أشارت الوكالة “المركزية” إلى أنّ ورشة اعادة ترميم العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية لم تكد تنتهي بقص رئيس الجمهورية العماد ميشال عون شريط الافتتاح في زيارته الشهيرة الى المملكة التي ازالت تشوهات اصابتها، بعد جهد وعناء بذله اكثر من طرف، فمنّ اللبنانيون النفس في ضوئها بصيف واعد وحياة رغيدة، حتى انتكست مجددا فأصيبت بالشظايا نفسها التي “هشّمتها” سابقاً.
ويرجح وفق ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية” ان تُدخلها غرفة العناية الفائقة بالاستناد الى الحملة التي تشنها المملكة من بوابة الاعلام على رئيس الجمهورية تحديدا وفريقه السياسي، بداية عبر حجب موقع “التيار الوطني الحر” في المملكة، ثم بالهجوم الذي شنه بعض الصحف لا سيما “عكاظ” التي ذهبت بعيداً في الحملة على الرئيس، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول مستقبل العلاقات اللبنانية – السعودية وامكان عودتها إلى نقطة الصفر، أي مرحلة ما قبل الزيارة الرئاسية، وما بعد موقف لبنان من الاعتداء على السفارة السعودية في ايران واعتراض المملكة على مواقف للخارجية اللبنانية في جامعة الدول العربية وفي منظمة المؤتمر الإسلامي.
وتفيد المصادر ان السعودية وبعد الاستقبال الكبير للرئيس عون انتهجت مسارا جديدا في التعاطي مع لبنان قوامه ان ما “فات قد مات” واخطاء المرحلة الماضية “اللبنانية” لن تتكرر، ولئن بقيت تحاذر الذهاب الى النهاية في الانفتاح، بدليل انها لم تفرج عن هبة المليارات المجمدة، ولم يزر ملكها سلمان بن عبد العزيز بيروت ردا على دعوة عون، بيد ان ما استتبع الزيارة من انتكاسات تسببت بها مواقف الرئيس عون ابان زيارته لمصر حينما اعتبر حزب الله مكمّلا للجيش اللبناني ثم استكمال امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله هجومه على المملكة، واخيرا موقف الرئيس في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة حول “اعلان الرياض” حيث وفّر المظلة الرئاسية لموقف وزير الخارجية جبران باسيل في هذا الخصوص، وهو ما ازعج المملكة التي تناهى الى مسامعها كلام ردده البعض عن ان الرئيس اشار “الى ان عوض عقد القمم كان الحري بهم وقف دعم الارهاب فكرياً” الامر الذي اعتبرته موجها ضدها، اذ لم يكن ينقص الا ان يسمي الرياض بالاسم كما تنقل المصادر.
وما زاد الطين بلة، على ما تعتبر المصادر، موقف رئيس التيار الحر في جولته البقاعية في شأن تيار شيعي ثالث، اذ ان هذا الكلام لا يمكن ان يصرف سعودياً على انه داخلي ومثابة ” ردة إجر” من زعيم التيار لحزب الله بل يقرأونه خيارا استراتيجياً ستكون كلفته حتماً باهظة الثمن.
واذ تؤكد ان اتصالات المعالجة بدأت على اكثر من خط لاحتواء مفاعيل أزمة بدأت تذر برأسها، وسط وضع العلاقات بكافة اشكالها في ثلاجة الانتظار، لا تخفي قلقها من صعوبة المعالجة ومخاطر ذهاب الازمة بعيدا هذه المرة في ضوء تناول الرئيس عون بعبارات غير معهودة من المملكة حتى في اكثر مراحل العلاقات توتراً، ما يعكس فيض الكأس السعودي على الارجح، على رغم تفهم المملكة لخصوصية الوضع اللبناني الا ان ذلك لا يبرر كما ترى المصادر ان يعكس لبنان صورة تكاملية بين التيار الوطني الحر وحزب الله ويتبنى الرئيس هذا التكامل. فالسعودية اليوم غير مملكة الامس حيث لم يعد من مكان فيها لسياسة “إجر بالبور وإجر بالفلاحة” بل تطلب مواقف واضحة وصريحة على قاعدة الـ”مع او الضد” بدليل تعاطيها مع قطر في اعقاب موقف اميرها من القمة العربية- الاميركية وايران.
فهل ينتقل لبنان من دائرة الاحتضان السعودي الى محور قوى المواجهة؟ تستبعد المصادر هذه الفرضية وتقول ان الامور رهن اللحظة الاقليمية وترجمة نتائج قمم الرياض وتحديد ماهية المطلوب من لبنان خلالها وكيفية مقاربة ملفه سياسيا، الا انها تؤكد ان المملكة المتجهة نحو سياسة اكثر تشدداً بعيدا من المهادنة، لا تُسقط من اعتباراتها نصائح اميركية ودولية بوجوب الحفاظ على لبنان وعدم دفعه من خلال تدابير واجراءات قد تقدم عليها الى الحضن الايراني ليصبح لقمة سائغة في فم طهران التي تتحين الفرصة لضمه الى محورها، والى الاعتبار المشار اليه تضيف ان الحكم السعودي الذي اعاد تجديد علاقاته بقوة مع البيئة السنية اللبنانية المعتدلة التي يمثلها رئيس الحكومة سعد الحريري، لن يذهب في اتجاه فك هذا الارتباط بل قد يعتمد خيارا يستند الى سياسة “المفرّق” في التعاطي مع لبنان، اي يدعم كل القوى التي تؤيده وتتكامل مع سياسته حفاظا على استراتيجية التوازن.