Site icon IMLebanon

“حزب الله”… التشييع لا ينسحب على انسحاب “النصر”

 

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

لم تكد تمضي 24 ساعة على خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لمناسبة الذكرى الأولى لسقوط القيادي مصطفى بدر الدين، والذي أعلن خلاله الانسحاب من مواقعه عند الحدود اللبنانية ـ السورية تحت عنوان “أُنجزت المهمة”، حتى تلقّى الحزب خسارة كبيرة بسقوط قائدين ميدانيّين في سوريا هما: حسين سامي رشيد الملقب بـ”الحاج باقر” من بلدة مجدل زون قضاء صور، وعلي محمد بيز من بلدة مشغرة المعروف بلقب (أبو حسن بلال)، وقد أقام “حزب الله” لبيز ، مراسم وداع وأداء قَسَم “العهد والوفاء” في حي ماضي الشيّاح.

عدد قادة “حزب الله” وعناصره الذين سقطوا ويسقطون في سوريا، هو في ارتفاع دائم ويتبدل بين لحظة وأخرى. وعلى الرغم من خروج الحزب من حالة الاختباء وراء اصبعه في عملية تعداد السقوط المستمر هذا، إلا أن هذا الأمر ما زال يُشكّل له إحراجاً كبيراً داخل بيئته وبين جمهوره، تحديداً خلال تقديم قادته واجبات العزاء في القرى والبلدات، وذلك أمام دموع النسوة وأسئلتهن المُحرجة، عن حال أبناء وأقارب هؤلاء القادة المعروفين برفضهم أداء الخدمة ضمن المناطق التي تُعتبر خطرة، فيما لا تُفلح كل محاولات الأهالي في تجنيب أبنائهم الموت ضمن المناطق السورية المُشتعلة.

كما هو معلوم إن خسائر “حزب الله” في صفوف القادة الذين سقطوا على الأراضي السوريّة كبيرة ومنهم: مصطفى بدر الدين، جهاد مغنية، القائد العسكري محمد أحمد عيسى المعروف بـ”أبو عيسى”، القائد العسكري إبراهيم الحاج “أبو محمد سلمان”، حسن حسين الحاج الملقب بـ”أبو محمد الإقليم” قائد عمليات الحزب في منطقة ريف إدلب – سهل الغاب، مهدي عبيد، القائد اسماعيل أحمد زهري، القائد العسكري حاتم حمادة الملقّب بـالحاج “علاء” ويُضاف اليهم القائدان رشيد وبيز. هذا العدد كافٍ ليضع الحزب أمام مساءلة جمهوره عن الإنجازات التي حقّقها مقابل خسارة كل هؤلاء القادة، و”الانتصارات” الموعودة في ظل عملية الانسحاب التي أعلنها نصرالله.

ما هو مؤكد، أن البحث في أرقام أو عدد عناصر الحزب الذين يسقطون في سوريا، لم يعد يُجدي نفعاً بعدما أصبح هذا الأمر في صفوفه شبه عادي أو “ضريبة” لا بد وأن يدفعها في سبيل تأمين وجوده واستمراره في العمق السوري. والمُفجع في هذا السقوط، هو أن معظم أهالي مقاتلي الحزب كانوا قد اعتقدوا بعد “انتصار” حلب، أن حياة أبنائهم قد حُيّدت نوعاً ما عن الاستهداف، فإذ بهم يُفاجأون بأن الموت يُلاحقهم من منطقة إلى أخرى، وآخرها إدلب ووادي بردى والغوطة الشرقية. وفي السياق، كانت صحيفة “نيوز ويك” الأميركية قد رجحت أن يكون عدد قتلى “حزب الله” في سوريا قد بلغ 1048. على الرغم من أن ثمة معلومات تؤكد أن العدد الحقيقي قد ناهز الألفين. والمُلاحظ أن “حزب الله” خسر خلال هذه الحرب، أكثر من مئة قائد ميداني يُعتبرون من القادة النُخبة والأبرز في صفوفه وهؤلاء، كان لهم أكثر من دور بارز خلال حرب تموز 2006.

اليوم، تحار قاعدة “حزب الله” الجماهيرية في صمت القيادة عن المعلومات التي تتحدث عن حجم الخسائر والتي تدّعي القيادة على الدوام بأنها “ملفّقة” أو “مُبالغ فيها”. وما تراه هذه البيئة مؤلماً، أن أي رقم جدي لم يخرج منذ إنزلاق الحزب في الحرب السورية، عن الحجم الفعلي لهذه الخسائر، أقله من باب الصدقيّة والحفاظ على الصورة القديمة التي سبق ورسمتها هذه البيئة في ذهنها حول كل ما يتعلّق بطبيعة عمل الحزب. ولكن على الرغم من كل هذه الإشكاليات التي تُعبّر عنها هذه البيئة إلا أنها لم تصل بشكل فعلي إلى مرحلة اهتزاز الثقة بشكل كامل، لكن من المؤكد أنها تركت آثاراً بالغة في نفوسهم وولّدت لديهم انطباعات تشي بفترة ضبابية مُقبل عليها الحزب من الصعب فيها تحديد الأرض التي يقف عليها أو حمايتها، أو على الأقل تخفيف النزف البشري الذي يُلاحقه سواء أكان مُرغماً، أو برضاه. ويتزايد هذا الانطباع لدى هذه البيئة، في ظل مشهد السقوط المستمر، وكلام نصر الله الأخير حول إنجاز المهمة.

وبعيداً عن المعتقدات وسياسة التعبئة وحقن النفوس داخل “حزب الله”، فإن الموت في صفوفه أو طلب “الشهادة”، يُعتبر حياة في الدنيا والآخرة. هذا ما يُشيعه الحزب داخل بيئته، وهذا ما صار أقصى طموحات العديد من عناصره، إذ لا فرق إن كان “العدو” هو الشعب السوري أو في أي مكان آخر، فالمهم بالنسبة إلى هؤلاء، أن تُقام لهم مآتم وجنازات حاشدة وأن تمتد أياماً ولياليَ، إضافة إلى الأمر الأهم وهو، عرض الوصيّة المصوّرة أكثر من مرّة أسبوعيّاً على وسائل إعلام الحزب وإجراء مقابلات مع الأهل والأقارب والأصدقاء، يمتدحون خلالها حياة وأعمال “الشهيد”. وأكثر ما يُؤلم في هذه الوصايا، مشاهد تقبيل الأطفال لصور آبائهم، وكأن المُراد زرع روح الانتقام في داخلهم.

يبدو أنّ “مهمة” حزب الله في سوريا، تقتصر على احتلال البلدات وتثبيت المواقع وكل ما يُعزّز فرص وجوده في الداخل السوري، ضمن مشروع أُعد منذ لحظة تدخله في الحرب السورية، يُمكن صرفه مستقبلاً في أي تسوية من شأنها أن تعود عليه بالمنفعة والمصلحة الشخصية. أما بالنسبة إلى قادته وعناصره الذين يسقطون على تلك الأرض، فقد لا يكونون أفضل حالاً من المشروع التوسعي نفسه الذي تقوده إيران في المنطقة والتي وجدت في سوريا أرضاً خصبة لزرع بذور فتنتها وذلك بدماء لبنانية بعدما أشعلت حقدها في نفوس أصحاب هذه الدماء وبثّت في نفوسهم شهوة الانتقام، بعدما شيطنت لهم الأقربين والأبعدين.