّفعيّة والابتذال، إنتفضنا على الواقع وعملنا على إعادة إنعاش الرّوح، وضخّها بقوّةٍ في الحياة السياسيّة الوطنية من جديد. إنّ فقداننا لهذه الرّوح تعني فقداننا لمبرّر وجودنا النّوعيّ في لبنان والشّرق، وتحوّلنا زمرة مرتزقة ومحاسيب ومستوزرين ووصوليين وهذا ما لسنا بفاعليه.”
وشدّد على “انّ الشّعب الأرمنيّ هو من اكثر الشّعوب الجديرة بالتّقدير والاحترام، فالأرمن حافظوا على لغتهم وهويّتهم، على الرّغم من مرور اكثر من مئة عامٍ على نزوحهم قسراً عن بلادهم، فيما العديد من شبابنا للأسف يتخلى عن هويّته وينسى لغته ويهمل ثقافته بمجرّد ان تمرّ سنواتٌ قليلة على وجوده في المهجر. نحترم الأرمن لأنّهم لم يتنكروا لشهدائهم وابطالهم مثلما فعل بعض الجاحدين بيننا ممّن رجموا شهداءهم ورذلوا أبطالهم وصرخوا في مقاومتهم اللبنانية عندما انقض عليها العدو أصلبوها أصلبوها!! نحترم الأرمن لأنّهم برهنوا عن أصالةٍ وصلابةٍ قلّ نظيرهما، فقضيتهم التاريخية تحيا في وجدانهم دائماً ابداً، وإيمانهم بأحقّيّة هذه القضيّة يضاهي إيمان الرسل والمبشّرين. كلمة حقٍّ تقال أنّ الأرمن هم من اكثر الذين أعطوا الدولة اللبنانيّة وأقلّ من أخذوا منها، يكفي أن يكون هذا الشّعب مسالماً، ملتزماً بالأنظمة والقوانين على الرّغم من الإهمال والتّهميش اللاحق بمناطقه، حتّى يكون مثالاً للمواطنيّة الصالحة. وهل بالإمكان أن نتصور لو أنّ الأرمن سمحوا لأنفسهم باستباحة الدولة واللّعب بالاستقرار ونشر الذّعر والفوضى، تماماً مثلما فعلت مجموعاتٌ اخرى نزحت الى لبنان في فتراتٍ زمنيّةٍ لاحقة؟ وبعد، كيف يمكن تصنيف اللبنانيين بين لبنانيٍّ درجة اولى ولبنانيٍّ درجة ثانية، فيما معظم الشّرائح الطائفيّة والمجتمعيّة تتشارك التاريخ نفسه، منهم من نزح الى لبنان في الأمس القريب ومنهم في الأمس البعيد، وجلّهم نزح بفعل عوامل الظّلم والقهر والاضطهاد ذاتها. لا فضل للبنانيٍّ على آخر إلاّ بالعمل والكدّ والمثابرة في سبيل الأفضل لوطنه، فالفضل ليس بدرجة الأقدميّة في هذا الوطن، وإنّما بدرجة “الآدمية” والالتزام والعطاء.”
وختم جعجع:” إذا كانت ارمينيا هي ارض الميعاد التي تتوقون اليها، فإنّ لبنان هو ارض النضال الذي كتبه الله لنا حتّى نبقى صامدين ومستمرّين. نجاهد ونناضل حتى يبقى لبنان واحةً للحريّة والإنسان. نجاهد ونناضل حتى يعود الحقّ الى أصحابه مهما طال الزمن، نجاهد ونناضل حتّى تتحقق العدالةعلى الرّغم من العراقيل، نجاهد ونناضل حتّى تبقى الحريّة شمساً ساطعة، نجاهد ونناضل حتى نصلح ما افسدته دهور الوصاية، نجاهد ونناضل ليبقى لبنان قبلة أنظار كلّ المتعطّشين للأمل والحريّة في هذا الشرق. ونردّد مع قداسة أبينا الكاثوليكوس آرام الأول كيشيشيان :” إنّ شعباً لا يموت إذا كان يملك الإيمان بالحياة والوفاء لماضيه ورؤيةً واضحة نحو مستقبله، وتحديداً إذا كان هذا الشعب منخرطاً في حربٍ روحية وثقافية وقانونية وسياسية من أجل حقوقه المشروعة”. ارمينيا ستبقى لشعبها ولبنان سيبقى لنا جميعاً.”