IMLebanon

200 ألف ناخب درزي فقط… كيف يواجهون الزحف الماروني ـ الشيعي ـ السنّي؟

 

 

كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:

لى رغم أنّ الصيغة اللبنانية توافقية وتسير بعد «إتفاق الطائف» تحت شعار «وقّفنا العدّ»، إلّا أنّ الواقع الديموغرافي يطغى على اللعبة السياسية، ويتحكّم بمفاصلها الى حدٍّ كبير.يبدو أنّ المشكلة الدرزية في اللعبة الإنتخابية أعمق بكثير من مشكلة الأقليات الأخرى، نظراً للدور التاريخي الذي لعبته تلك الطائفة في بناء الفكرة الإستقلالية مع الموارنة وتأسيس الكيان اللبناني، في حين أنّ دورَها لم يعُد يتناسق مع حجمها العددي.

وفي مقارنة بين المطالب المسيحيّة والمخاوف الدرزيّة، نرى أنّ أزمة الموارنة والمسيحيين، هي تمثيلية، بينما مشكلةُ الدروز وجوديّة. صحيح أنّ هناك مذاهب مسيحية توازي الدروز عدداً ومقاعد مثل مذهب الروم الكاثوليك، لكنّ تلك المذاهب منضوية تحت عباءة القيادة المارونية ورايتها، بينما يحاول الدروز الذين يملكون 8 مقاعد نيابيّة فقط، حجزَ مقعدٍ، ولو خلفي على الساحة الإسلامية بين الجبّارَين السنّي- والشيعي، وإستطراداً مع الموارنة.

الإختلال

تُظهر أرقام الدروز المسجَّلين على لوائح الشطب، مقارنةً بالمذاهب الإسلامية والمسيحية الكبرى إختلالاً كبيراً في الميزان الديموغرافي على رغم ما تعرّض له المسيحيون من نكسات.

النقطة التي تدعو للخوف أيضاً على المصير هي أنّ الموارنة والمسيحيين فقدوا جزءاً كبيراً من دورهم نتيجة الحروب الداخلية والخارجية عليهم والإضطهاد السياسي الذي عانوه طوال فترة الوجود السوري وإبعادهم من الحكم، إضافة الى الهجرة الضخمة بعد «الطائف» وتراجع عدد الولادات، بينما خرج الدروز بقيادة النائب وليد جنبلاط من الحرب الأهلية منتصرين، وكانوا شركاء في السلطة منذ «الطائف»، حتّى إنّهم كانوا «يأكلون» من حصّة المسيحيين، وجميع أبناء الموحّدين يسكنون بلداتهم ولم يتعرّضوا للتهجير مثل المسيحيين، ورغم ذلك فإنّ الإختلال الديموغرافي بات واضحاً.

القوانينُ الإنتخابية

سلّم الجميع، بمَن فيهم القادة المسيحيون، بضمّ الشوف وعاليه بعضهما الى بعض، وإبقائهما دائرة إنتخابية واحدة في أيّ قانون إنتخابي يتمّ الإتفاق عليه، سواءٌ كان مختلطاً، أو نسبياً على أساس 13 أو 15 دائرة.

وحتى لو تمّ التوافق على طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري باعتماد المحافظات التاريخية على أساس النسبي بالتوازي مع إنتخاب مجلس شيوخ، فإنّ الشوف وعاليه سيكونان دائرة واحدة ويُفصلان عن جبل لبنان، في حين أنّ المشروع المذكور لم يلحظ محافظاتٍ أخرى تمّ إنشاؤها مثل عكار، بعلبك- الهرمل، النبطية، وكل ذلك من أجل الحفاظ على الخصوصية الدرزية وعدم إذابتها في البحر المسيحي في جبل لبنان.

مرجعيون- حاصبيا

كل هذا الكلام يبقى في الإطار النظري إذا لم يقارَن بأرقام الناخبين المسجَّلين على لوائح الشطب، والتي تُظهر الفرق الشاسع بين الدروز وبقية المكوّنات المذهبية.

 

البداية هي من دائرة مرجعيون- حاصبيا، فهذه الدائرة فيها مقعد درزي واحد يشغله حالياً النائب أنور الخليل المنتمي الى كتلة «التنمية والتحرير». وتضمّ هذه الدائرة نحو 16 ألف ناخب درزي، في مقابل 143 ألف ناخب يتوزعون بين مسيحي وسنّي وشيعي، وبالتالي لا تستطيع القوى الدرزية الأساسية، أي الجنبلاطيون والإرسلانيون، إنتخاب ممثلها الفعلي بفعل طغيان الصوت الشيعي، إلّا إذا أرادت الثنائية الشيعية ترك هذا المقعد لإحدى القوّتين الدرزيّتين، في حين أنّ تأثير الدروز سينخفض في حال توسيع الدائرة الإنتخابية.

البقاع الغربي

وبالانتقال الى البقاع الغربي، لا يمكن للدروز التأثير إلّا ضمن تحالفات قويّة، أو في حال تمّ إقرار القانون النسبي. تضمّ هذه الدائرة نحو 20 ألف ناخب درزي لمقعد واحد يشغله النائب وائل أبو فاعور حالياً، في حين يبلغ مجموع عدد الناخبين من بقية الطوائف نحو 120 ألف ناخب، من هنا يظهر أنّ الدروز يشكّلون أقلية في هذه الدائرة، على رغم أنّ التحالفات سمحت لـ«اللقاء الديموقراطي» أن يكون له نائبان هما أبو فاعور وأنطوان سعد.

بيروت

اما في بيروت، فقد تمّ منح مقعد للدروز بعد «اتفاق الطائف» ليكون لهم حضور في العاصمة. يشغل هذا المقعد الموجود في دائرة بيروت الثالثة النائب غازي العريضي. ويبلغ عدد الناخبين الدروز نحو 5 آلاف ناخب فقط، مقابل 275 ألف ناخب من بقية المذاهب، ما يعني أنه لولا تحالف جنبلاط مع الحريري الأب والإبن لما كان قادراً على إختيار مرشحه الدرزي، لأنّ نسبة الناخبين الدروز لا تتجاوز الـ2 في المئة.

بعبدا

تُظهر بعبدا عمق الأزمة الدرزية الوجودية، ففي ظل قانون غازي كنعان، كانت بعبدا وعاليه دائرة واحدة. وفي وقت كانت الأحزابُ المسيحية مقاطِعة للانتخابات وقادتُها إمّا في المنفى أو في السجن، نسج جنبلاط علاقاتٍ إنتخابية مع المكوِّن الشيعي في بعبدا، ما سمح للائحته بالفوز من دون منافسة تُذكر.

أما بعد تغيّر المشهد السياسي، وعودة الزعامات المسيحية ووقوع الإختلاف بين جنبلاط و«حزب الله»، فقد خرجت بعبدا عن دائرة السيطرة الجنبلاطية، وهي تضمّ نحو 28 ألف ناخب درزي في مقابل 41 ألف شيعي و84 ألف مسيحي، و10 آلاف ناخب سنّي.

ونجح تكتل «التغيير والإصلاح» في إيصال النائب فادي الأعور الى الندوة البرلمانية في انتخابات 2009 لينضمّ الى التكتل، في حين رسب مرشح جنبلاط الذي هو الوزير الحالي أيمن شقير، وقد رفع رئيس الحزب «الديموقراطي اللبناني» الوزير طلال إرسلان الصوتَ أخيراً من أجل عدم فصل دروز بعبدا عن محيطهم وضمّهم الى أقضية جبل لبنان الشمالي، ما يقضي على دورهم.

عاليه

تبدو عاليه القضاء الوحيد الذي يملك فيه الدروز أرجحيّةً نوعاً ما، لكنّ الإنقسام الدرزي التاريخي فيه يُضعف القوّة التجييريّة. شكّل هذا القضاء حاضنة الزعامة الإرسلانية خصوصاً مع المير مجيد إرسلان الذي كان أحد أهمّ أركان عهد الرئيس كميل شمعون، عدا عن أنه كان رجلَ الإستقلال واحتضن رجالاتها في بشامون، كما وصل مع الجيش عندما كان وزيراً للدفاع الى الجليل في معركة المالكية الشهيرة، لكنّ هذه الزعامة ضعفت مع نجله طلال إرسلان وبسط الحزب التقدمي الإشتراكي نفوذه على هذا القضاء.

في عاليه، هناك مقعدان للدروز مقابل 3 للمسيحيين، ويبلغ عدد الناخبين الدروز نحو 68 ألفاً، مقابل 55 الف مسيحي و6 آلاف يتوزّعون بين السنة والشيعة، وبالتالي فإنّ أيَّ تحالف مسيحي قوي مع أرسلان في هذه الدائرة قادرٌ على هزّ الإحتكار الجنبلاطي له.

الشوف

لقضاء الشوف رمزيّة خاصة في التاريخ الدرزي واللبناني، فهو كان عاصمة إمارة الجبل، وشهد على كل التطوّر الذي حدث في تلك المرحلة مع الأمير فخر الدين الثاني الكبير وما بعدها، كما كان أرضاً لحروب الجبل بين الموارنة والدروز.

وعلى رغم أنّ الجميع يبدي حرصاً على الزعامة الجنبلاطية، إلّا أنّ الديموغرافيا لا ترحم أحداً. يضمّ هذا القضاء نحو 64 ألف ناخب درزي، مقابل 75 ألف مسيحي و60 ألف سنّي، و5 آلاف شيعي، وإذا كان الدروز يعتبرون أنّ جنبلاط حالياً، وبحنكته السياسية الإستثنائية يؤمّن الإستمرارية لهم، فما أدراهم من الآتي بعده.

فالمير مجيد إرسلان كان زعيماً إستثنائياً، لكنّ نجله لم يستطع الحفاظ على الإرث، فرسب في إنتخابات 2005 من ثم ترك له جنبلاط مقعداً في انتخابات 2009، كما أنّ الزعيم كمال جنبلاط رسب في إنتخابات عام 1957، وبالتالي فإنّ التحالفات الحالية لا تضمن البقاءَ في ظلّ حرب الوجود.

في المحصّلة، فإنّ تمسّك الدروز بأرضهم، وإقتراعهم بنسب عالية جدّاً تقارب في بعض الإنتخابات السبعين في المئة، لا يكفيان لسدّ العجز الديموغرافي، وسط الانتفاضة المارونية، والزحف الشيعي، والثبات السنّي، فمجموع مقاعد الدروز في كل لبنان هو 8 مقاعد، أي أقل من عدد مقاعد دائرة بعلبك- الهرمل، كما أنّ نصفَ مقاعدِهم خارجٌ عن إرادتهم الانتخابية، فيما عدد الناخبين الدروز في كل لبنان يبلغ نحو 200 ألف ناخب، وحتّى رئاسة مجلس الشيوخ باتت شبه محسومة للمسيحيين التي هي من حقهم الطبيعي لكي يصبح هناك توازنٌ في الرئاسات ضمن المناصفة، ولأنّ عدد بقية المذاهب المسيحية غير المارونية يفوق أعدادَ الدروز.