Site icon IMLebanon

إلى متى يبقى الفلتان “الحاكم الأوّل” في البقاع؟

 

 

كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:

«البقاع الشمالي» كلمة كافية لإرعاب اللبنانيين وفتحِ مخيّلاتهم حول ما تحتويه من عصابات ومطلوبين للدولة، ورغم وجود غالبية من أفضل المواطنين فيها، إلّا أنّ صَبغة العصابات فرَضت نفسها على منطقة شكّلت بطبيعتها وجغرافيتها الملاذ الآمنَ للهروب من القانون. وفيما أُعلِن مراراً عن الخطة الأمنية في البقاع، بقيَ التطبيق مجرَّد «بَهوَرات» في الهواء، فأين أصبحت الخطة اليوم، وما هي آلية عملها المنتظرة؟ أجوبة عدة يحملها مصدر مطّلع لـ«الجمهورية».عندما نتحدّث عن الفلتان الأمني في البقاع، فإنّنا نقصد مسائل عدة متداخلة بعضُها ببعض، فهناك لا يختبئ متورّطون في جرائم أو تهَم معيّنة، بل إنّ تاجر المخدّرات يجاور سارقَ السيارات، والنصّاب يحتسي قهوته مع الخاطف، ومُزارع الحشيشة ومهرِّب الناس والبضائع… ولا تجمعهم إلّا حقيقة واحدة تفرض على المنطقة هالة الذعر والفلتان والعيش في الغابة.

أكثر من قوّة

صعوبة دخول بعض المناطق والمخيّمات أخيراً، إضافةً إلى اتّخاذ قرارات بالقضاء على المطلوبين وتسليمهم للدولة في بعض المناطق كالضاحية الجنوبية، وجّهت أنظارَ العصابات إلى جرود البقاع، «حيث لا حسيب ولا رقيب»، وهو ما يعني وجود أكثر من قوّة فاعلة على الأرض: الأحزاب أوّلاً، العشائر ثانياً، ومجموعة عصابات قوَّت نفسَها حتى باتت لها كلمة حسمٍ في البقاع، إضافةً إلى مجموعات تحضر بقوّة في بريتال ومحيطها.

من هنا، فإنّ نجاح أيّ خطة أمنية لا يعود للدولة فحسب، بل لتعاونِ الأحزاب معها والعشائر، ولوجود إرادةٍ سياسية قوية لتنفيذها مهما كانت النتائج، وهو ما لا يتوافر اليوم إلّا في بعض المرّات تحت ضغطِ المشكلات وبعض الأحداث الأمنية، حيث تنجح الخطة الأمنية لوقتٍ معيّن ثمّ تتلاشى بعدها.

إقفال المسارب

لا شكّ في أنّ بعض منفّذي هذه الجرائم يراجع حساباته بعد محاولة إقفال الحدود والمسارب التي كانت تُستعمل لتهريب السيارات، وذلك بعدما اكتُشف أنّ كلّ العمليات الإرهابية وتفجير السيارات في لبنان، نتجَت عن سرقة سيارات وإرسالها إلى سوريا لتفخيخها، ولتعود بعدها إلى لبنان، وهو ما انتهى كلّياً مع إقفال كلّ المسارب على الحدود الشرقية، إضافةً إلى وضعِ حدٍّ لتهريب البشر والمواد الغذائية والمازوت وغيرها. أمّا بالنسبة إلى عصابات المخدّرات فغالبيتُها تركت مقرّاتها الأساسية بعد إقفال الحدود، لكنّها بقيَت تمارس نشاطها داخل الحدود.

فصلُ جبل لبنان عن البقاع

ولملفِّ سرقة السيارات، وُضِعت خطة خاصة، وذلك عبر فصلِ محافظة جبل لبنان عن البقاع، أي المسالك التي تَعبرها السيارات المسروقة من بيروت مروراً بجبل لبنان وصولاً إلى البقاع، لأنه اكتُشف أنّ كلّ السيارات المسروقة تتوجّه إلى منطقة في جرود بريتال حدّدتها الأجهزة الأمنية، ولذلك فُصِلت محافظتا جبل لبنان والبقاع جغرافياً، كونهما على تماس مع بعضهما، من خلال إقفال المسارب التي تَستخدمها هذا السيارات، وإقامة حواجز عليها، وفي حال استطاعت عبور بعض المسالك، فيتمّ تعقّبُها حين تصل إلى البقاع، وهو ما حدث عندما سُرق جيب «رانج روفر» من منطقة عين سعادة، واستطاعت الأجهزة الأمنية توقيفَه على طريق بعلبك، نتيجة المتابعة، وهو ما خفّضَ من وتيرة سرقة السيارات.

20 ألف مطلوب

أكثر من 20 ألف شاب من البقاع مُلاحَقون، وبحقّ بعضِهم بلاغاتُ بحثٍ وتحرٍّ من النيابة العامة، ووثائق أمنية بحقّ البعض الآخر، شكّلت الجرود مخبَأ لهم، ومنه يطالبون بالعفو العام. ومع العِلم أنّ غالبيتهم متّهمون في قضايا مخدّرات إلّا أنّ التهَم كلّها تداخلت، لكنّ المفارقة تكمنُ في أنّه لم يعُد في استطاعتهم التحرّك كما كانوا يفعلون سابقاً.

عوامل أفشلت الخطة

وسعُ المساحة الجغرافيّة في البقاع، وعدم تأمين الغطاء السياسي من القوى الموجودة للخطّة، ساهما بشكلٍ أساسي في إحباط الخطط الأمنية، فضلاً عن صعوبة الوصول إلى الأماكن التي يختبئ فيها المطلوبون، نظراً لطبيعتها الجغرافية، ولاختيارهم أماكن إمّا شعبية أو مكشوفة، وهو ما يُفشل عمليات الدهم، الأمر الذي حدثَ مراراً في بلدة الكنَيسة في محاولات القبض على نوح زعيتر.

ومن الاستراتيجيات المعتمدة في الإفلات من قبضة الدولة، هو نزول النساء والأطفال إلى الشوارع في المناطق المكشوفة عند وصول الأجهزة الأمنية لتنفيذ عمليات الدهم، خصوصاً في المناطق المكتظّة، ليصبح القبض على أيّ مطلوب مسبّباً لتصادمٍ ما مع الأهالي، فتأخذ الأمور طابع الخروج عن السيطرة. إضافةً إلى استراتيجية أخرى تقضي بإطلاق بعض الموقوفين النارَ على الحواجز عند الاشتباه بهم، ليردَّ العناصر عليهم بالمِثل ويقع ضحايا ويصبح ثأر الأهالي في هذه الحال «حلالاً».

مطلوبون من الأحزاب

المُغاير اليوم، هو أنّه لم يعُد باستطاعة الأحزاب تحمُّل الموضوع الذي بات يؤثّر عليها بأكثر من شكل، فيوم أصبَحت المخدّرات وسرقة السيارات منتشرة بقوّة، شكّلَ هذا الموضوع مشكلةً كبيرة للأحزاب، عدا عن التحاقِ العديد من المطلوبين بها، لتقعَ المصيبة لدى قياداتها عند طلبِ الدولة لبعض هذه الأسماء.

إذاً، لم يُتّخَذ قرار جدّي في تنفيذ خطة أمنية في البقاع بعد، رغم أنّها أصبحت منطقةً عسكرية بعد اشتباكات عين بورضاي، وهو ما كان يُفترض أن يؤدّي دورَ المحفِّز للأمن فيها.

أمّا وعندما يأتي اليوم الذي ستستطيع الدولة فرضَ نفسِها على البقاع، فإنّه وإضافةً إلى عملية فصلِ محافظتَي جبل لبنان والبقاع جغرافيّاً، على الخطة الأمنية أن تتّسم بتحرّكات سريعة للقوى المداهمة، إذ غالباً ما تصطدم هذه القوى بعوائق عدة… فإلى متى سيبقى الفلتان الحاكمَ الأوّل في البقاع ولبنان؟