كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
بين العودة إلى قانون الستين بعد التمديد للمجلس النيابي والنسبية ترجّح كفة الأول، خصوصاً إثر مواقف رئيس الجمهورية الأخيرة، فيما تحاول القوات بجدية تسويق النسبية. وبين التمديد لرياض سلامة وقانون الانتخاب، يدفع العهد فاتورة باهظة من رصيده.
بغضّ النظر عن الأسباب الكامنة وراء التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ست سنوات جديدة، لتغطية ملفات مصرفية أو لعلاقة التجديد بما جرى لبنانياً في الرياض، يبدو العهد كمن يدفع في يومين فقط فاتورتين باهظتين، لوصوله إلى قصر بعبدا، وعلاقته مع رئيس الحكومة سعد الحريري وإتمام الصفقة الرئاسية بينهما، وتخفيف الثقل عن الحكومة: التجديد لحاكم المركزي خلافاً لقناعات العهد وأركانه حول التمديد وسلامه نفسه، والعودة إلى قانون الستين الذي زينه رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر منذ سنوات على أنه الشر المستطير. وخطورة ما يحصل اليوم أن العودة إلى قانون الستين مرة أخرى، هي العودة إلى القانون الذي أتى به التيار الوطني الحر من لقاء الدوحة واتفاقها الشهير، ثم تخلى عنه بعد صدور نتائجه، واعتبره السبب وراء كل غبن لحق بالمسيحيين وبالمناصفة.
لكن الأخطر هو أن نتائج الانتخابات هذه المرة، لن تحقق بطبيعة الحال المناصفة التي طالب بها عون والتيار والقوات اللبنانية، فهل يمكنهم مجتمعين أن يطرحوا مجدداً هذا الشعار عنواناً لحملاتهم السياسية والانتخابية، إذا لم يتمكنوا خلال وجود عون بنفسه في قصر بعبدا، وإعلان النيات بينهما، ودخولهما بقوة إلى الحكومة، من تحقيق ذلك؟ وهل يمكنهم أن يطالبوا بعد أربعة أعوام مرة أخرى بالمناصفة حين تخلوا عنها عندما كانوا في سدة الرئاسة؟ أم أنهم مقتنعون تماماً بأن ناخبيهم المسيحيين الذين وعدوهم بقانون جديد، سيعودون إلى صناديق الاقتراع، وكأن شيئاً لم يكن، ولن تقوم القيامة عليهم، وسيمر الأمر كما مرّ التجديد لسلامة من دون اعتراض؟
لكن إزاء تعويم الستين وبدء تحضير الأجواء الملائمة لإجراء الانتخابات على أساسه، برزت معطيات جديدة وجدية في الأيام والساعات الأخيرة، تتعلق بأداء القوات اللبنانية في ملف قانون الانتخاب. واستناداً إلى واقع العلاقات بينها وبين التيار في الأشهر الأخيرة والتباعد بينهما في ملفات كثيرة، أولها قانون الانتخاب، وبعد دخولها طرفاً أساسياً في الحوار حول مصير القانون، تحدثت معلومات عن أن القوات تعمل على التسويق الفعلي لقانون على أساس النسبية الكاملة، وليس المشروع المختلط بين الأكثري والنسبي، وهي تبدي رغبة أمام مفاوضيها لخوض معركة جدية حوله. وهي تحاول بذلك وضع «خيار آخر» جدي أمام الناخبين والمسيحيين منهم تحديداً، في مقابل استعادة رئيس الجمهورية للكلام عن قانون الدوحة، هادفة في تحركها هذا إلى تبيان أنها حاولت حتى النفس الأخير إعطاء الناخبين المسيحيين قانوناً جديداً للانتخاب، كما وعدتهم، وهي ترفض رفضاً باتاً العودة إلى الستين. وتسعى بذلك إلى إشهار ورقة النسبية التي يمكن أن تنجح في إنجاز الاستحقاق الانتخابي، بخلاف ما فعله التيار الوطني، الذي تنقل بين مشاريع وصيغ انتخابية عدة، منها التأهيلي الذي تمسك به، لكنها لاقت رفضاً تاماً، ما أضاع الوقت والمهل، وأسفر في نهاية المطاف عن تعويم الستين. في حين أن النسبية تلقى قبولاً من معظم الأفرقاء (حتى جنبلاط اقتنع بها مع بعض التعديلات) مع الاختلاف على توزع الدوائر التي يجري البحث حولها، ما يسمح بتحقيق قفزة نوعية في قانون الانتخاب.
وتتحدث المعلومات عن أن القوات تفاوض جدياً على النسبية على أساس 13 أو 14 دائرة، طارحة تصغير حجم الدوائر، الجنوب والبقاع وجبل لبنان والشمال 3 دوائر، وبيروت دائرتان، مع صوت تفضيلي في القضاء، وطيّ مشروع مجلس الشيوخ نهائياً. وتسعى إلى تسويق تمسكها بالنسبية أساساً للقانون، مع التيار الوطني ومع الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط. لكن محاولتها لا تزال تصطدم برفض التيار، الذي يستغرب اندفاعة القوات الجديدة ولا يحبذها، معترضاً على مفاوضتها منفردة مع بري وجنبلاط. بدوره، بري المرتاح إلى تبدل موقف القوات وينسّق معها في وجه التيار، لا يزال يرفض مع حزب الله تصغير الدوائر (خصوصاً الجنوب والبقاع) ويصران سوياً على نسبية بست دوائر لا أكثر.
في حسابات القوات أن مشروع النسبية وفق ما تقترحه، ليس قادراً على تحقيق مطلب إيصال 64 نائباً بأصوات المسيحيين وتحقيق المناصفة الفعلية، لكنه سيحقق نتائج أفضل بكثير من قانون الستين. لكن مجرد الوصول إلى توافق حوله، وقبول بري وجنبلاط به، يعني إنجازاً انتخابياً يخرج البلد من أزمته، ويُسهم أيضاً في تعزيز وضع القوات سياسياً وانتخابياً، على قاعدة أنها تمكنت من تحقيق نصر يحرج التيار الوطني.
حتى الآن رفع التيار والقوات والتيار شعارات كثيرة، قبل إعلان النيات وبعده، حول قانون الانتخاب والمناصفة واستعادة 64 مقعداً نيابياً كاملاً للمسيحيين. لكن التعيينات وأداء الحكومة ومفاوضات قانون الانتخاب أظهرت أن الأمر لا يعدو كونه تسجيل نقاط سياسية قواتية ـــ عونية، لا أكثر ولا أقل، وتعزيز الحصص والمكتسبات داخل السلطة. أما حقوق المسيحيين، ففي وادٍ آخر.