كتب بسام أبو زيد
لم تكن جولة “حزب الله” للصحافة عند الحدود مع إسرائيل رحلة ترفيهية وسياحية، بل كانت خطوة سياسية وعسكرية أراد من خلالها إيصال رسائل متعددة إلى مجموعة أطراف. وفي توقيت اختاره هو ولم يفرض عليه من قبل الإسرائيليين أو غيرهم.
لقد أراد “حزب الله” أن يقول للإسرائيليين إنه جاهز لأي مواجهة معهم بغض النظر عما يجري في سوريا، وإنه هو الجهة الوحيدة في لبنان المخولة باتخاذ قرار الحرب والسلم، وإن مشاركته في الحكومة والمجلس النيابي لا تعني أن هكذا أمورا تناقش فعلا داخل المؤسسات. باعتبار أن أي قرار في هذا الإطار لن تكون مبرراته موجودة في بيروت بل في طهران بالدرجة الأولى.
لم يتوقف “حزب الله” عند الجولة الإعلامية كجولة، بل أراد لمفاعيلها أن تتواصل حتى بعد انتهائها، فأوعز لوكالات الأنباء العالمية بنشر صور لمقاتليه الذين انتشروا في منطقة الناقورة على بعد أمتار من مقر قيادة القوات الدولية ومئات الأمتار من الحدود مع إسرائيل، في رسالة مفادها أن القرار 1701 لم يكبل الحزب عسكريا وأن المخولين بتطبيقه من قوات دولية وجيش لبناني أعجز من أن يفرضا على الحزب تطبيق هذا القرار كما يجب، علماً أن تطبيقه بالقوة هو أمر مستحيل وما من أحد قادر عليه.
لم تقف الرسائل هنا بل تواصلت مع نشر الحزب تقريراً عن التحصينات الإسرائيلية عند ما سماها بحافة الجليل، وهي تحصينات يريد الإسرائيليون من خلالها منع أي تقدم بري لعناصر الحزب باتجاه مستوطنات الجليل، إلا أن نشر هذه المعلومات جاء ليؤكد للإسرائيليين أن “حزب الله” على معرفة بما يقومون به وهو في المقابل يتخذ كل الإجراءات لتخطي هذه العوائق في حال اندلاع الحرب وعزمه على دخول المستوطنات التي لن تحمي المستوطنين فيها هكذا تدابير.
لم يلتفت “حزب الله” إلى الضوضاء في الدخل اللبناني والتي رافقت جولته، فهو يدرك أن حجمها ضوضاء لا أكثر وأن الرئيس سعد الحريري لن يستقيل من رئاسة الحكومة ولن يقيم الدنيا ويقعدها للإحتجاج على ما قام به الحزب، ولن يذهب إلى المجتمع العربي والدولي شاكيا، ولن يتخذ في الجنوب تدابير صارمة تعيق تحرك الحزب. ويدرك الحزب أيضا أن “القوات اللبنانية” لن تخرج من الحكومة، ولن تقاطع “حزب الله”، ولن تحمل السلاح لمواجهته ولن تحرض المسيحيين على الوقوف في وجه الحزب والتصدي له.
ولكن أكثر ما يدركه الحزب أن رأس الدولة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليس ضد التحرك الذي قام به الحزب، ولن يتراجع عن دعم سلاحه والحاجة إليه، وان ليس صحيحا أن الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية ليستا معنيتين بما قام به “حزب الله” ولا تقبلان به، ولو كان الأمر صحيحا لماذا لا يدعى مجلس الوزراء لإتخاذ موقف؟ ربما لأن الموقف سيكون لمصلحة “حزب الله”.
وانطلاقا من هذه الحقيقة التي يدركها رئيس الحكومة سعد الحريري، توجه إلى الجنوب في رد ميداني وكلامي على خطوة “حزب الله” وإلى جانبه كل من وزير الدفاع المؤيد بقوة لحزب الله وسلاحه وقائد الجيش. وأعلن من هناك تمسكه بالقرار 1701 ورفض ما قام به الحزب، ولكن السؤال البديهي كيف للدولة اللبنانية أن تطبق هذا القرار فعليا؟وكيف لرئيس الحكومة أن يجسد رفض ما يقوم به “حزب الله” إلى واقع ملموس؟
طبعا سؤالان لن نحصل لا نحن ولا المجتمع الدولي على إجابة عنهما، إذ إنه ليس للبنان الرسمي القدرة على الإجابة، والأنكى أن ليس له القدرة على لعب أي دور في لعبة الكبار حيث “حزب الله”، وبالتالي فإن مفاعيل جولة الحزب ستبقى أقوى وأفعل من ضوضاء الاعتراض التي تلاشت في لحظتها.