Site icon IMLebanon

“نسبيّة” أو “ستين” بتمديد أو فراغ…

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
لا يزال مسؤولون وسياسيون يأملون في أن يحصل في ربع الساعة الأخير اتّفاق على قانون انتخاب جديد، فيُنجَز الاستحقاق النيابي بموجبِه في وقتٍ لاحِق من السنة الجارية، أو ربّما السنة المقبلة…
العاملون في الورشة القانونية والسياسية الانتخابية، رغم ما يُبدون مِن تشاؤم نتيجة المواقف المتباعدة والتي لم تتقارب منذ العام 2009 على الأقل حتى الآن، لكي تستولد قانوناً انتخابياً طالَ انتظارُه، يعتقدون أنّه ما تزال هناك فسحة من الأمل في التوصّل إلى مِثل هذا القانون، لأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يدرك جيّداً أنّ الوصول بالاستحقاق النيابي إلى الفراغ يشكّل نكسةً معنوية وسياسية كبيرة لعهدِه، خصوصاً أنّه كان قد وعَد في خطاب القسَم يوم انتخابه في 31 تشرين الأوّل الماضي بإجراء الانتخابات التي مرّ موعدها قبلَ يومين، على أساس قانون جديد.

فالمشروع التأهيلي الذي كان «التيار الوطني الحر» يأمل في أن يغيّر رئيس مجلس النواب نبيه بري موقفَه منه إيجاباً، قد سقط، أوّلاً لأنّ بري لم يكن في وارد القبول بهذا المشروع لأنّه يَعتبره مخالفاً للدستور، فضلاً عن أنّه ليس في وارد التخلّي عن التنسيق والتضامن في الموقف مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط المعارض هذا التأهيلي بشدّة والذي شعرَ في الآونة الأخيرة أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري ابتعَد عنه بعض الشيء في الموقف في اتّجاه عون و«التيار الوطني الحر» عندما أيَّد مشروع الوزير جبران باسيل التأهيلي، وعارَض التمديد لمجلس النواب الذي كان مقرّراً أن يقَرَّ في جلسة مجلس النواب في 15 من الجاري بناءً على اقتراح النائب نقولا فتوش، قبل أن يؤجّلها بري إلى 29 من الجاري.

والتطوّر الجديد في هذا السياق، يتمثّل في أنّ تيار «المستقبل» غيَّر رأيَه سلباً وأبلغَ إلى المعنيين معارضتَه المشروع التأهيلي، بعدما تبيَّن له أن لا إمكانية لحصول توافقٍ بين مختلف القوى السياسية عليه.

الأمر الذي أظهَر في وضوح أنّ هذا «التأهيلي» سقط نهائياً، وأنّ الاستحقاق النيابي بات مفتوحاً على ثلاثة احتمالات لا رابع بعدها:

الأوّل: الاتفاق على قانون انتخاب يعتمد النسبية ويقسم لبنان على أساس 13 دائرة أو 14 دائرة أو 15 دائرة، وهو المشروع الذي أقرَّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بحيث يكون معدَّلاً بعض الشيء إذا تقرَّر أن يكون عدد الدوائر 14 أو 15 دائرة، علماً أنّ المشروع في نصِّه الأساسي يقسم لبنان إلى 13 دائرة فقط.

على أن تُجرى الانتخابات أواخرَ الخريف أو السنة إذا أنجَزت وزارة الداخلية الترتيبات اللوجستية والإدارية التي يفرضها اعتماد النظام النسبي، علماً أنّ البعض يتحدّث عن احتمال اللجوء إلى تمديد يصل إلى ربيع 2018، حيث إنّ بعض القوى السياسية تجد أنّ لها مصلحةً في ذلك، بما يمكّنها من تعزيز رصيدها السياسي والانتخابي.

الثاني: إلتئام مجلس النواب في جلسة تشريعية قبَيل انتهاء عقدِه التشريعي في 31 من الجاري وتمديد ولايته ثلاثة أشهر تُجرى بعدها أو خلالها الانتخابات على أساس قانون الستين النافذ لتعذّرِ الاتفاق على قانون بديل.

الثالث: إنتهاء ولاية مجلس النواب في 19 حزيران المقبل من دون الاتفاق على قانون انتخاب، لا خلال ما تبَقّى من الدورة التشريعية، ولا حتى خلال دورة تشريعية استثنائية يمكن أن يفتحَها له رئيسا الجمهورية والحكومة بدءاً من أوّل حزيران المقبل وحتى انتهاء الولاية في 19 منه، وفي حال انتهاء هذه الولاية من دون حصول أيّ تمديد فإنّ عدم التمديد سيفرض حُكماً اعتماد قانون الستين النافذ، وعلى الحكومة في هذه الحال واستناداً إلى بعض النصوص الدستورية، أن تجريَ الانتخابات على أساسه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ انتهاء الولاية من دون حاجة إلى مهَل وهيئة إشراف على الانتخابات وغيرها، لأنّ الواقع يفرض مَلءَ الفراغ النيابي سريعاً لكي ينتظم عمل المؤسسات الدستورية التي يُعتَبَر مجلس النواب مصدرَ سلطاتها.

وقيل إنّ بعض المراجع والقوى السياسية قرّرَت الصمتَ، وسيستمرّ صمتُها في الأيام المقبلة عن الكلام المباح وغير المباح في موضوع قانون الانتخاب، منتظرةً ما لدى قوى سياسية أخرى من أفكار، أو كيف ستتصرّف، خصوصاً أنّ كلّ الأفكار استُهلِكت ولم تعُد هناك أفكار جديدة في الإمكان طرحُها ومن شأنها أن تُحدِث خرقاً في الجدار المسدود، فالجميع أيَّد اعتماد النسبية من حيث المبدأ، ولكنّ الاختلاف انحصَر حول تقسيم الدوائر الانتخابية، وحول الصوت التفضيلي الذي أراده البعض «طائفياً» فيما أراده آخرون وطنياً.

على أنّ بعض القوى يُبدي تريُّثاً في حسمِ موقفِه النهائي إلى ربع الساعة الأخير، مراهِناً على أنّ انعكاسات وتداعيات القِمم التي عَقدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وقادة الدول الخليجية والعربية والإسلامية، في مصلحة موقفِه وموقعه السياسيَين والانتخابيَين.

لكنّ فريقاً من السياسيين يجد أنّ هذه المراهنة غير منطقية ولا واقعية، لأنّ قانون الانتخاب يتعلّق بتوازنات سياسية داخلية لا تؤثّر فيها أيُّ تطوّرات خارجية، أياً كانت طبيعتها ومدى ارتباطِها بالوضع العام في لبنان والمنطقة.