كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
غداة انتهاء قمم الرياض وما أرستْه من شراكةٍ عربية – إسلامية – أميركية على قاعدةٍ أساسية عنوانها محاربة التطرّف والإرهاب وعزْل إيران، بدا لبنان معنياً على مساريْن متشابكيْن بهذا الحدَث التاريخي الذي اعتُبر مدخلاً لإعادة تشكيل المنطقة وقيام نظام إقليمي جديد.
المسار الأوّل رصْد التداعيات المحتملة على واقعه السياسي جراء السقف غير المسبوق الذي اعتُمد في الرياض حيال إيران «رأس حربة الإرهاب العالمي»، و«حزب الله» الذي وُضع في المصاف نفسه مع الحوثيين و«داعش» و«القاعدة» والذي ذكره بالاسم كلٌّ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الاميركي دونالد ترامب امام القمة العربية – الأميركية – الإسلامية. والمسار الثاني تَرقُّب ارتدادات هذا المشهد غير المسبوق في السعودية على أفق أزمة قانون الانتخاب التي دخلتْ في عدّ تنازُلي ينتهي في 20 حزيران المقبل تاريخ انقضاء ولاية البرلمان الحالي.
وفي المسار الأول، توقّفت دوائر سياسية مطلعة عبر «الراي» عند «الالتباس» الذي أثاره موقف «نفْض اليد» الذي أصدره رئيس «التيار الوطني الحرّ» وزير الخارجية جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) من «إعلان الرياض» بعيد عودته الى بيروت (ليل الأحد) حيث كان في عداد الوفد الذي ترأسه رئيس الحكومة سعد الحريري، قبل ان تبرز إشارتان واضحتان الى تأييد الحريري لهذا الإعلان: الاولى من خلال اللقاء الذي عُقد امس بينه وبين ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان غداة الـ «سيلفي» البالغة الدلالات التي كان نشرها على صفحته على «تويتر» وجمعته به وبولي العهد الأمير محمد بن نايف مرفقة بتعليق: «بين أهل الخير. معاً عملنا لإنجاز الاستقرار ودائماً معاً لإرساء السلام والوحدة والحفاظ على عروبتنا، نعم، دائماً!». والثانية عبر ما نُقل عن مصادر رئيس الحكومة (لتلفزيون ام تي في) من تأييد كامل لـ «إعلان الرياض» الذي لم يأتِ على ذكر لبنان ولا «حزب الله» بل ركّز على محاربة التطرف والإرهاب و«الأدوار الهدّامة لإيران» في المنطقة، مشددة على ان «لبنان في صلب التضامن العربي»، ولافتة الى «ان لبنان ليس مسؤولاً عن المواقف التي أُطلقت في القمة بل عن الكلمة الرسمية التي لم يُلْقها الحريري بسبب ضيق الوقت (الذي لم يسمح أيضاً للعدد الأكبر من المشاركين بإلقاء كلماتهم) والتي كانت ستلتزم بمضمون البيان الوزاري وخطاب القسَم».
وكان باسيل «تبرّأ» عبر صفحته على «تويتر» من «إعلان الرياض»، قائلاً «لم نكن على علم به، بل كنا على علم أن لا بيان سيصدر بعد القمة، وقد تفاجأنا بصدوره وبمضمونه ونحن في طائرة العودة». أضاف: «أما وقد وصلنا إلى لبنان فنقول إننا نتمسك بخطاب القسم والبيان الوزاري وبسياسة ابتعاد لبنان عن مشاكل الخارج وإبعادها عنه ضناً بلبنان وشعبه ووحدته».
ورأتْ الأوساط المطّلعة أن كلام باسيل جاء على طريقة «رفْع العتب» حيال حليف «التيار الحر»، أي «حزب الله»، ملاحِظة ان وزير الخارجية لم يعلن رفْضه لـ «إعلان الرياض» ولا إدانته، فيما شبّهه خصوم «التيار» بما سبق ان قاله الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله بعيد حرب تموز 2006 «لو كنتُ أعلم»، علماً ان زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية وضع ما قاله وزير الخارجية في سياق «شاهد ما شافش حاجة».
وعلى وقع صمت رئيس الجمهورية ميشال عون (حتى بعد ظهر امس)، طرح مجمل هذا المناخ علامات استفهامٍ حيال ما بعد قمم الرياض على المستوى اللبناني في ظلّ «حملة تصاعُدية» من وسائل إعلام محسوبة على «حزب الله» على السعودية وما شهدته يوميْ السبت والأحد الماضيين، ووسط انتظارٍ لكلمة السيد نصر الله الخميس المقبل في ذكرى تحرير الجنوب.
ومن هذا «الصخب» نفسه، تطلّ الأوساط المطّلعة على المسار الثاني الذي يجري رصْده ربْطاً بالتحولات المفصلية التي أطلّت من الرياض والذي يتّصل تحديداً بتأثيراتها على مأزق قانون الانتخاب، وسط ترقُّب لما إذا كانت موازين القوى الجديدة التي عبّرت عنها القمم في السعودية ستدفع باللاعبين المحليين الى محاولة الاستفادة من ملامح «العاصفة» التي تلوح في الأفق حيال ايران و«حزب الله» لانتزاع مكاسب من الحزب في ما خص القانون العالق حتى الساعة عند إصرار «التيار الحر» ومعه في جانب كبير شريكته في الثنائية المسيحية «القوات اللبنانية» (وبمؤازرة خلفية من الحريري) على بلوغ صيغة توفّر الضوابط للنسبية الكاملة التي جعلها «حزب الله» الممرّ الإلزامي لأي قانون وصولاً الى تلويح رئيس الجمهورية بأن لا خوف من وقوع الفراغ في مجلس النواب بعد 20 حزيران لأن نهايته إجراء الانتخابات خلال 3 أشهر وفق القانون النافذ، أي الستين.
وإذا كان «حزب الله» صاحب مصلحة فعلية في تدوير زوايا القانون الجديد والانتهاء منه تفادياً لفراغٍ سيأتي في لحظة بالغة الخطورة بالنسبة إليه، إلا ان الحزب أعطى إشارات الى انه لن يسمح بأن يُجر وحليفه رئيس البرلمان نبيه بري الى الفراغ لتنتقل لعبة «لي الأذرع» الى «قلب الهاوية»، وهو رسم خطاً عريضاً عنوانه «الفراغ يساوي الفوضى» و«النوم في القبور ورؤية الكوابيس».
وغداة تحذير رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد، في غمْزٍ من قناة عون، من وجوب عدم تَجاوُز مهلة 20 حزيران من دون إقرار قانون جديد يتم التمديد على اساسه او حتى إجراء المقتضى الدستوري قبل هذا التاريخ لضمان إجراء الانتخابات ولو على «الستين» ولكن من دون الوقوع بأي فراغٍ، رفع السقف بعد «إعلان الرياض» معلناً «أن الفراغ ممنوع في البلد لأنه يعني نهاية البلد والدولة والمؤسسات وأنه لم يعد لدينا حكومة ولا رئيس حكومة، ويصبح رئيس الجمهورية لا يملك شيئاً»، وأضاف: «لن نقبل الفراغ ولن نقبل من أحد أن يسعى إليه، لذلك أمامنا شيء واحد وهو ما نقوله إما ان تستمروا بالحوار وأمامكم 20 يوماً، لكن مَن يفكر بأنه يمكن التوافق على قانون بعد انتهاء ولاية البرلمان لا يحلم بها، التوافق على قانون انتخاب يجب ان يتم قبل 20 حزيران وبعده البلد مهدَّد بالفوضى وعدم الاستقرار، ولا أحد يدري من أين تأتي التعليبة. لذلك ليس من حق احد ان يغامر بالبلد. المطلوب ان نصل جدياً للتوافق قبل 20 حزيران ».