كتبت رولا حداد
أظرف ما في لبنان أن الجميع يتحدث عن الفساد المستشري، ولو من دون تسميات، من دون أن نشهد يوماً توقيف فاسد ومحاكمته. والطريف أيضاً أن الجميع يتهم الجميع. يكفي أن نستمع إلى مداخلات النواب في جلسات المجلس النيابي لنتأكد لو أن هذه المداخلات كانت في دولة أخرى لكان القضاء استدعى جميع الوزراء والمسؤولين إلى التحقيق. أما في لبنان فيمر اتهام وزير ما بأنه قبض 10 مليون دولار ثمناً لتوقيعه على معاملة مخالفة مرور الكرام، ولا أحد يتحرك أو يسأل!
أما حين نسمع عن الفساد في الملفات فحدّث ولا حرج. نقرأ أن العمولة من صفقة بواخر إنتاج الكهرباء التركية تبلغ حوالى 800 مليون دولار، ولا تستثير هذه الفضيحة مجلس الوزراء ولا مجلس النواب ولا ديوان القضاء ولا الأجهزة الرقابية، لولا أن وزراء “القوات اللبنانية” يحاولون جاهدين كمن يصرخ في برية الفساد اللبناني، وللأسف من دون جدوى!
وما يصيب بالصدمة أن يتحالف رئيسا الجمهورية والحكومة داخل مجلس الوزراء لمحاولة تمرير مناقصة بواخر الكهرباء، من دون العودة الى مجلس الوزراء، ومن دون المرور بإدارة المناقصات، بذريعة “صلاحيات الوزير”، وكأن الوزير في لبنان بات امبراطوراً ونزاهته أشبه بنزاهة “امرأة قيصر”، في حين أن كل شبهات الفساد في لبنان تبدأ من الوزراء، ويكفي للدلالة مداخلة نائب “حزب الله” حسن فضل الله في الجلسات الأخيرة لمناقشة الحكومة وما تضمنته من فضائح واتهامات لوزراء!
والغريب أيضاً أن أحداً لم يتحرك بعد كلام الوزير السابق وئام وهاب في موضوع بواخر الكهرباء تحديداً، واتهامه مسؤول تيار المستقبل سمير ضومط بأنه وراء الصفقة مع الأتراك، ما يجعل الربط موضوعياً بين كلام وهاب والدفاع المشترك لتيار المستقبل و”التيار الوطني الحر” في جلسة الحكومة الأخيرة عن مناقصة البواخر ورفض إعادة النظر في دفاتر الشروط وفي كيفية إجراء المناقصة.
إن التفسير الوحية في لبنان لعدم حلّ أزمة الكهربا منذ ما يزيد عن ربع قرن، هو أن قطاع الكهرباء بات أشبه بـ”دجاجة تبيض ذهباً” للفاسدين، وهذا الدجاجة كلفت الخزينة اللبنانية حتى اليوم أكثر من 30 مليار دولار، و”الخير لقدام” مع الحديث عن خطط بمليارات الدولارات على 10 سنين!
روائح الفساد لا تفوح حصراً من قطاع الكهرباء وبواخره التركية، بل تتعداه الى قطاعات النفط والاتصالات وغيرها، إضافة طبعا الى كل ما يتعلق بالبنى التحتية، والفضيحة الكبرى تبقى حتما في ملف الكسارات والمرامل وشبكات الأخطبوط التي تحميها خلافاً لكل القوانين وعلى حساب البيئة اللبنانية. ولن ننسى طبعا معامل الترابة في لبنان و”الخوّات” التي تُفرض عليها من شكا إلى سبلين!
ولا يظنن أحد أن الفساد ابن اليوم، ولا مثلا أن ما يُحكى عن توزيع أرقام مميزة للسيارات في كسروان أمر طارئ على الحياة السياسية الفاسدة في لبنان، فمحلات البينغو التي انتشرت رخصها أيام وزيري الداخلية السابقين سليمان فرنجية ومروان شربل لا تزال حاضرة في الأذهان كما أن توزيع 23 ألف رقم مميز في 4 أشهر لم يكسره أحد في سجل الأرقام القياسية اللبنانية!
وإذا نظرنا بصورة أشمل، نجد أن الطبقة السياسية اللبنانية بمعظمها باتت عبارة عن شبكة مصالح مافيوية تتبادل الخدمات في ما بينها، تحمي بعضها وتؤمن التغطية السياسية اللازمة. وتتوزع مصالحها بين المذاهب والأحزاب والشخصيات، والمواطن اللبناني يدفع الثمن من جيبه وخزينته!
يبقى السؤال الكبير: كيف يمكن كسر سلسلة حلقات الفساد اللبنانية المترابطة والمتشابكة إلى درجة باتت تخنق المواطن في وطن بات يطبق بامتياز شعار “حاميها مراميها”؟!