كتبت ناتالي إقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
منذ الساعة التاسعة والنصف صباحاً وقف والدا الشابة المغدورة إيليان صفطلي (20 سنة) ومجموعة من أقاربها يحملون صورَها، إلى جانب الطريق عن يمين حاجز الجيش المؤدي إلى المحكمة العسكرية. تلك الشابة التي أصيبَت بطلقاتٍ نارية من مسدّس حسَن أحمد حاميه أثناء خروجها من أحد الملاهي في الكسليك في 12 كانون الثاني 2015.
بفارغ الصبر انتظروا 25 نيسان، موعد كانت قد حدَّدته محكمة التمييز برئاسة القاضي طاني لطوف لإعادة محاكمة المتّهم بقتلها حسن أحمد حاميه بعد موافقتها على طلب النقض الذي تقدّمت به النيابة العامة العسكرية لحكمِ المحكمة العسكرية الدائمة والذي قضى بسجن حاميه 3 سنوات.
في هذا السياق قالت والدة الشابة لـ”الجمهورية”: “أُناشد القاضي لطوف ليعتبرَ إيليان ابنتَه، ما ذنبُها لتُقتل وهي تخرج من الملهى؟ إلى متى الإبقاء على السلاح المتفلّت؟ لذا نطالبه بتشديد العقوبة بحقّ حاميه، لتكون رادعاً وعبرةً للآخرين، ونرفض أن يذهب دمها هدراً”.
في وقتٍ كانت تتخوّف الوالدة من أيّ تراخٍ أو تساهُل بحق قاتل ابنتِها، وتتوق لسماع قرار يُثلج قلبَها ويُبرّد أعصابها، لم تكن تتصوّر لوهلة أن يكون حاميه يتنعّم بالحرّية.
في التفاصيل…
عند الحادية عشرة والنصف نادى القاضي لطوف، في حضور ممثّل النيابة العامة التمييزية القاضي شربل بو سمره، على المتّهم “حسن أحمد حامية”.
وهنا كانت الدهشة الكبرى، إذ ساد الوجوم على ملامح لطوف لحظة تبلّغِه أنّ حسن أحمد حاميه لم يحضر نتيجة “إخلاء سبيله أو “إطلاق سراحه”، بعدما أنهى مدّة محكوميته في 12 نيسان 2017، وفق قرار المحكمة الدائمة.
فقال لطوف بنبرة غاضبة: “الحكم الصادر بحقّ حاميه مفسوخ، كيف يخرج من السجن! وقد قبلنا التمييز المقدّم من مفوّض الحكومة، ما يعني إبطال الحكم السابق”.
وانتقلَ لمناداة أسمَي المتهمين مع حاميه في الملف نفسِه، وهما الرقيب أوّل طالب علي حاميه وياسر محمد حاميه، وتبيَّن غياب وكيل الدفاع عن طالب، فيما ياسر الذي كان قد استمهل لتوكيل محامٍ في الجلسة المنصرمة، أعاد حساباته قائلاً: “سيدنا ما معي مصاري لتوكيل محام”.
تهريب أم تقصير؟
في المحصّلة، قرّرت هيئة المحكمة تكليفَ النيابة العامة التمييزية إجراءَ تحقيق في كيفية إطلاق سراح حسن أحمد حاميه، وبناءً لطلب النيابة العامة إصدار مذكّرة إلقاء قبض بحقّ حاميه وجلبُه امام محكمة التمييز.
كذلك وجّهت المحكمة كتاباً إلى مكتب المختبرات الجنائية لإبدائها تقريراً حول المظاريف الثلاث التي ضبِطت بحوزة المتّهمين، ووجّهت كتاباً آخر إلى مفرزة جونيه القضائية التي تولّت التحقيق بالجريمة، وإيداع المحكمة تقرير الطبيب الشرعي الذي كشفَ على الضحية، على أن تُرسل هذه الكتب بصفة المعجّل، وأن يتمّ ضمُّ المستندات قبل موعد الجلسة المقبلة في 8 أيار 2017.
حيال ذهول المحكمة ممّا حصَل وجهلِها للأسباب التي على أساسها أطلِق سراح حاميه، تكثر التساؤلات والشكوك، ما بين نية في تهريب حاميه وبين إستفادته من تقصير المحاكم.
فلو كانت النية تهريبه لم يكن ليمضي فترة عقوبته 3 سنوات التي حددتها المحكمة الدائمة، لذا تميل الكفة إلى وجود سوء تنسيق. بإنتظار ما ستظهره التحقيقات، تكثر السيناريوهات الممكنة، اما المحكمة الدائمة لم تسترد خلاصة الحكم بمجرد قبول تمييزه، اما محكمة التمييز لم تصدر مذكرة إلقاء قبض بحق حاميه وتبلغها إلى هيئة السجن في زحلة حيث أمضى فترة عقوبته، والتي بطبيعة الحال أخلت سبيل حاميه مع إنتهاء مدة الحكم الصادر بحقه.
يبقى الرهان كيف سيتمكّن القضاء من إعادة إلقاء القبض على حاميه في وقتٍ عجز عن الحفاظ عليه وهو سجين؟.
محاكمة الاسير
وعند الساعة الواحدة بعد الظهر، افتتح رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد حسين عبدالله جلسة محاكمة إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير وموقوفي أحداث عبرا، يُعاونه القاضي المدني محمد درباس، وفي حضور ممثّل النيابة العامة القاضي هاني حلمي الحجّار.
وفقَ ما كان متوقّعاً، بدأ عبدالله جلستَه من القرار الذي سبق أن اتّخَذه في الجلسة المنصرمة، “تعيين محامٍ عسكري عن كلّ متّهم لا يمثل موكّله”، مستنداً لاجتهاد في تطبيق المادة 59 من قانون القضاء العسكري. لذا هامش السيناريوهات والمفاجآت كان ضيّقاً، إذ كان من المتوقع “سقف” الجلسة “مِينيموم انسحاب وكلاء الدفاع ومكسيموم تعيين محامٍ عسكري”.
نادى عبدالله: “أحمد هلال الأسير الحسيني”، فغادرَ مقعده ومَثُل أمام هيئة المحكمة ليجيبَ على سؤال: “مين موكّل محامي؟” فعدَّد الأسير أسماءَ وكلائه الثلاثة، مؤكّداً أنّهم على موقفهم من مقاطعة الجلسات، فردّ عبدالله بتعيين الرائد سابا، وكذلك عيَّن محامين عسكريين عن الموقوفين الذين غاب وكلاءُ الدفاع عنهم، أو الذين انسحبوا بعد دخولهم إلى القاعة.
“مؤامرة مقصودة”
عينٌ على الملفّات أمامه وأخرى على عقارب الساعة، أصرَّ عبدالله على المباشرة باستجواب الأسير الذي طلب الكلام متمنّياً تدوينَ ما سيقوله: “الحمد لله بدل الموكّل الواحد عندي 3 وكلاء دفاع”.
وأضاف: “سبق أن أرسلت المحكمة كتباً لنقابة المحامين ولم تستجب هذه الأخيرة، كذلك وكلاء الدفاع عنّي لم يغيبوا لتعذّرهم عن الحضور إنّما بسبب عدم النظر بالإخبارات التي قدّموها وأبرزها “من أطلق الرصاصة الأولى”؟
وأضاف: “قرار المحكمة بتعيين محامٍ، ضد حقوقي، وتأكيد لاستمرار حرب الإلغاء ضدّي، لذا أرفض دفاع أيّ محامٍ عنّي، لم أعزل وكلائي. لا يجوز أن تكون الجهة نفسُها المدّعية والدفاع والقاضي”.
ردّ عبدالله مذكّراً: “إنّ الجلسات تُراوح مكانَها منذ 4 سنوات، وكلاء الدفاع يقاطعون الجلسة، علماً أنّ موضوع الإخبار منفصل عن المحكمة ولا يجوز الربط”. فقاطعَه الأسير: “عدم البتّ في الإخبار دليل واضح لوجود مؤامرة ضد أحمد الأسير وأهل مسجد بلال بن رباح”.
إستجواب… “مونولوغ”
وضَع عبدالله حدّاً للجدل وبدأ باستجواب الأسير: “سأستعرض أبرز النقاط التي سبق واعترفتَ بها، وإذا أردتَ التعليق بوسعك ذلك، بالإضافة إلى إجابتك على الأسئلة التي سأطرحها” .
وتابع: “سبق لك أن اعترفتَ كيف تركتَ الدراسة وانشغلتَ في تصليح الإلكترونيات 4 سنوات، بعدها فتحت فرناً في الهلالية، ولاحقاً دخلتَ في تجارة الآليات… ثمّ بدأتَ أخذَ دروسٍ دينية والتزمتَ بمسجد بلال بن رباح، ولاحقاً نظّمت أوّل سفرة، رحلات دعوية بين العام 1990 و1991، ما كان الهدف منها؟ فردَّ الأسير بنبرة حاسمة: “المحاكمة سياسية باطلة وألتزم الصمت”.
تابع عبدالله تلاوةَ اعترافات الأسير وصولاً إلى تورّطِه بأحداث عبرا وإرساله عناصرَ مسلّحة للضغط على حاجز للجيش وإزالته، إلّا أنّ الأسير لزمَ الصمتَ محدّقاً إلى أرض القاعة.
حتى إنّ القاضي الحجّار حاوَل سحبَ الكلامِ من الأسير، مستخدماً الذريعة التي استخدمها الأسير مراراً، فقال: “أرجأت الجلسات بسبب إخبار من أطلق الرصاصة الأولى، هل لديك شيء في هذا الخصوص؟”. فرفض الأسير الإجابة، فيما نادى أحد الموقوفين من القفص: “سرايا المقاومة سيدنا”.
حيال صمتِ الأسير اكتفى عبدالله بذِكر قسط من اعترافاته، وواصَل استجوابَ من لم يُستجوبوا من الموقوفين، كذلك أفسح المجال لمن يرغب في إضافة أيّ تعديل على اعترافاته، قبل أن يرجئ الجلسة لاستكمال الاستجواب والمرافعة في 16 أيار.