كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
السؤال الذي انتهت اليه قمة الرياض، هو عن مدى قدرتها على التأثير في موازين القوى السائدة على الارض في سوريا والعراق وبمستوى آخر في لبنان، والتي تتّسِم بأنها تميل لمصلحة تحالف موسكو – طهران والنظام في سوريا؟تكشف مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» عمّا تسمّيه أربع نتائج عملية لقمة الرياض، تبرهن انها تؤسس لمرحلة جديدة ستكون لها وقائع مادية ملموسة على ساحات الاشتباك السعودي مع ايران، وذلك خلال الفترة المقبلة المنظورة والمتوسطة.
وبحسب هذه المصادر فإنّ هذه النتائج الاربع تمّ العمل على صوغها والاتفاق عليها، بعيداً من الاضواء بين الرياض وواشنطن، وهي تشكّل ما يمكن تسميته مبادئ العمل الاستراتيجي للطرفين في مواجهة طهران وإرغام روسيا على الالتحاق بالتحالف العربي ـ الاسلامي ـ الاميركي لضرب إرهاب «داعش» ونفوذ ايران على حدّ سواء في المشرق العربي.
أولى هذه المبادئ تتمثّل في انّ السعودية من خلال قمة الرياض تمكنت حسب تقديرها، من تجاوز معضلة استراتيجية ظلّت تواجهها طوال فترة عهد اوباما، وهي فقدانها الغطاء الاميركي والدولي لبناء إرادة عربية اسلامية سنية تتكفّل بتحمّل مسؤولية إنشاء وتمويل ما يشبه «جيش الدول الاسلامية السنية العالمي» لحسم النزاع في سوريا ضد كل من الارهاب والنفوذ الايراني على حد سواء. وتكشف هذه المصادر انّ مثل هذه الفكرة كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قد عرضها على الرئيس باراك اوباما.
وجاء في تفصيلها استعداد السعودية للمشاركة مع دول اسلامية اخرى، في قوة برية إسلامية في منطقة غرب سوريا وشمالها الغربي، ولكن رفض اوباما هذا الاقتراح جعل الرياض تستنتج حينها أنّ الشريك الدولي الاستراتيجي للسعودية (ادارة اوباما)، لا يرغب في مشاركة العرب والمسلمين السنة في محاربة الارهاب في سوريا وتقليم اظافر النفوذ الايراني فيها. وتعتبر السعودية انّ قمة الرياض أسقطت هذا «الفيتو» الاميركي، وكان هذا الامر هو أبرز نتائجها العملية غير المعلنة.
تدرك الرياض – بحسب المصادر عينها – أنه رغم اختلاف ترامب مع اوباما في مقاربة الملف الايراني، الّا انه يشترك معه في نقاط عدة اساسية تجاه السلوك الذي يجب ان يتّبعه في المنطقة، منها انه لن يتورّط في حرب برية، ولن يقاتل نيابة عن العرب المعادين لإيران.
امّا الفارق الوحيد الاسترايتجي الذي يميّز ترامب عن اوباما، والذي عملت الرياض على إنضاجه لاقتناعها بأنه هو ما تحتاجه في نزاعها الراهن مع ايران، فهو يتمثّل في انّ نزعة الرياض لمواجهة نفوذ طهران في المنطقة، وتحديداً في سوريا، باتت لها تغطية سياسية من الشريك الدولي الاميركي.
السؤال الذي لا يزال يقلق دولاً خليجية وعربية اكثر حذراً في مسايرة النزعة السعودية للخروج الى صدام مع طهران في سوريا، هو كيف سيتمّ تسييل هذا الغطاء السياسي الاميركي عسكرياً، على ارض الواقع في سوريا؟ حتى الآن الصورة غير مكتملة الوضوح، على رغم انّ ترحيب دول مشاركة في قمة الرياض بإنشاء 34 الف جندي كقوة احتياط للتدخل في سوريا والعراق ضد الارهاب، يعتبر «بداية تجسيد لرؤية المواجهة» التي تريدها السعودية ضد ايران في سوريا.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الاطار ويشكّل النتيجة العملية الثانية لقمة الرياض، ودائماً حسب المصادر نفسها، هو هل يمكن تحييد روسيا في مثل هذا النزاع؟
تكشف هذه المصادر، انّ النقاش في هذا السؤال احتلّ حيّزا كبيراً من المفاوضات التي سبقت قمة الرياض بين السعوديين والاميركيين. والاجابة التي بَدت مقنعة للرياض على الاقل، انّ ذلك ممكن، من خلال امتلاك اوراق «إغراء» لموسكو عبر لفت انتباهها الى عناصر قوة لأمنها ستجنيها من خلال تفاهمها مع دور «الجيش السني» العالمي في سوريا.
وجسدت السعودية معنى فكرتها عن إغراء روسيا خلال قمة الرياض، التي كان بين الدول الـ55 الاسلامية التي دعيت لحضورها، عدد من الدول الاسلامية التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي بعد تفككه، مثل كازاخستان واذربيجان واوزبكستان… وهذه دول بينها مَن حافظ على علاقته بروسيا الاتحادية وأُخرى ابتعدت عنها، وبينها ايضاً من يواجه مشكلات مع التطرف الاسلامي ضمن مجتمعاته.
وتراهن الرياض على انّ حضور دول الاتحاد السوفياتي السابق الاسلامية لقمتها، سيَلفت نظر موسكو الى انّ محيط فنائها الاستراتيجي الاسلامي الذي يثير هواجسها حول إمكانية استيطان الارهاب التكفيري فيه او عودة إرهابيي العراق وسوريا اليه، يمكن ان تعمّم عليه فكرة إنشاء منظومة «جيش الاحتياط السني» العالمي لمكافحة الارهاب في سوريا، وذلك بالتحالف مع موسكو هذه المرة.
ولكن شرط ذلك أن يُبدي الكرملين ايجابية مع مسعى السعودية لتوفير غطاء دولي لدور هذه المنظومة في سوريا، وهذا يفترض ان تبتعد موسكو اكثر عن طهران في المشرق العربي.
النتجية العملية الثالثة تتمثّل بما تكشفه المصادر عينها من انّ قمة الرياض أعادت وراء الستار إحياء فكرة كان عرضها عاهل الاردن الملك عبد الله الثاني على ادارة اوباما، وهي انّ موافقة اسرائيل على «حل الدولتين» اليهودية والفلسطينية التي عاصمتها شرق القدس، ستتم مقابلتها فوراً باعتراف 55 دولة اسلامية وعربية بها.
قمة الرياض جمعت 55 دولة اسلامية وعربية، وهذا عدد مُوح ليؤشّر الى ترامب الذاهب مباشرة الى اسرائيل بأنّ عرض الاردن لا يزال صالحاً للتنفيذ في حال وافق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.