كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
عاقِد الحاجبين.. افتتح القاضي طاني لطوف رئيس محكمة التمييز الجلسة أمس، في حضور ممثّل النيابة العامة التمييزية المحامي شربل بو سمره. ما أوحى سَلفاً للحضور في القاعة بأنّ قاتل الشابّة إيليان الصفطلي حسن أحمد حميه، لا يزال فارّاً من وجه العدالة، وأنّ الجلسة لن تخلوَ من بعض السجالات.يتيمةً وقفَت والدة الشابة المغدورة إيليان الصفطلي (20 سنة) عند حاجز المحكمة العسكرية على الرصيف، مرّةً تُجيب على هاتفها، ومراراً تومئ لابنتَيها من خلف أسوار البوّابة، مستفسرةً ما إذا بدأت الجلسة أم لا، ليأتيَها الجواب: «ما إجُو القضاة بعد يا ماما». لا تتحمّل تلك الوالدة الدخولَ إلى جلسة محاكمة قاتل ابنتها، فأعصابُها مهدودة، وقلبها منفطر بعدما خسرَتها نتيجة السلاح المتفلّت، الطائش، في 12 كانون الثاني 2015 لدى خروجها من أحد الملاهي في الكسليك. أمّا شقيقة إيليان التوأم جويل، فتشجَّعت ودخلت، علّها تسمع ما يُثلج صدرَها ويُعيد لها ما فقدته من روحها، وكانت تُرافقها شقيقتها كريستال.
في التفاصيل…
عند الثانية عشرة ظهراً افتُتِحت الجلسة، نادى لطّوف على المتّهَم حسن أحمد حميّه، فكان الجواب أنّه لم يحضر، فانتقلَ إلى مناداة المتّهمين معه في القضية، الأوّل طالب علي حميه، الذي مَثُل من دون حضور وكيل الدفاع عنه المحامي صليبا الحاج. والثاني محمد حميّه، وكيله المحامي شربل طرابلسي، الذي عيَّنته نقابة المحامين في بيروت، بعدما كانت هيئة المحكمة قد سطّرَت لها كتاباً في الجلسة الماضية تطلب منها تعيينَ محامٍ له.
حسن حميّه الذي أخليَ سبيله مع انتهاء مدة محكوميته في 12 نيسان 2017 (وفق الحكم الصادر بحقّه من المحكمة الدائمة) رغم أنّ محكمة التمييز كانت قد وافقَت على التمييز المقدّم من مفوّض الحكومة، ما يعني إبطالَ الحكم السابق وإعادةَ محاكمته، لا يزال ينعَم بالحرّية. حتى إنّ مذكّرة التوقيف الغيابية التي أصدرَتها المحكمة في حقّه في الجلسة المنصرمة (25/4/2017) لم تُقدّم أو تؤخّر في حسابات حميّه وموكّله الذي غاب بدوره.
- لطّوف: «بعدما كان حميّه حاضراً في الجلسة الأولى، التي انعقدت في 28/3/2017، والتي تأجّلت في حضوره إلى 25/4/2017، وبعدها تأجّلت إلى 8/5/2017، ورغم مذكّرة التوقيف الغيابية في حقّه، لم يتمّ توقيفه حتى الآن وسَوقُه إلى المحكمة، سنداً للمواد 62 قضاء عسكري و169 أصول محاكمات جزائية، نقرّر محاكمة المتّهَم حسن أحمد حميه بالصورة الوجاهية».
أمّا بالنسبة إلى الكتاب الذي وجَّهته المحكمة إلى مكتب المختبرات الجنائية لإبدائها تقريراً فنّياً حول المظاريف التي ضُبِطت بحوزة المتّهمين، فقال لطوف: «ورَدت صورة عن التقرير الفنّي المنظّم من قسم المباحث بخصوص مطابقة المظاريف المضبوطة مع المسدّس المسَلَّم من المتهم حسن أحمد حميه مع بقيّة المضبوطات والتقرير الفني المأخوذ من مكان حدوث الجريمة، نقرّر في ضوء ذلك توجيه كتاب إلى قيادة الجيش لإيداعنا المسدّسَ الأميري الذي كان بحوزة المتّهم حسن، يوم وقوع الجريمة، وإيداعِنا المسدّس الأميري العائد للرقيب أوّل طالب علي حاميه، والذي كان بحوزته يوم حصول الجريمة».
التقرير الشرعي… «وأخيراً»
وفي ما خصَّ الكتاب الذي وجَّهته المحكمة إلى مفرزة جونيه القضائية التي تولّت التحقيق في الجريمة، قال لطّوف: «وردَنا من فصيلة جونيه جواباً على كتابنا في خصوص إيداع المحكمة نسخةً عن تقرير الطبيب الشرعي الذي كشَف على الضحية يوم حصول الجريمة، لأنه تَعذَّر ضمُّ التقرير كون الطبيب نعمة الملاح لم يسَلّم نسخة عنه بعد الاتصال به في 2/5/2017. وبعد إعادة الاتّصال في 3/5/2017 قال إنّه سيُسلّمه إلى المحكمة العسكرية مباشرةً».
وبعدما تبيَّنَ أنّ الطبيب الملاح حاضر في القاعة، ناداه لطّوف.
- لطّوف: لماذا لم تُسلّم من قبل المحكمة نسخةً عن التقرير الطبّي؟
- الملاح: كنتُ أعاني من وضع صحّي.
- لطّوف: هل سلّمتَ نسخة عن التقرير إلى الفصيلة؟
- الملاح: نظّمتُ محضراً طبّياً (في 12/1/2015) لدى الكشف على الجثة في مستشفى «سيدة لبنان»، وسلّمتُ نسخة عن التقرير إلى رتيب التحقيق في فصيلة جونيه.
وهنا أبرزَ الملّاح نسخةً عن التقرير الطبّي بخط يدِه نقلاً عن التقرير الأساسي الذي يملك عنه صورةً أساسية في سيارته، فطلبَ منه لطوف المغادرة بمرافقة أمنية وإحضار النسخة.
- بوسمره: هل وقّعتَ على تسليم التقرير لدى الفصيلة؟
- الملاح: لا.
- بو سمره: كيف بتِقبض إذا ما مضِيت؟ هل صُرفت لك الأتعاب؟
- الملاح: بدّي إتأكّد من الموضوع. أنا أقدّم جدولاً سنوياً بالمهمّات التي أكلَّف بها من النيابة العامة.
ثمّ كرّر الملاح أنّه نظّم المحضر وسلّمه إلى فصيلة جونيه، وأكّد على إفادته مئة في المئة، من دون أن يتذكّر إسمَ رتيب التحقيق. بعدها خرج الملاح لإحضار النسخة عن التقرير الأصلي من سيارته، فيما بوسمره سألَ المتّهم طالب.
- بوسمره: هل كان مع طالب مسدّس غير المسدّس الأميري يوم حصول الجريمة؟
- طالب: لم أكن أملك إلّا مسدّساً أميرياً يومها، وهو الذي ضُبط معي.
دقائق معدودة، وعاد الملاح إلى المحكمة ومعه صورة عن التقرير الأصلي الذي سلّمه في فصيلة جونيه، وقد ضُمَّ مع الصورة المكتوبة بخطّ يدِه إلى ملف القضية.
بعدما استمهل المحامي طرابلسي للاطّلاع على الملف، وبعد تنبيهِ لطوف لـطالب من التغيّب المتكرّر لوكيله المحامي صليبا، قرّرَت المحكمة إرجاءَ الجلسة إلى 22/5/2017 على أن تكون مخصّصة لاستجواب المتّهمين الحاضرين ودعوة الدكتور الملاح.
رصاصة طائشة؟
أمس الأوّل انتقلت إيليان عروساً إلى السماء، وأمس بَكت بلدة بدنايل ملاكَها سارة سليمان التي سقطت أمام أحد الملاهي في زحلة. نسير وأعدادُ ضحايا الرصاص الطائش تُسابقنا. لم تعُد المسألة قضية رصاصةٍ أو أمنٍ متفلّت، إنّما فئة من المواطنين برُمّتها «طائشة» لا يَردعها قانون، ولا تثنيها هيبة دولة.