كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
… الى الرياض دُر. هكذا بدا المشهد في بيروت التي أخذتْ «الحرب الباردة» التي تشهدها على تخوم ملف قانون الانتخاب الجديد «وقتاً مستقطعاً» في انتظار القمم التي ستشهدها العاصمة السعودية مع الزيارة التي يبدأها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي يتم التعاطي معها على أنها ستشكّل مفصلاً بالغ الأهمية على صعيد مسار المنطقة وتوازناتها وأزماتها.
واذا كان اهتمام لبنان بقمم الرياض بديهياً باعتبار انه إحدى «حلقات» النفوذ الايراني، الذي سيشكّل عنواناً رئيسياً للبحث خلال زيارة ترامب، وترتبط به «بلاد الأرز» عبر «حزب الله»، الذراع الأبرز لطهران في مشاريعها التوسعية، فإن هذا الاهتمام بات مضاعفاً في ظلّ مشاركةِ رئيس الحكومة سعد الحريري في القمة العربية – الإسلامية – الأميركية المرتقبة (على رأس وفدٍ يضمّ وزيريْ الخارجية جبران باسيل والإعلام ملحم رياشي) وسط ترقُّبٍ للمسار الذي سيعتمده لجهة المواءمة بين تفادي التموْضع خارج «المحور» الذي ستلعب الرياض دوراً رئيسياً فيه لجهة إعادة التوازن الى المنطقة وبين تجنُّب توفير الغطاء الرسمي لأيّ اندفاعة ضدّ «حزب الله» حرصاً على استقرار الواقع السياسي في لبنان.
وعشية وصول ترامب الى الرياض، بدتْ أوساطٌ سياسية حذِرة حيال مقاربة تداعيات القمم التي ستشهدها السعودية على الوضع اللبناني، معربةً عن الخشية من ان تفرض المرحلة الجديدة التي تقف المنطقة على مشارفها تَشدُّداً أكبر من «حزب الله» في مقاربة مجمل المشهد في لبنان الذي يختزله هذه الأيام الصراع الشرس حول قانون الانتخاب باعتباره الأداة الرئيسية للتحكم باللعبة السياسية واستحقاقاتٍ رئيسية مقبلة عبر البرلمان الجديد، وإن لم تُسقِط من حسابها إمكان ان يعمد الحزب تحت وطأة التحولات الاقليمية الى تدوير الزوايا في ما خصّ القانون، بهدف قطْع الطريق على أيّ تعقيدات سياسية خطيرة يمكن ان يستجرّها وقوع مجلس النواب في الفراغ بعد 20 يونيو ما يعني «انكشاف» الساحة اللبنانية على الفوضى وعدم الاستقرار في لحظةٍ انهماك «حزب الله» في إكمال «سلة أهدافه» الاستراتيجية في سورية والمخاوف من «مفاجآت ساخنة» اسرائيلية.
واذا كان الرئيس الأميركي رسَمَ عشية وصوله الى السعودية خطاً أحمر بالنار أمام النظام السوري وإيران يتّصل خصوصاً بقطْع طريق ارتباط طهران بكل من سورية ولبنان وصولاً الى المتوسط عبر العراق من خلال الغارة لطيران «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن على قواتٍ موالية لنظام الرئيس بشار الأسد على الحدود العراقية – الأردنية – السورية، فإن هذه الإشارة البارزة تركتْ أصداء كبيرة في بيروت التي رغم الارتياح الذي عبّرتْ عنه مصادر مطلعة الى التنسيق بين الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون حيال مشاركة الأول في مجريات القمة العربية – الإسلامية – الأميركية والموقف الذي سيعبّر عنه خلالها وعلى هامشها، إلا ان هذه المصادر لا تُخفي القلق من كيفية احتواء السقف العالي الذي سيسود زيارة ترامب للرياض والقمم التي ستُعقد فيها. علماً ان «حزب الله» كان وجّه عبر حلفاء له «الرسائل اللازمة» الى رئيس الحكومة وإن بطريقة «لا توصي حريصاً» حيال تجاوُز «الخطوط الحمر» اللبنانية، بعدما وضع هذه المحطة بمصاف قمة شرم الشيخ 1996 التي مهّدت لعدوان نيسان 1996 الاسرائيلي وحرب تموز 2006، ما يعني التعاطي مع كل ما سيصدر عنها حياله على انه «عدواني».
وبانتظار انكشاف «الحصة» التي سينالها «حزب الله» من قمم الرياض وتبلْور موقع لبنان من المواجهة المتجددة مع ايران، فإن «الوقت الضائع» في بيروت لم يشهد اي جديد على خط قانون الانتخاب الذي بات أمام مفترق جديد تنتهي صلاحيته بعد شهر بالتمام والكمال، وانتقلتْ عملية «عضّ الأصابع» فيه الى مرحلة «اللعب على المكشوف» حيال الشروط والشروط المضادة، وسط استعار «حرب السقوف» التفاوضية التي صارت تجري على «حد السكين»، الذي يشكله اي وقوع للبرلمان في الفراغ، او العودة الى «قانون الستين» النافذ الذي يُستخدم كورقة ضغط متبادلة.
وفي هذا السياق وبعدما أصبحت النسبية الكاملة المدخل لأي قانون جديد، فإن «شدّ الحبال» حول ضوابطها يحتدم، في ظلّ اعتبار «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) ان «التأهيلي» هو الأنسب للحدّ من أضرار النسبية الكاملة وحفظ معيار حسن التمثيل، وإلا النسبية الكاملة ضمن دوائر متوسطة (نحو 15) مع صوت تفضيلي طائفي ونقْل مقاعد مسيحية من دوائر الى أخرى، وسط إعطاء الرئيس عون إشارات ضمنية إضافية الى رفْض حشْره بين خياريْ «التمديد بلا قانون او الفراغ» والى ان عدم الاتفاق على قانونٍ لن يعني الفراغ لأن «الستين» يبقى الملاذ الأخير. وهو قال امس أمام وفود زارتْه «مستمرّون في العمل لإنتاج قانونٍ يعكس طموحات اللبنانيين ويحقق أمالهم»، مشيراً إلى أنه «مهما حصل فان الانتخابات ستحصل وثمة وقتٌ للوصول الى اتفاق فلا تقلقوا».
واذا كان كلام عون عكس في جانبه الآخر غمزاً من قناة اتجاهٍ الى فتْح دورة استثنائية لمجلس النواب بعد الجلسة التي حدّدها رئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية، في 29 الجاري وذلك بهدف تغطية الفترة الفاصلة بين انتهاء الدورة العادية للبرلمان (31 ايار) وانقضاء ولايته، فإن أوساطاً مراقبة توقّفتْ عند ما أوردتْه محطة تلفزيون «ان بي ان» (تابعة لبري) في مقدّمة نشرتها الإخبارية من «ان العارفين يعتبرون ان ما نشهده ليس سوى مسار لتوافق خفيّ بظاهره ونابض في جوهره، إما الستين وإما التمديد»، ناقلة عن «مصادر عليمة» قولها: «ان المرسوم قد رسم وبات من غير المتاح الخروج من دائرته. واللاءات التي رفعها المكابرون تتساقط الواحدة تلو الاخرى فالفراغ حاصل و(الستين) حاصل وإما التمديد».
وحسب الأوساط المراقبة، فإن «تعويم» الستين هو في سياق واحد من احتماليْن: الاول انه في إطار عملية «مَن يصرخ أولا» في الطريق الى إقرار قانون النسبية او التمديد وفق اتفاق إطار، والتي تتركّز بين الثنائي الشيعي و«التيار الحر» (ومعه في جانب كبير شريكه في الثنائية المسيحية القوات اللبنانية) باعتبار ان إحياء الـ 60 «ضربة معنوية» لعهد عون الذي تولى هو «دفْن» هذا القانون تحت عنوان انه «غير دستوري» ولا يؤمن صحة التمثيل، ناهيك عن ان «حزب الله» كان عبّر عن تحفظ عن العودة اليه وثمة علامات استفهام حول مدى استعداد الحزب للتسليم بامكان وصول برلمان أكثر من ثلثيه «خارج السيطرة». والاحتمال الثاني، وإن الأضعف، ان يصبح «الستين» فعلياً «أهون الشرور».