كتب نوفل ضو في صحيفة “الجمهورية”:
تكاد القيادات المسيحية تُجمع في العلن على أنّ قانوناً جديداً للانتخاب هو مفتاح استعادة المسيحيين دورهم الفاعل في المؤسسات الدستورية الذي فقد منذ «اتفاق الطائف».
إنّ عرضاً تاريخياً للمفاعيل السياسية لقانون الستين يُبيّن:
1 – بمعزل عن النوايا المبيتة والأهداف المعلنة التي من أجلها وضع القانون في عهد الرئيس فؤاد شهاب، فإنّ نتائج الإنتخابات التي أجريت على أساسه (1960) ثبّتت خطاً سياسياً كان يعتبر امتداداً لتأثيرات الموجة الناصرية في لبنان. لكنّ الحلف الثلاثي (1968) أسقط «الشهابية» بقانونها.
2 – المجالس التي انتخبت على أساس «الستين»:
أ – انتخبت شارل حلو «الشهابي» (1964)، وأسقطت الياس سركيس «الشهابي» (1970) لمصلحة سليمان فرنجية «الوسطي»، لتعود وتنتخب الياس سركيس «الشهابي» (1976)، ومن ثم بشير وأمين الجميّل الكتائبيّين (1982)، ورينيه معوض والياس الهراوي من «كتلة النواب الموارنة المستقلين» (1989).
ب – أبرمت اتفاق القاهرة (1969) وألغته (1987).
ج – أقرّت اتفاق 17 أيار (1983) وألغته (1984).
3 – أفرزت «مجالس الستين»، «المارونية السياسية»، التي شكا المسلمون من وضع يدها على قسم من التمثيل الإسلامي تماماً كما يشكو المسيحيون اليوم من أنّ «الإسلام السياسي» السني والشيعي والدرزي يضع يده على عدد من المقاعد المسيحية. وللتذكير فإنّ الكتلة النيابية للرئيس شمعون ضمّت النائبين الشيعيين كاظم الخليل ومحمود عمار، والنائبين السنيَّين عصام الحجار وعبده عويدات، والنائبين الدرزيّين فضل الله تلحوق وبشير الاعور، وكتلة العميد ريمون إده ضمّت النائب الشيعي أحمد إسبر.
في المقابل، يرى البعض أنّ الواقع الديموغرافي تغيّر عمّا كان عليه، وأن التمثيل النيابي قبل «الطائف» لم يكن قائماً على المناصفة بل على 54 مسيحياً في مقابل 45 مسلماً، وأنّ الظروف الإقليمية والدولية المؤثرة في الواقع اللبناني كانت مختلفة.
لكنّ إثارة مسألة التغيير الديموغرافي خير دليل على أنّ المشكلة ليست في القانون بحد ذاته بل في التغيير الديموغرافي، والإنتقال الى المناصفة يثبت أنّ التأثير السياسي للمسيحيين وحضورهم الفاعل ودورهم المقرّر في الحياة السياسية ليس مرتبطاً حصراً بعدد نوابهم، وإلّا لما كانت الظروف فرضت عليهم القبول بالتراجع عن أكثرية 54 نائباً الى المناصفة.
أمّا الحديث عن تأثير الظروف الإقليمية والدولية على التوازنات اللبنانية فدليل إضافي على أنّ مشكلة التمثيل المسيحي الصحيح ليست مرتبطة حصراً بقانون الإنتخاب، بدليل أنّ «الستين» ذاته أفرز أكثر من معادلة سياسية متبدلة ومتناقضة على مدى عشرات السنوات.
ليس الهدف من هذا العرض الدفاع عن «الستين»، ففيه من العيوب ما يطغى على الإيجابيات إذا وجدت. ولكنّ إيهام المسيحيين بأنّ تراجع دورهم وتأثيرهم في الحياة السياسية يعود حصراً الى قانون الإنتخاب، مسألة تتراوح بين الجهل بالحقيقة والتضليل المتعمّد.
فالمشكلة الحقيقية التي يعانيها الدور المسيحي الفاعل تعود الى غياب الرؤية الإستراتيجية والزعامات القادرة على إنتاج مشروع وطني مقبول يعيد الإعتبار لقوة التوازن الضرورية لبناء الإستقرار السياسي في ايّ مجتمع تعددي.
فالتجارب التاريخية أثبتت أنّ عدد النواب المسيحيين لم يكن ضمانة حقيقية وفعلية وثابتة لدورهم وحضورهم وقوتهم، وأنّ إيصال الزعامات المسيحية نواباً مسلمين تحت جناحهم السياسي لم يكن عائقاً أمام المسلمين لـ«تصحيح الخلل».
فما تطرحه ثنائية «القوات – التيار» اليوم من صيَغ متعدّدة لقانون الإنتخاب بحجة استعادة الدور المسيحي، وبمعزل عن إمكان إقرار أيّ من هذه الصيغ، وحتى لو تمّت الإستجابة لمطالبها وتمكنت من تمرير ما تريده، يمكن أن يزيد حصتها في مجلس النواب… لكنّ الفرق شاسع بين عدد نواب الثنائية وبين فاعلية الدور السياسي المطلوب للجماعة المسيحية في لبنان!