كتب عماد مرمل في صحيفة “الديار”:
تتعدد التفسيرات لهذا «الوئام» الذي اتى معاكسا لتوقعات متشائمة، راجت بعد تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، ورجحت ان يكون التعايش الاضطراري بين «الجنرال البرتقالي» و«الشيخ الازرق» صعبا ومكلفا، لاسيما ان كلا منهما يأتي الى الحكم من مدرسة سياسية مختلفة عن الاخرى.
حينها، استحضر البعض على الفور الصورة القاتمة لعلاقة الرئيسين اميل لحود ورفيق الحريري اللذين افتقرا الى الحد الادنى من «الكيمياء»، وأخفقا ليس فقط في الاتفاق وانما كذلك في تنظيم الخلاف.
افترض المتشائمون ان تلك التجربة السيئة ستتكرر في عهد عون، خصوصا ان مقدماتها النظرية حاضرة، بدءا من حقيقة ان انتخاب الجنرال كان في الاساس قرارا قسريا بالنسبة الى الحريري، وانتهاء بالفوارق الشخصية والسياسية التي يمكن ان تشكل ممرا للرياح الساخنة.
لم تصح هذه الفرضية خلال الاشهر الاولى من عمر ولاية عون. ليس هذا فقط، بل ان «شهر العسل» الذي أعقب «زواج المصلحة» جرى تمديده حتى اشعار آخر، الى حد ان الحريري بات يبدو وكأنه اقرب الى عون منه الى الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط.
لقد اختار رئيس «تيار المستقبل» ان يقتدي بنموذج رشيد كرامي وفؤاد شهاب، لا تجربة رفيق الحريري واميل لحود التي تعلم منها على الارجح.
وإذا كان خصوم الحريري يجدون في سلوكه نوعا من الضعف او التساهل الذي يسيىء الى صورة رئاسة الحكومة وهيبتها، إلا ان اصحاب وجهة النظر الاخرى يملكون تفسيرا مغايرا لهذا المسار الذي يسلكه رئيس «المستقبل» منذ عودته الى السراي.
يعتقد هؤلاء ان الحريري منسجم مع نفسه، وهو الذي يعلم انه لم يعد بامكانه ان يعود الى الخلف بعدما انتخب عون رئيسا للجمهورية، بل عليه ان يستمر في الرهان الذي خاضه حتى نهاية المطاف. بهذا المعنى، فان تصرفه يندرج في اطار المفاعيل المترتبة على دينامية الانتخاب التي لا تزال تسري في عروق الواقع السياسي.
ويذهب بعض «الخبثاء» في استنتاجاتهم الى الافتراض بان تعاون الحريري مع عون قد يُفضي الى ضمان بقائه في سدة رئاسة الحكومة طيلة سنوات العهد الست، لان عون ارتاح اليه، ولن يجد شريكا سنيا افضل منه على مستوى السلطة، يجمع بين الحيثية التمثيلية في بيئته والمرونة في العلاقة مع رئيس الجمهورية.
تفسير الحريري
وتؤكد شخصية مقربة من الحريري ان رئيس الحكومة ليس بوارد افتعال مشكلة مع عون، فقط لان البعض يريده ان يفتعل ازمة من هذا النوع ويتمنى حدوثها.
وتشدد هذه الشخصية على ان الحريري لن يخوض معركة ضد عون بالوكالة او بالنيابة عن أحد، «ومن لديه مشكلة مع رئيس الجمهورية فهو حر، ورئيس الحكومة ليس معنيا بها بتاتا».
وتشير الشخصية اللصيقة ببيت الوسط الى انه لا يوجد اساسا اي مبرر لكي يختلف الحريري مع عون او «التيار الحر» في هذه اللحظة السياسية، لافتة الانتباه الى ان رئيس الحكومة لا يحصر تفاهمه برئيس الجمهورية، بل هناك حد ادنى من التفاهم بينه وبين “حزب الله” كذلك.
وتستهجن الشخصية ذاتها تعمد البعض اساءة تفسير موقف الحريري من مبادرة عون الى تسليمه رئاسة جلسة مجلس الوزراء الاخيرة في بعبدا، وصولا الى الايحاء بانه أفرط في تقدير ما هو حق له، معتبرة ان هناك من افترض ان الفرصة مناسبة للضرب على الوتر السني الحساس انطلاقا من مزايدات انتخابية.
وتوضح الشخصية الوثيقة الصلة بالحريري، ان تقدير رئيس الحكومة لمبادرة عون ينبع من كونها شُجاعة ومعبرة، إذ لم يحدث من قبل ان امتلك رئيس ماروني جرأة ان يسلم مقعده لرئيس حكومة وان يدعوه الى ترؤس الجلسة حتى نهايتها، علما انها لم تكن قد ناقشت بعد اي بند في جدول الاعمال عندما غادرها عون، وما جرى ان الحريري نوه بهذا التصرف، لا أكثر ولا أقل.
وتشير الشخصية اياها الى انه سبق للرئيس الياس الهراوي ان اضطر مرة الى مغادرة قاعة مجلس الوزراء في بعبدا لوقت قصير، فطلب من الرئيس رفيق الحريري ان يترأس الجلسة، إلا ان الحريري بقي في مقعده، ومدة ترؤسه لها لم تتعد الدقائق العشر، ولذا لا تجوز المقارنة بين الحالتين.
وتنفي الشخصية المقربة من بيت الوسط وجود علامات ضعف او تهاون في سلوك الحريري حيال عون، مشددة على ان هناك عوامل موضوعية تقف خلف قبول رئيس «المستقبل» بـ«التأهيلي»، ورفضه للتمديد، واصراره على وضع قانون انتخابي جديد، وتناغمه مع عون في ملف الكهرباء.
وتنقل الشخصية نفسها عن الحريري قوله: أنا لست مغرما بأي من المشاريع الانتخابية المطروحة ولا اعتقد ان بينها ما هو مثالي، لكن بين ان أقدم تنازلات حتى يمشي البلد وبين ان ارفض تقديم التنازلات ونذهب الى المجهول، كان قراري اعتماد الخيار الاول.
ويتابع الحريري، تبعا لما يُنسب اليه: أنا آخر من يمكن ان يقتنع بـ «التأهيلي» على اساس طائفي، خصوصا ان كتلتي النيابية متنوعة، انما عندما وجدت ان هناك فئة مسيحية واسعة تَطمئن اليه وتجد فيه معالجة لهواجسها، كان لا بد لي من مراعاتها..
اما بالنسبة الى الانتقال من تفهم احتمال التمديد للمجلس النيابي الى الاعتراض القاطع عليه، فان الشخصية المحيطة بالحريري تضع هذا التحول في موقف رئيس «المستقبل» ضمن سياق سعيه الى تحفيز الجميع على وضع قانون جديد، لان ابقاء التمديد قيد التداول قد يُسبب استرخاء في الجهد المبذول لانجاز القانون، على قاعدة ان البديل متوافر.
كما ان هذه الشخصية تلمح الى ان تراجع الرئيس نبيه بري عن دعم مشروع التاهيلي ساهم في دفع الحريري الى التراجع عن تأييد خيار التمديد.
وفي ما خص الانسجام بين عون والحريري في ملف الكهرباء، والذي اثار الريبة وعلامات استفهام لدى بعض الاوساط السياسية، فيبدو انه يندرج في اطار استراتيجية يتبعها الحريري وقوامها- وفق اوساطه- «اعمل، واتركهم يتكلمون..»
يعتقد الحريري انه عندما ملأت النفايات الطرق، «تبهدلت» الطبقة السياسية كما لم يحدث من قبل، والآن اذا لم تُعالج ازمة الكهرباء ولم تتأمن التغذية المطلوبة في فصل الصيف، «ستبهدلنا الناس مجددا، اما عندما يتم تأمين الخدمات الضرورية، فان الكلام والاقتصاد يصبحان في مكان آخر».
ويعتبر الحريري ان الحكي سيستمر في كل الحالات، «مع فارق وحيد وهو ان الانجازات مع حكي، افضل بالتأكيد، لان الناس ستصبح اقل تاثرا بالقيل والقال عندما تلمس الانجازات العملية..».
وتنفي الشخصية اللصيقة بالحريري وجود قطب مخفية او صفقات مريبة في خطة الكهرباء، لافتة الانتباه الى ان ضمان الشفافية المطلوبة تكمن في كون المراحل التنفيذية للخطة ستكون موضع متابعة من مجلس الوزراء، لان اعتماداتها ستصرف من خارج موازنة وزارة الطاقة، اضافة الى الحصانة النابعة من التواقيع الالزامية لرئيسي الجمهورية والحكومة ووزير المال والوزير المختص.