كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
قبل اسبوع فقط على الجلسة المقبلة لمجلس النواب في 29 ايار، لم تعد ثمة خيارات في حرب عض الاصابع، سوى ذهاب الافرقاء جميعاً الى حصر الجلسة هذه بتمديد الولاية، وقد يكون ذلك هو المغزى الفعلي لمبرر تعذر توافقهم على قانون جديد للانتخاب، او في احسن الاحوال الاقرار بأن لا مناص من عودتهم الى القانون النافذ منذ عام 2008.
ما ينتظر جلسة 29 ايار، من اليوم الى موعد انعقادها، هو سبل اخراج تمديد محتشم للولاية بعد تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري، قبل ايام، ان جدول اعمالها هو نفسه الذي كان مقرراً لجلسة 13 نيسان قبل ان يصير الى تأجيلها شهراً ونصف شهر. ما يعني ان اقتراح القانون المعجل المكرر بتمديد ولاية البرلمان سنة هو البند الرئيسي في جدول الاعمال.
وقد لا يكون المخرج الجديد للتمديد ــــ الثالث لبرلمان 2009 ــــ مختلفاً كثيراً عن ذاك الذي رافق تمديد الولاية في جلسة 31 ايار 2013 عندما عدلت الهيئة العامة مدة التمديد وخفضتها ــــ احتشاما ــــ من سنتين الى سنة وستة اشهر. بل يبدو المفترق الفعلي لجلسة 29 ايار 2017 انها قد تكون ايضا هذه المرة امام تمديد حقيقي، وليس تمديدا تقنيا، تبعا لما شاع في الاشهر الاخيرة.
منذ استخدم رئيس الجمهورية ميشال عون في 12 نيسان صلاحيته المنصوص عليها في المادة 59 من الدستور بتجميد اعمال مجلس النواب، بدا ان تمديد الولاية سنة انقضى الى غير رجعة، وان البلاد مقبلة في فسحة المهلة الجديدة من المشاورات على قانون جديد. اول المسارعين الى نعي التمديد هما رئيس المجلس الذي قال ان لا تمديد طويل الامد بعد ذلك اليوم، ثم رئيس الحكومة سعد الحريري جازما بأنه لا يشارك في جلسة تمدد ولاية مجلس النواب. انضم من ثم معظم الافرقاء الى هذين الرأيين في مرحلة تسييل اقتراحات وصيغ قانون انتخاب، واحد بعد آخر، بالتزامن مع تأكيدهم ــــ واولهم رئيس الجمهورية ــــ ان الانتخابات النيابية واقعة ووشيكة. وفي ذلك تلميح الى توقع تمديد تقني ليس الا مقترن بقانون جديد.
واقع الامر في الاسابيع القليلة المتبقية من الولاية الحالية للمجلس سوى ذلك.
حتى اللحظة لا اشارات ايجابية جدية الى قرب ابصار قانون جديد للانتخاب النور ــــ وإن حبرا على الورق على الاقل ــــ قبل الوصول الى نهاية الولاية، وليس الى جلسة 29 ايار فحسب. افصح الافرقاء جميعا تقريبا عن ان توافقهم على نظام التصويت لا يفضي بالضرورة الى اتفاقهم على قانون جديد، وعلى تقسيم الدوائر بالذات. ما تدور من حوله خلافاتهم في الوقت الحاضر، بعدما قيل انهم صاروا يؤيدون الاقتراع النسبي الصافي، هو ما سيتعذر تفاهمهم عليه: عدد الدوائر وتقسيمها.
قد يكون من المفيد القول ان ايا من المرات منذ انتخابات 1992 حتى انتخابات 2009، لم يتوافق الافرقاء اللبنانيون اقطابا وكتلا نيابية بمفردهم على قانون جديد للانتخاب. ما بين عامي 1992 و2000 لم يكن في الامكان توصلهم الى تفاهم على قانون انتخاب وليس تقسيم الدوائر فحسب، من دون مرجعية دمشق التي تولت فرضه لاجراء ثلاث دورات اعوام 1992 و1996 و2000، وزعت من خلالها على حلفائها حصصهم في المقاعد ــــ لا سيما منها المسيحية ــــ لما يزالون يتمسكون بها. بعد انسحاب جيشها من لبنان عام 2005، لم يشأ هؤلاء، حلفاء دمشق ومعهم خصومها في الحقبة الجديدة، الذهاب الى قانون سوى ذاك الذي اشرفت هي على وضعه، فأجروا انتخابات 2005 تبعاً لقانون 2000. عامذاك كانت الاولوية للتحالفات، ولم يعنِ القانون سوى الصحن المطلوب. يصح ذلك ايضاً على قانون 2008 ــــ وهو القانون النافذ الآن ــــ الذي لم يسعهم الاتفاق عليه في الدوحة لولا التدخل القطري في تقسيم الدوائر، حياً بعد حي وزاروباً بعد آخر، لاخراج القانون.
لم يكن قانون 2008 سوى نسخة طبق الاصل عن قانون 1960 ما خلا استثناء واحداً هو اعادة تقسيم الدوائر الثلاث في بيروت، التعديل الوحيد الذي ميز احدهما عن الآخر. فحوى الخلاف هناك كان على تقسيم الدائرة الثانية فيها الى حد ان رئيس المجلس روى انه حزم حقائبه للعودة بعدما يئس من التوصل الى اتفاق على القانون، قبل ان تنقذ الدولة المضيفة التسوية برمتها ــــ بما فيها انتخاب رئيس الجمهورية ــــ وليس قانون الانتخاب فحسب، وهو يمثل في الحصيلة ثلث التسوية تلك. بالتأكيد ثمة فارق آخر جوهري ما بين قانوني 1960 و2008 ــــ وقد يكون هو الآخر لبّ المشكلة الحالية ــــ يكمن في عدد المقاعد وتوزّعها. في الاول كان 99 نائباً وفي الثاني 128. لكن افرقاء تسوية الدوحة لم يشاؤوا مقاربة عدد النواب تصحيحاً لمسار اتفاق الطائف، ولا اعادة توزيع المقاعد، وكلاهما فرضه السوريون. اكتفوا في الدوحة بمحاولة تفاهم على تقسيم الدوائر، وفي قرارة كل من فريقي 8 و14 آذار ــــ من ضمن تعويله على التحالفات اولا واخيرا ــــ ان قانون 2008 سيقوده الى الغالبية النيابية.
على مر السنوات هذه في عمر قوانين الانتخاب منذ عام 1992، كانت التحالفات في منزلة القانون، بل اكثر تأثيراً وفاعلية. هذه المرة يذهب الافرقاء اليه، والى الانتخابات النيابية، بالمفرّق بلا تحالفات مسبقة. كل منهم يريد مقاعده على الورق قبل الوصول الى صناديق الاقتراع. ولأجل ذلك يدورون في حلقة مفرغة.
بذلك يصبح الذهاب الى تمديد الولاية على انه استحقاق في ذاته، غير مرتبط بأي شأن سواه بما في ذلك انجاز قانون جديد، المبرر الوحيد لانعقاد جلسة 29 ايار. وعلى غرار ما حدث عام 2013، أُعيدت البلاد مجدداً الى المفاضلة ما بين التمديد والفراغ، لا ما بين الانتخابات تبعا للقانون النافذ والفراغ. لم يكن دافع استعجال عقد جلسة 13 نيسان سوى الخشية من احتمال امرار العقد العادي الاول للمجلس من غير ان يتمكن من الالتئام، وتاليا عدم صدور مرسوم عقد استثنائي يمكنه من تدارك الفراغ. حتّم ذلك على جناح السرعة اعداد اقتراح القانون المعجل توجسا من الخطر المحتمل. الحال نفسها تتكرر. من غير المؤكد حتى اللحظة ان رئيس الجمهورية سيصدر مرسوم عقد استثنائي، وسيكون من المتعذر عندئذ على البرلمان الانعقاد بعد 31 ايار، فيمسي في مهب الفراغ الكامل.