كتب شادي زريبي في صحيفة “العرب” اللندنية:
يجري حزب الله حاليا مفاوضات مع جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) في جرود عرسال الواقعة شرقي لبنان تهدف إلى الاتفاق على انسحابها من المنطقة مقابل جملة من الإغراءات لا تخلو من مال.
وتؤكد مصادر لبنانية أن المفاوضات بين الطرفين شارفت على الانتهاء، وأن الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بات قريبا للغاية.
وكان الأمين العام للحزب حسن نصرالله عرض في إطلالته الأخيرة الخميس على مسلحي النصرة المتواجدين في منطقة عرسال، اتفاق إجلاء مشابها لما حصل في سوريا.
ويبدي حزب الله حرصا كبيرا على إنجاح المفاوضات مع النصرة لجهة تأمين نفسه، خاصة مع تواتر معطيات عن عمل عسكري يجري التحضير له في الكواليس لاستهدافه وقطع طرق الإمدادات له من سوريا.
والمفاوضات بين الحزب والنصرة ليست بجديدة وسبق وأن قادت إلى اتفاقات بينهما رعتها قطر وإيران وآخرها ما يعرف باتفاق البلدات الأربع (الفوعة وكفريا في ريف إدلب مقابل مضايا والزبداني في ريف دمشق).
وبالتزامن مع المعطيات المتواترة عن المفاوضات الدائرة اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش اللبناني وجبهة النصرة في منطقة جرود عرسال، الأمر الذي فتح أبواب التأويلات على مصراعيها. ويؤكد رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري أن أصوات القذائف تسمع بوضوح في البلدة، معربا عن تمنيه بقرب التوصل إلى حل لهذه المسألة “يضمن إخلاء الجرود من المسلحين تمهيدا لعودة مزارعي عرسال إلى استثمار أراضيهم التي لا يمكنهم الوصول إليها في ظل الظروف القائمة حاليا”.
وأشارت بعض القراءات إلى أن موضوع التفاوض لا يبدو خارج السياقات العامة التي يرسمها حزب الله في المنطقة، وهي ترتيب لإمكانية انسحابه من سوريا، بعد أن بدا واضحا أن منسوب التهديد بضربه بات قويا.
ورأى البعض أن المعارك المندلعة بين الجيش اللبناني وجبهة النصرة في منطقة الجرود من شأنها إعاقة الاتفاق الذي كان الحزب ينوي إنجازه مع جبهة النصرة، كما أنه يوصل رسالة تقول بوضوح إن الجيش اللبناني وحده هو المكلف بمحاربة الإرهاب.
في مقابل ذلك لا يعتقد عضو كتلة المستقبل أمين وهبي أن اندلاع المعارك بين الجيش اللبناني وجبهة النصرة يمكن أن يكون عائقا أمام إتمام الصفقة لأن “الحزب سبق له أن عمد إلى إنجاز صفقات وعمليات إخلاء في وقت كانت فيه الجبهات مشتعلة”.
ويشدد وهبي على أنه “إذا كانت هذه الصفقة تتلاءم مع مصالحه ومع الاستراتيجية الإيرانية فإنه سيستمر فيها بغض النظر عن المعارك المندلعة بين الجيش والنصرة”.
من جهته يستبعد مستشار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع العميد المتقاعد وهبي قاطيشا أي رابط بين المعارك المندلعة بين الجيش وجبهة النصرة وبين المسار التفاوضي بينها وبين حزب الله، مؤكدا “أن أهداف الجيش تتناقض تماما مع أهداف حزب الله، فالجيش ينفذ مهمته في محاربة الجماعات الإرهابية انطلاقا من توجهاته الوطنية، في حين أن أهداف الحزب تخضع لاعتبارات لا علاقة لها بمصلحة لبنان”.
وقام قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون مؤخرا بزيارة استمرت لأيام إلى الولايات المتحدة تمخض عنها الكثير من النتائج الإيجابية، والتي تمثلت في ارتفاع ملحوظ في وتيرة المساعدات العسكرية الأميركية الرامية إلى زيادة قدرة الجيش على محاربة الإرهاب.
وتوالى ظهور مفاعيل زيارة قائد الجيش اللبناني إلى الولايات المتحدة، حيث زار قائد القوات الجوية في القيادة الأميركية الوسطى جيسري هاريجيان قائد الجيش العماد جوزيف عون على رأس وفد عسكري كبير.
وأشارت مصادر عسكرية إلى أن هاريجيان أعلن عن الشروع في تسليم لبنان طائرات “السوبر توكانو” إضافة إلى طائرات مروحية، كما أكد أن الدعم الأميركي للجيش اللبناني لن يتوقف أبدا.
وأطلق هاريجيان مواقف إيجابية اعتبر فيها أن فتح لبنان معركة بهدف تنظيف الجرود من داعش وأخواتها مسألة لبنانية، معلنا أنه في حال اتخذ الجيش قرارا في هذا الشأن فإن واشنطن ستمده بالسلاح المطلوب.
ويربط مراقبون بين المناخ الذي عبرت عنه زيارة هاريجيان وبين المعارك المندلعة في الجرود، معتبرين أنها إشارة إلى اتخاذ الجيش قرارا بتصفية وجود العناصر الإرهابية في الجرود مستفيدا من الدعم الأميركي.
ويقول النائب أمين وهبي “إن الدعم الأميركي والدولي للجيش اللبناني يعود إلى أنه نجح في أن يثبت على أرض الواقع فعاليته في محاربة الإرهاب”.
وينبه من أن حزب الله “يوظّف حجة محاربة الإرهاب من أجل تبرير كل ما يقوم به، ولكن الجميع يعلمون أن هذه الحجة ساقطة، وأن مشاركته في الدفاع عن النظام السوري كانت عاملا فاعلا في صناعة الإرهاب”.