IMLebanon

“حوار طرشان” حول وليمة من “طبْخة بحص”

 

 

 

كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:

الزمان: 15 مايو 2017، او اللغز الذي يُشْبِه السراب. هو لحظةٌ خاوية كأنها موتٌ للوقت بين زمانيْن، واحدٌ معلوم بالحدّ الأدنى وآخر مجهول بالحد الأقصى، وكلاهما من الأزمنةِ الضائعة في وطنٍ لم يتم العثور عليه بعد.

المكان: بيروت التي لم تغادر موتها البطيء منذ نحو نصف قرنٍ، كأنها في جنازةٍ سياسية دائمة. لم تعد عروس البحر ولا درّة الشرق ولا أمّ الشرائع، صارتْ مجرّد متاريس وحافة هاوية وحديقة خلفية ومكسر عصا.

في الطريق الى 15 ايار، لا شيء سالكاً ولا شيء آمِناً. أيام تطوى على «أعصاب مشدودة» وحبْس أنفاس، وسط كمائن بـ «التأهيلي» وحواجز بـ «النسبية»، وعمليات خطْفٍ متبادَل بين «التمديد» و«الفراغ».

اللبنانيون الآن كأنهم في «ملجأ كبير» ينتظرون الساعة صفر في 15 ايار، وما ستسفر عنه الحرب الدائرة من فوق رؤوسهم على قانون الانتخاب، وسط «داحس وغبراء» سياسية تضع مصيرهم على المحكّ.

يُقال في بيروت، التي اشتاقت لـ «ديموقراطيّتها الهشة» إن اللبنانيين أصيبوا بـ «عمى الاحتمالات» وهم يُقتادون الى 15 ايار بلا خريطة طريق او «أجندة» او ما يبدّد سوء الانقشاع الذي لم يَسبق له مثيل.

وبالعربي الفصيح… رئيس البرلمان (نبيه بري) الممدَّدة ولايته مرّتين حدّد 15 مايو موعداً حاسماً إما للاتفاق على قانون انتخابٍ جديد وإما لتمديدٍ ثالثٍ لسنة تفادياً لبلوغ انتهاء صلاحية البرلمان في 20 حزيران من دون انتخابِ بديلٍ.

هذه «الحشرة» المصيرية سَبَبُها ان رئيس الجمهورية «قتَل» القانون النافذ (الستين) ودفَنه وأرغم محبّيه على السير خلفه الى مثواه الأخير، قبل ان يصطدم بصعوبة التفاهم على «خيْر خلفٍ» يعوّضهم عن الستين الذي نُحر بألف سكين.

وفي ظِلال «اللا قانون»، اندفع «فيلم الحوار الطويل» يُسابِق الزمن ومعه الأحلام والكوابيس، التي حوّلت بيروت «صندوق فرجة» سياسياً، الأبطال فيه يتبادلون عضّ الأصابع وليّ الأذرع و… نصْب الأفخاخ.

وبعد كرٍّ وفرٍّ، وصوْلاتٍ وجوْلاتٍ، وأخْذٍ وردٍّ وصعودٍ وهبوطٍ، يقال إن الأمر لم يكن أكثر من «حوار طرشان» في وليمةٍ حول «طبخةِ بحصٍ» اسمها قانون الانتخاب، فالجميع يريدون أكْل العنب ولو قُتل الناطور.

المسألة في اختصارٍ ان اللاعبين يتقاتلون بمشاريع لقانون الانتخاب وكأنهم في محاكاةٍ لـ «حربٍ عالميةٍ ثالثة» يُراد منها الإمساك بالسلطة وتَوازُناتها، لحساباتٍ يختلط فيها الداخلي بالاقليمي.

المسيحيون، الذين توحّدوا في «ثنائيةٍ»، قدّموا الطائفي على السياسي، وجاؤوا من أمكنةٍ متباعدة في الموقف من «أصل المشكلة وأصل الحل»، ليعلنوها حرب استعادةِ الحقوق. يريدون الحصة المسيحية من البرلمان عدّاً ونقداً.

المسلمون المنشطِرون نصفين سنّي وشيعي، بعضهم يقرّ بالمناصفة مع المسيحيين عن سابق تَصوُّر وتصميم وبعضهم يَقبلها على مضد وعيْنه على المثالثة بعدما ضاقت التركيبة الحالية على ما يملكه من… فائض قوّة.

السنّية السياسية التي يمثّلها اليوم رئيس الحكومة سعد الحريري اختارتْ لعْب دور «الإطفائي». فالحريري الذي مضى في مجازفاته الكبرى، خَسِرَ «الحمولة الزائدة» ويتصرّف الآن على انه الرابح اياً كان الخاسرون.

الشيعية السياسية المتمثّلة بالثنائي «حزب الله» وحركة «أمل»، سبق ان أعلنت «الجهاد الأكبر» في ملاقاةِ قانون الانتخاب الذي يريده الحزب ممرّاً لبناء تحالفٍ يُمْسك عبره بـ «الإمرة» في البلاد.

وإذا عُرف السبب بَطُل العجب، فهذا التقابُل الحادّ بين الثنائيتين المسيحية والشيعية تحوّل لوحة «ممنوع المرور» لاقتراحاتٍ مثل التأهيلي، المختلط، النسبية الكاملة وصيغ أخرى مشابهة.

وبناء على ما تقدّم، فإنه في الطريق الى 15 مايو الذي لم يعد لناظره بعيد… لا قانون انتخاب حتى الآن وسط تَزايُد مصاعب التمديد واستحالة القبول بالفراغ… أي ان الجميع في دائرةٍ مقفلة ويبحثون عن… الزاوية.