كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
يتابع الديبلوماسيون باهتمام بالغ حجم الإنقلاب الذي نفّذته الإدارة الأميركية الجديدة في سوريا والمنطقة بعد أقل من شهرَين على دخول دونالد ترامب البيت الأبيض. فقد قدّم نهجاً جديداً لواشنطن لم تعرفه طوال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما وهو ما أدّى الى البحث عن التركيبة التي قادت الى الأداء الجديد عقب التغييرات في المواقع العسكرية والأمنية. فما هي؟ ومَن هم أبطالها؟
يقول عائدون أخيراً من واشنطن إنّ البحث عن الإستراتيجية الجديدة للقيادة الأميركية في المنطقة، وفي سوريا تحديداً، يقود تلقائياً الى البحث عن مصير سلة الإقتراحات التي قدّمها وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس وفريقه واعضاء مجلس الأمن القومي والفريق المكلف بتنفيذها نهاية شباط الماضي.
ففي إطار الخطة الشاملة التي طلبها منه ترامب في 29 كانون الثاني الماضي بعد تسعة أيام على تسلّمه مهماته في البيت الأبيض برزت المتغيّرات الكبيرة في المقارَبة الأميركية الجديدة للوضع في المنطقة وسوريا والتي وُضعت موضع التنفيذ بسرعة قصوى.
ويضيف هؤلاء أنه كان أمام ترامب أن يتّخذ قراراً كبيراً لمواجهة التطورات السورية المتسارعة قبل أن تكرّسها الوقائع العسكرية على الأرض، والتي كرّسها انكفاءُ الإدارة الأميركية السابقة بقيادة أوباما وتخلّيها عن المواجهة مع الدور الإيراني المتعاظم، والذي زاد تراخيه وتجاهله للواقع من قدرته على الحضور والإنتشار على مجمل الجبهات المفتوحة على مساحة الأراضي السورية، سواءٌ بقواه المباشرة من الحرس الثوري الإيراني أو عبر حلفائه من وحدات «حزب الله» ولواء «الفاطميين الأفغان»، وتلك التي تمّ تجنيدها في سوريا تحت شعار «وحدات الدفاع الشعبي» وكذلك تلك التي جُمِعت من باكستان ودول إسلامية أخرى.
وأمام جملة المخاطر التي تحسّسها ترامب جاء الهجوم في نهاية آذار الماضي بالأسلحة الكيماوية على مدينة خان شيخون في ريف إدلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية والذي استُخدم فيه غازُ السارين ليشكّل «ساعة الصفر» لقيام الإدارة الأميركية بالخطوة الأولى المحدَّدة في الخطة الجديدة. فكان الهجوم الصاروخي في 7 نيسان الماضي على قاعدة «الشعيرات» العسكرية بعد أيام على المجزرة التي أودت بحياة 100 مدني وإصابة 400 آخرين بعوارض مختلفة بعد رفضها لكلّ التبريرات التي قدّمتها موسكو ودمشق وطهران والإدّعاء أنّ القصف طاول مستودعاً للأسلحة الكيماوية التي يقتنيها المعارضون.
في هذه الأجواء بدأ المجتمع الدولي يترقب ردات الفعل الأميركية الجدّية والمتسارِعة التي ترجمتها العمليات العسكرية في الشمال السوري دعماً للمقاتلين الأكراد من قوات سوريا الديموقراطية وفصائل أخرى تزامناً مع إعطاء الضوء الأخضر للقوات التركية لمواصلة حملتها في منطقة جرابلس ومحيطها.
وتزامناً مع مسلسل المفاجآت العسكرية الأميركية – يضيف الزوار – برزت الحملة الديبلوماسية التي قادها وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون في اكثر من اتجاه، وخصوصاً في موسكو دعماً للمخطط الأميركي الجديد بوجهَيه العسكري والديبلوماسي رافعاً من وتيرة الإتهامات في اتجاه طهران أولاً وحلفائها ثانياً، محمّلاً القيادة الروسية مسؤولية الفشل في تثبيت وقف النار المعلن منذ نهاية العام الماضي والسماح لإيران بتوسيع انتشارها العسكري على مساحة الأزمة السورية والسماح للقوات السورية بالإستخدام المفرَط للقوة بما فيها تنصّلها من التفاهم السابق المعقود في آب العام 2013 بوقف استخدام الأسلحة الكيماوية بعد تدميرها وتسليمها للجانب الروسي عقب ما عُرف بأزمة «الغوطة الغربية» التي شهدت أوّل هجوم كيماوي سوري.
عند هذه الحدود، بدأ المجتمع الدولي يتفهّم عناوين الخطة الأميركية التي ربطت بين الخيارَين العسكري والديبلوماسي واستخدام ما تملكه القوات الأميركية من أسلحة مدعومة بالقوة الديبلوماسية على قاعدة «وراء كل دبابة أميركية ديبلوماسي يديرها ويستثمر فعاليتها».
وهو ما قاد الى ارتفاع في شعبية ترامب في الداخل الأميركي على وقع فشله في بعض الملفات الداخلية الى الحدود القصوى. فبمجرد اللجوء الى استخدام القوة على خلفية اتهامه أوباما بالتخلّي عن القوة الأميركية والإستسلام امام القوة الروسية للتحكّم بالأرض السورية والإيرانيين بالتوسع في كل مجالات الحياة الإقتصادية والعسكرية والسياسية من بغداد الى دمشق وصولاً الى بيروت.
وعلى هذه الخلفيات – يروي زوار واشنطن أنه انطلاقاً ممّا تحقق برز التفسير الذي دفع ترامب الى التخلّي عن مستشاره لشؤون الأمن القومي مايكل فلين وتعيين هربرت ريموند ماكماستر مكانه والذي لولاه لما أجمع الفريق المحيط به على اعتماد هذه السياسة التصادمية والفجّة، على حدّ قول أحد المقرّبين منه.
وهو الذي أفاد أنه كان ينقص كل من وزيرَي الدفاع والخارجية ماتيس وتيلرسون رجل شبيه بشخصية ماكماستر وعقليته وديناميّته، فاكتملت ثلاثية الإدارة الأميركية الحاكمة الى جانب الرئيس. وبهذه الطريقة تكوَّن «الفريق الصاعق» الذي لا يمكن أيُّ رئيس أميركي أن يعمل من دونه أو ينجح بلا دعمه. وأنّ من أولى عناصر القوة التي احتاجها ترامب أنه حظي بمثل هذا الثلاثي المتناغم والمتفاهم على كل شاردة وواردة في السياسة الخارجية.
وقبل أن يغرق زوار واشنطن في تفاصيل كثيرة تدعم هذه القراءة لتركيبة ترامب الجديدة، يختصرون المشهد السياسي في الإدارة بالتأكيد أنّ هذا الفريق الثلاثي بات يشكل ركيزة مهمة لترامب في مواجهة إيران وحلفائها في سوريا والمنطقة. وإنّ التجارب المقبلة ستثبت ذلك بما سترسمه العمليات العسكرية في الجنوب السوري والتشدّد في قيادة العمليات في الجبهة الشمالية الى أن يقدّموا النموذج الجديد للإستراتيجية الأميركية في المنطقة، فكيف إذا تفهّم الروس هذا المنطق وتمنّعوا عن مواجهة الخطط الأميركية لتقويض الوجود الإيراني في سوريا وتطويق انتشاره تمهيداً لحصره تحت عباءة التفاهم الثنائي بين موسكو وواشنطن. وإنّ غداً لناظره قريب فإما تثبت صحّة هذه القراءة أو يتمّ دحضها، مع ترجيح إثباتها بعد أن تستوي طبخة تقاسم النفوذ بينهما ليوزّع الفتات على الباقين.