كتب محمد وهبة في صحيفة “الأخبار”:
تركت جلسة فضّ عروض استئجار بواخر لإنتاج الكهرباء انطباعاً لدى غالبية العارضين أن النتائج قد تكون محسومة سلفاً. تبيّن أن الجلسة، التي عقدت أمس، مخصّصة لفرز المستندات الإدارية، ولا سيما المذكورة عرضياً في دفتر الشروط، وهو أمر ينطوي على خفّة بالغة في التعاطي مع مناقصة قيمتها تتجاوز ملياري دولار. الانطباع بعدم وجود الشفافية وُلد من تشكيل لجنة فضّ العروض نفسها، إذ ضمت ثلاثة مستشارين لوزير الطاقة وقاضياً شاباً لم يجب عن السؤال القانوني الوحيد الذي سئل، أمس
انطلقت جلسة فضّ عروض “استئجار بواخر لإنتاج الكهرباء بقدرة تتراوح بين 800 ميغاوات و1000 ميغاوات” عند الساعة العاشرة والنصف من صباح أمس. يقول أعضاء في اللجنة إنه لم يكن هناك رئيس لها، لكن ممثلي الشركات العارضة كانوا متيقنين أن مستشارة وزير الطاقة ندى البستاني هي التي ترأس اللجنة، يعاونها مستشارا الوزير روبير سفيري وكريم عسيران.
كذلك دُعي إلى الجلسة ثلاثة ممثلين عن مؤسسة كهرباء لبنان، هم: بشارة عطية، حازم عاشور وهِبَة حاطوم، وكان لافتاً وجود قاض شاب اسمه غير متداول، بالإضافة إلى ممثلة عن مكتب رئيس الحكومة، زينة مجدلاني.
في بداية الجلسة، ألقى وزير الطاقة سيزار أبي خليل كلمة كرّر فيها موقفه مما أثير خلال الأيام الماضية عن انعدام الشفافية في المناقصة وضرورة إجرائها من قبل إدارة المناقصات، وقال إن مؤسسة كهرباء لبنان هي مؤسسة عامة لا تخضع في مناقصتها لإدارة المناقصات، مشيراً إلى أن النتائج سترفع إلى مجلس الوزراء يوم الأربعاء (غداً) بكل تفاصيلها.
ما فُهم من كلام أبي خليل أن النتائج ستبدأ بالظهور اليوم، لكن سرعان ما تبيّن أن الجلسة التي عقدت أمس هي جلسة مخصصة لدرس الشق الإداري والمستندات الإدارية العائدة للعارضين، الذين بلغ عددهم ثمانية، بينهم سبع شركات فقط أوفدت ممثلين عنها لحضور جلسة فضّ العروض، أمس، علماً بأن عدد الشركات التي سحبت دفتر الشروط يزيد على 30 شركة. أما الشركات الثماني فهي: “طاقة غلوبال” (شركة مسجلة في جبل علي في دبي ولم تقدم في عرضها سوى كاتالوغات)، “بي بي اينرجي” (هي شركة مملوكة من تجار النفط والمحروقات الذين يملكون شركة هيبكو ويسيطرون على استيراد الفيول أويل إلى لبنان)، شركة “MEP” (شركة هندية الأصل وتعمل في الإمارات العربية المتحدة)، شركة “والر مارين” (هي شركة أميركية)، “كارباورشيب” (الشركة التركية التي تعمل حالياً في لبنان من خلال باخرتين لإنتاج الكهرباء)، “سي باور” (شركة أميركية تمثلها في لبنان مؤسسة حمود)، “اف بي اس” (شركة نروجية متحالفة مع شركة داينمك مارين)، وهناك شركة ادفنس انجينيرينغ مانجمنت سرفيسز.
تقول مصادر في اللجنة إن عرض بي بي اينرجي وأدفنس انجينيرينغ يتضمن معامل كهرباء ثابتة وليس بواخر، وإن هناك نقاشاً حاداً جرى بين ممثل شركة أدفنس انجينيرينغ والبستاني بشأن رفضها القاطع لهذا العرض، ما أدّى إلى استنتاج واضح للجميع بأن هذين العرضين مرفوضان سلفاً، وإن لم تقله البستاني بهذا الوضوح. وتبيّن أن هناك عرضين لمعامل إنتاج على البواخر تعمل بواسطة الغاز المنزلي، ويعود العرضان لشركتي: “اف بي اس”، “والر مارين”. ولم تتضح طبيعة العرض المقدم من الشركة الهندية، إلا أنه كان هناك عرضان فقط لمعامل عائمة على البواخر تعمل بواسطة الفيول الثقيل المنصوص عليه في دفتر الشروط، وهما يعودان لشركة “كارباورشيب” و”سي باور”.
جلسة فضّ العروض امتدت لثلاث ساعات. وبحسب مصادر شاركت فيها، فإن الإشكالية التي واجهتها اللجنة مع العارضين تكمن في تشديدها على الشق الإداري والمستندات الإدارية، علماً بأن كل هذه التفاصيل مذكورة في دفتر الشروط لماماً، أي أنه لم يجر التركيز عليها ولم ينص دفتر الشروط على طلبها بصورة ضرورية، بل ربط إبراز بعض المستندات بعبارة “حيث يجب” (Where Applicable)، بالإضافة إلى عبارة ثانية تشير إلى “تسوية الوضع القانوني للشركة التي يرسو عليها الالتزام”.
هذه النقاط بالتحديد أثارت حفيظة العديد من الشركات العارضة التي اعترضت على طريقة إدارة البستاني للجلسة وأسلوبها في الحديث مع العارضين. المشكلة بدأت مع شركة بي بي اينرجي التي طلبت منها البستاني إبراز صورة عن التوكيل الأصلي لممثليها في لبنان، علماً بأن مستنداً كهذا يتطلب أسابيع لإنجازه وتصديقه في خارج لبنان وفي الدوائر الرسمية المعتمدة أيضاً، فيما مهلة تقديم العروض كانت ضيقة إلى حدود بعيدة. في الحصيلة، تم التوصل إلى اتفاق على استكمال المستندات من الشركات التي سيتم تصنيف ملفاتها “مقبولة”.
كان لافتاً في الجلسة أن أحد ممثلي الشركات سأل عن مسألة شكلية تتعلق بالتوكيل المطلوب، إلا أن القاضي لم يجب عن السؤال، بل قال بوضوح إنه لا يعلم. مصادر اللجنة برّرت للقاضي ردّه بالإشارة إلى أنه لم يطلع على الملف حتى يعطي رأيه القانوني!
تقول مصادر مطلعة إن لجنة فضّ العروض تركت الباب مفتوحاً على الاستنتاج والتأويل، بعدما تبيّن أن جلستها، أمس، كانت مخصّصة لفرز المستندات الإدارية من دون أن تبلغ العارضين بهذا الأمر، بل أبلغتهم بموعد فضّ العروض من دون أن تتطرق إلى أي تفصيل إضافي. إلا أن المشكلة لا تقتصر على هذا الأمر، فقد تركت البستاني انطباعاً لدى غالبية العارضين أن نتائج المناقصة شبه محسومة، ولفتت المصادر إلى أن الشركات التي قدمت معامل كهرباء ثابتة غير عائمة على المياه ستكون مرفوضة، ولم يتأكد ممثلو الشركات التي قدّمت معامل إنتاج كهرباء عائمة تعمل بواسطة الغاز المنزلي إذا كانوا ضمن المرفوضين أو المقبولين.
سبق جلسة، أمس، اعتراض من الرئيس نبيه برّي على إجراء المناقصة في وزارة الطاقة، واستياؤه من رفض رئيس التفتيش المركزي إجراءها لدى إدارة المناقصات. وبحسب المعلومات، تعمّد وزير الطاقة عدم إبلاغ مديرية الاستثمار في وزارة الطاقة بأي تفصيل عن هذه المناقصة، متذرعاً بأن تنفيذها يعود لمؤسسة كهرباء لبنان. لكنْ هناك رأي قانوني اطلع عليه الرئيس بري يشير إلى أن قرار مجلس الوزراء كان واضحاً لجهة تكليف وزير الطاقة بإجراء المناقصة والعودة إلى مجلس الوزراء بشأن كل مرحلة من مراحلها، وبالتالي فإن التكليف ليس منوطاً بمؤسسة كهرباء لبنان التي يتذرّع أبي خليل ورئيس التفتيش بأن لديها صلاحية خاصة تمنعها من تنفيذ مناقصاتها لدى إدارة المناقصات. ما أثار حفيظة الرئيس بري هو كلام رئيس الجمهورية في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة عندما أثار وزراء القوات والاشتراكي موضوع الكهرباء منتقدين طريقة التلزيم الجارية، ومطالبين بأن يطلع مجلس الوزراء على دفتر الشروط وأن يعاد التلزيم إلى إدارة المناقصات، إذ ردّ الرئيس عون متمسكاً بالمادة الدستورية التي تشير إلى أن الوزير سيّد نفسه، مانعاً عرض دفتر الشروط على مجلس الوزراء وإحالة المناقصة إلى إدارة المناقصات.
على أي حال، من هم المتأهلون؟ لا جواب بعد، إذ إن مصادر اللجنة تقول إن التقويم الفني لم يبدأ بعد. فهل سينتهي هذا التقويم خلال يومين لترفع النتائج يوم غد الأربعاء إلى مجلس الوزراء؟ هل المدّة كافية؟ لماذا لمحت البستاني إلى استبعاد شركات، وتركت شركات أخرى عالقة في استنتاجات مضللة؟ هل صحيح أن هناك معامل على الغاز قادرة على توفير مئات ملايين الدولارات خلال السنوات الخمس المقبلة؟ كل هذه الأسئلة بقيت معلّقة بانتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة.