Site icon IMLebanon

السوق الحرة: مطاردة المستثمر بعد مطاردة الاستثمار

كتبت صحيفة “الأخبار”: لم تنته قصة السوق الحرة في مطار بيروت بعد. ممثل شركة «وورلد ديوتي فري» علي مهنا، (شغل منصب مستشار وزير الأشغال السابق غازي زعيتر)، تقدم بطعن أمام مجلس شورى الدولة لإلغاء نتائج المزايدة التي رست على شركة «باك»، معترضاً على طريقة إبعاد شركته عنها

قبل أيام قليلة من إجراء المزايدة على تشغيل السوق الحرة في مطار بيروت (27 نيسان الماضي)، وبعد إعلان نتائجها، ساد لغط حول مداخلات وضغوط تقوم بها الشركات المشاركة أو من يعمل لمصلحتها من داخل الإدارة العامة، وشخصيات سياسية ورجال أعمال يتولون عادة دور «السماسرة» لمصلحة الشركات لقاء بدلات مالية.

وهو ما أكده وزير الأشغال يوسف فنيانوس، في المؤتمر الصحافي الذي عقده لإعلان نتائج المزايدة. لكن، لا الوزير ولا الأطراف المشاركة فصّلوا في الحديث عن المداخلات والضغوط. علماً أن الخاسرين اتهموا الشركة الفائزة ومديرها رجل الأعمال محمد زيدان، بممارسة ضغوط مباشرة وغير مباشرة لضمان فوزه، فيما وجّه زيدان، من جهته، الاتهام نفسه إلى الأطراف الأخرى، موضحاً أن الرقم الذي التزم دفعه لإدارة السوق الحرة يفوق بكثير ما تقدم به الآخرون.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ شهد الملف نوعاً آخر من المداخلات تحت عنوان قيام ممثلي الدولة بالجهد الضامن لعدم تفويت أموال على الخزينة العامة. وهو ما يمكن تلمسه بوضوح في الملاحقة التي طلبها ــــ من دون توقف ــــ وزير العدل سليم جريصاتي، وترجمها بتوجيه كتب متتالية (بلغ عددها أربعة حتى الآن) إلى النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، يطلب فيه التحقيق وملاحقة زيدان بشبهة ارتكاب مخالفات لدفتر الشروط الموقع معه في خلال سنوات إدارته للسوق الحرة.

كتاب جريصاتي الأول كان في 27 شباط 2017، في أثناء إعداد دفتر الشروط للمزايدة. ومع تداول الخبر، تدخلت مراجع حكومية وسياسية بارزة، سائلة عن التوقيت، وعمّا إذا كان الهدف اتخاذ إجراء قضائي لمنع زيدان من المشاركة. وبالفعل، توجه زيدان لمقابلة القاضي المنتدب لاستجوابه، من دون أن يرافقه محاميه الخاص. وخضع لاستجواب دام ساعات عدة، أبرز في خلالها مجموعة كبيرة من المستندات للرد على شبهة مخالفته دفاتر الشروط أو التهرب من دفع بدلات مالية مستحقة عليه. وفي 10 نيسان 2017، أصدر القاضي حمود قراره، بعد الاطلاع على مطالعة قاضي التحقيق، وأرسله إلى الوزير جريصاتي، وخلاصته: «حفظ الأوراق لعدم توافر شبهة بحق شركتي PAM وPAC في موضوع استثمار وتشغيل سوق المبيعات الحرة في مطار رفيق الحريري الدولي ــــ بيروت تبرر الملاحقة الجزائية). (للاطلاع على النص الحرفي انقر هنا).

بعد أيام قليلة من تسلمه القرار، أرسل الوزير جريصاتي كتاباً جديداً الى القاضي حمود (18/4/2017) طلب فيه «إجراء التعقبات بشأن ثبوت حصول جرائم ذات طابع مالي من هدر المال العام وتفويت مبالغ على الخزينة بسبب عدم دفع بدل الإيجار المناسب والحقيقي لمساحات التسوق المستثمرة، وبسبب التهرب من دفع الضرائب المالية والرسوم البلدية وإدخال سلع من قبرص وبيعها في بيروت، ما جعل من السوق الحرة في بيروت امتداداً للسوق الحرة في لارنكا».

مرة جديدة، بدا للمعنيين أن الإصرار على الطلب يستهدف اتخاذ إجراء قضائي يمنع زيدان وشركته من المشاركة في المزايدة، ما دفع إلى عقد جلسة تحقيق جديدة سريعة، وصدر بتاريخ 26 نيسان 2017، أي يوم تقديم طلبات المشاركة في المزايدة، قرار ثانٍ عن القاضي حمود يؤكد فيه «عدم الرجوع عن قرار الحفظ الصادر عنا بالرقم 1196/م/2017 تاريخ 10/4/2017 لعدم وجود معطيات جديدة تبرر ذلك». (للاطلاع على النص الحرفي انقر هنا).

لكن لم ينته الأمر هنا. بعد قرار حمود الثاني، حصلت المزايدة وفازت شركة «باك» بالعقد. لكن وزير العدل وجد أن الأرقام الناجمة عن المزايدة الجديدة تجعله في حالة شك إضافية في أن زيدان لم يكن يدفع المستحقات في السابق، فعاد وطلب من القاضي حمود إجراء المقتضى لضمان حقوق الدولة، على أساس أن هناك فروقات مالية كبيرة. وهو أمر أُثير في جلسة الحكومة أول من أمس، من خلال رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي قدم وجهة نظر متطابقة مع موقف وزير العدل. وتولى الوزير فنيانوس الرد على أسئلة رئيس الجمهورية حول الأمر. لكن ذلك لم يغير في قرار ملاحقة زيدان.

في الجانب الأخير، تلفت مصادر معنية إلى الآتي:

أولاً: إن جهات كثيرة أعربت عن شكوكها في العقود الأولى التي كانت شركة «باك» قد وقعتها مع الدولة. واتهم يومها الرئيس فؤاد السنيورة بتسهيل هذه الاتفاقية، باعتباره شريكاً مع زيدان. وحصلت مداخلات ومراجعات قانونية وقضائية بعد وصول الرئيس إميل لحود إلى رئاسة الجمهورية، ومداخلات أيام تولي الرئيس نجيب ميقاتي وزارة الأشغال، وشكلت لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس الحكومة في حينه عصام فارس، قبل أن تعود الحكومة وتوقع اتفاقاً رضائياً مع زيدان، ما مكنه من تمديد مدة استثماره حتى اليوم.

ثانياً: إن تطور الأرباح في السوق الحرة ظل قائماً بوتيرة تصاعدية منذ تطور عمل مطار بيروت الدولي، وما برز من أرباح إضافية كبيرة في خلال السنوات الخمس الماضية كان سببه ارتفاع عدد الركاب بسبب الأزمة السورية، وتحول مطار بيروت إلى مطار بديل لمطار دمشق الدولي. وقد سارع زيدان نفسه إلى شرح الأمر، ولم ينفِ وجود أرباح كبيرة، موضحاً الأمر من زاوية حجم الضريبة التي كان يدفعها.

ثالثاً: بعد سؤال مراجع قانونية من قبل مسؤول حكومي بارز، قبل أيام، كان الرد أنّ المشكلة لم تعد مع زيدان، بل مع الجهات الرسمية التي وقعت العقد معه، وأن معالجة المرحلة اللاحقة جرت من خلال الشروط المالية والإدارية والعملانية التي قامت عليها المزايدة الجديدة. أما ما يتعلق بالمرحلة الماضية، فهذا يتطلب مراجعة وتحقيقات وتحميل المسؤوليات للجهات الرسمية المعنية في الحكومة.

إلا أن النتيجة غير المرئية، هي أنه بينما يحرص الرئيس عون على حفظ الخزينة العامة، وتوفير عائدات إضافية للدولة، وهو أمر حققه الوزير فنيانوس من خلال المزايدة التي حصلت، فإن آخرين، من داخل السلطة وخارجها، لا يزالون ينشطون تحت عنوان «بدنا حصتنا» من السوق الحرة. وهؤلاء، سبق أن حاولوا عقد صفقات مسبقة مع زيدان ومع غيره من المتقدمين بطلبات لاستثمار السوق الحرة. ويبدو أن لا صفقات قد عقدت. فصار الهم من نوع آخر: «إذا لم نقدر على إبعاد زيدان عن السوق الحرة، فلنأخذ حصتنا منه»!