كتب وسام ابو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
تكاد بيروت أن تصاب بـ«الضجر» بعد أشهرٍ على سيركٍ سياسي دهَمه الملل، اسمه قانون الانتخاب، رغم أن «الثرثرات اليومية» على حافة الخراب ضاعفتْ الخوف الكبير من استهلاك الشهر الأخير قبل «الشرّ المستطير» بالمكائد والأفخاخ وتصفية الحسابات واللعب بالأعصاب، ودفْع البلاد تالياً نحو الهاوية في لحظةِ طوفان النار والدم في المنطقة.
فـ «اللعبة» في بيروت تقترب من خواتيمها المفتوحة على الكوابيس، إذ بعد شهر من الآن (في 20 يونيو المقبل) يحال البرلمان الحالي على التقاعد ويتّضح الخيط الأبيض من الاسود في الصراع الدائر بشراسة على «الأمر لمَن» في السلطة التي تنبثق عن قانونِ انتخابٍ تجري مفاوضاتٌ «يائسة» في شأنه، يَختلط فيها السياسي بالطائفي، والمحلي بالاقليمي، والفئوي بالشخصي.
كأن بيروت المفتوحة الشهية على «وليمة» السلطة وتَقاسُم النفوذ فيها، لا تقيم وزناً لحروبٍ تحوطها وتجعلها في عين العاصفة وقلبها ايضاً، فها هي محشورة الآن بين «كمينٍ» انتخابي نَصَبه «حزب الله» للجميع حين قال ان لا صوت يعلو فوق صوت «النسبية الكاملة»، وبين «الحاجز» الطائفي الذي نصبه «التيار الوطني الحر» بعدما خُطفتْ السياسة مع انهيار «8 و 14 آذار» واختلط الحابل بالنابل.
ورغم الاعتقاد بأن أحداً لن يجروء على القفز بلبنان الى المجهول، وأن لا مناص من اتفاق «الخمس دقائق الأخيرة» عبر اقتياد «حزب الله» الجميع الى «النسبية الكاملة» وبضماناتٍ كـ «جوائز ترضية» قبل حصول الفراغ في 20 يونيو، فإن تحدياتٍ هائلة تهبّ على لبنان من خلف ظهر الغبار الانتخابي الكثيف.
وثمة مَن يعتقد في بيروت أن «حزب الله» الذي تحوّل ذراعاً ايرانية وقوة إسنادٍ للدور الروسي، بعد تورُّطه العسكري في سورية ومضيه في القتال على جبهاتها المترامية، أصبح عنواناً يستدرج تحديات لا يُستهان بها ستصيب لبنان، خصوصاً أن اللعب مع الكبار ومُلاعَبَتهم في ظلّ صراعِ نفوذٍ يشتدّ الآن، ينطوي على احتمالاتٍ يصعب تَوقُّعها.
وتندرج العقوبات الأميركية الأوسع والأشدّ صرامة على «حزب الله» وداعميه في إطار التحديات الـ «ما فوق عادية» التي ينتظرها لبنان في الأشهر المقبلة، لا سيما وسط الترقُّب الكبير الذي يسود لِما قد تفضي اليه زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للمنطقة، والتوقعات المتّصلة بالمواجهة الأميركية – الإيرانية، وباحتمالات الحرب بين إسرائيل و«حزب الله».
وفي تقدير دوائر مهتمّة ان الولايات المتحدة التي قرّرتْ استرداد زمام المبادرة في الشرق الاوسط، تدرك أهمية الدور الذي يضطلع به «حزب الله» كـ «رأسِ حربةٍ» للمشروع الإيراني في لبنان وسورية والعراق واليمن، وكـ «رافعةٍ» للنفوذ الروسي في سورية، وعلى جبهاتها كقوّة ميدانية متمرّسة يمكن الاتكاء عليها في ظلّ هشاشة الجيش السوري وضعف معنوياته، ولذا فإنه سيكون هدفاً أميركياً لا مناص.
وبهذا المعنى من غير المستبعد أن تقترن العقوبات المالية الأميركية الأكثر تشدداً ضدّ «حزب الله» الذي تعتبره الإدارة الاميركية «منظمة ارهابية – اجرامية» مع خطوات أخرى تكتيكية – أمنية في سورية لا في لبنان، فالولايات المتحدة العائدة بقوة إلى سورية على دراية بحساسية الواقع اللبناني وتعقيداته، رغم حماستها لمعرفة المزاج اللبناني حيال التبدل في سياسة واشنطن التي طوت مع ترامب صفحة باراك اوباما.
ورغم أن «حزب الله» لا يُسقِط من حسابه مواجهةً صارت أكثر احتمالاً مع اسرائيل التي تشعر بـ «عصرٍ ذهبي» في ظل ترامب، فإن الدوائر عيْنها إستبعدتْ نشوب حرب على الجبهة اللبنانية ما دامت مشتعلة على المسرح السوري، خصوصاً أن إسرائيل تحاذر المجازفة بجعْل روسيا بمواجهتها في حربٍ يتحوّل فيها لبنان وسورية جبهة واحدة.
غير أن الأكثر حساسية بالنسبة الى بيروت ستكون القمة الاميركية – العربية – الاسلامية في الرياض، التي يشارك فيها لبنان عبر رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، بعدما أشيع من تفاهُم ضمني قضى بتجنّب دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتمثيل لبنان تفادياً لإحراجه.
ويخضع الموقف اللبناني من القمة وفيها لمعاينةٍ دقيقة في ضوء «الرسائل» التي جرى تطييرها من «حزب الله» وحلفائه للحريري، ومن خلفه لعون، ومفادها أن لبنان لن يكون جزءاً من المحور السعودي – الاميركي، الأمر الذي يعكس حساسية موقف الحريري الذي لا يمكنه الخروج عن إجماع قمة الرياض ولا إغضاب «حزب الله».
واللافت في هذا السياق أن بيروت تشهد منذ مدة حركة استطلاع اميركية للموقف من «حزب الله» تقوم بها وفود من الحزبين الجمهوري والديموقراطي ومن مراكز أبحاث ودراسات في محاولةٍ لرصْد الاتجاهات الرسمية والسياسية وحتى الشعبية حيال مسألتين: الموقف من «حزب الله» والتبدّل في السياسة الاميركية حيال لبنان والمنطقة.
وتلاحظ هذه الوفود ان لبنان الرسمي والسياسي يَمضي في سياسة «ربط النزاع» مع «حزب الله» في المسائل الخلافية كإنخراطه في الحرب السورية، وتعليق المعركة معه حيال القضايا الاستراتيجية، بعدما قرر «التعايش» معه في مساكنةٍ إضطرارية بدتْ مستهجَنة أحياناً من تلك الوفود المهتمة بمعرفة إمكان ملاقاة لبنان للخيارات الأميركية الجديدة في المنطقة.
ورغم ان تلك الوفود تقرّ بأن اللبنانيين أطفأوا محرّكاتهم بعد إضفاء إدارة اوباما شرعية على قتال «حزب الله» في سورية، حسب ما كان أعلنه وزير الخارجية السابق جون كيري في زيارته «اليتيمة» لبيروت، فإنها (الوفود) تشعر وكأن أوباما ما زال في بيروت مع تأكيدها ان في الولايات المتحدة الحكم ليس استمرارية بدليل المتغيّرات التي بدأت مع مجيء ترامب إزاء قضايا المنطقة، ولا سيما ايران.