كتب مسعود المعلوف في صحيفة “الجمهورية”:
في أولى رحلاته الخارجية، حمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب شعار حملته الانتخابية وأقوى رسائل خطابه الرئاسي “أميركا أولاً” الى منطقة الشرق الأوسط، ليقول للعالم إنّ “أمن أميركا ومكافحة الإرهاب” هما أولويته. وبعدها وقف في قلب أوروبا وأمام رؤساء دول الناتو ليقول لهم أيضاً “أميركا أولاً” وعليهم أن يدفعوا مستحقاتهم المالية لحلف الناتو ليتمكن من أن يُبرّر لمواطنيه الأميركيين مساهمة بلادهم في دعم هذا الحلف.
هكذا بدأت تتوضح معالم السياسة الخارجية للرئيس ترامب. فبعد أكثر من أربعة أشهر على تسلّمه زمام الرئاسة الأميركية، لم يصدر بعد عن وزارة الخارجية او عن البيت الأبيض أي مستند أو دراسة يتحدّد بموجبها أولويات هذه الإدارة في سياستها الخارجية، كما أنه لا يمكن الاعتماد على المواقف التي أعلنها المرشح ترامب أثناء حملته الإنتخابية لفهم مضمون السياسة الخارجية التي ينوي اعتمادها لما في هذه المواقف من تناقضات وتغيرات تحول دون تمكّن المراقب من استخلاص سياسة معينة تعتزم الإدارة الجديدة اتّباعها تجاه معظم القضايا العالمية.
إلّا أنه منذ خطاب القسم في 20 كانون الثاني من العام الحالي ومن خلال تصاريح وخطابات متعددة للرئيس، بدأت تبرز ملامح عامة لبعض الأولويات للإدارة الحالية في السياسة الخارجية نستطيع اختصارها على النحو التالي بعد وضعها داخل شعار “أميركا أولاً” الذي يردده ترامب في كل ظرف ومناسبة:
- يضع الرئيس ترامب مسألة محاربة الإرهاب في طليعة سلم أولوياته وهو يولي هذه القضية اهتماماً بالغاً، وقد تجلّى ذلك في زيارته الخارجية الأولى التي قام بها كرئيس للولايات المتحدة حيث خالف التقاليد المعتمدة من قبل أسلافه بزيارة أقرب الحلفاء مثل كندا أو أوروبا، وتوجه الى المملكة العربية السعودية حيث عقد قمة ثنائية مع الملك سلمان وقمة ثانية مع دول مجلس التعاون الخليجي وقمة ثالثة مع رؤساء أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية في سبيل خلق تعاون بين هذه الدول والولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب. وقد تجلّت أبرز معالم السياسة الأميركية لمحاربة الإرهاب من خلال الخطاب المدروس والمتقن الذي ألقاه ترامب في هذه القمة.
- يأتي بعد ذلك موضوع كبح التمدّد الإيراني في الشرق الأوسط والتضييق على إيران إمّا عبر السعي الى فرض عقوبات جديدة عليها أو على ما تعتبره الإدارة الأميركية امتداداً لإيران مثل “حزب الله” وحركة الحوثيين وغيرهما. وقد كان هذا الموضوع محور القمة التي عقدها الرئيس ترامب مع رؤساء الدول الخليجية. وهو يحاول الضغط على إيران عبر التهويل بإلغاء الاتفاق النووي أو بإعادة التفاوض عليه، رغم أنّ هذا الإتفاق معقود بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (بما فيها طبعاً الولايات المتحدة) زائد ألمانيا، وليس اتفاقاً ثنائياً أميركياً – إيرانياً.
- من أولويات ترامب أيضاً في سياسته الخارجية إعادة النظر في الإتفاقات الاقتصادية التي عقدتها الولايات المتحدة مع عدد من الدول لجهة تأمين المصلحة الأميركية أولاً على حدّ تعبيره ومن هذا المنطلق، فهو قد بدأ عهده بقرار رئاسي يقضي بالانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تضمّ 12 دولة حول هذا المحيط، كما أنه يلوّح باستمرار الى رغبته في إعادة التفاوض على اتفاقية النافتا الموقعة عام 1994 بين كل من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك معتبراً إيّاها مجحفة بحق بلاده.
- يولي ترامب أيضاً القضية الفلسطينية قسطاً كبيراً من اهتمامه وهو قد وعد، في أكثر من مناسبة، بأنه سيكرّس جهداً خاصاً لحلّ هذه القضية كما انه استقبل كلاً من رئيس وزراء اسرائيل والرئيس الفلسطيني والملك الأردني في البيت الأبيض للتشاور في الموضوع وعيّن مبعوثاً خاصاً الى الشرق الأوسط للتباحث مع الفلسطينيين والإسرائيليين هو جايسون روزنبلات، وكلّف صهره ومستشاره الخاص جارد كوشنير بالإشراف العام على هذه القضية كما أنه زار نتنياهو وعباس للغاية نفسها.
ولا بد من الإشارة هنا إلى غياب بعض القضايا المهمة من أولويات السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب بعدما كانت من أولى أولويات الإدارة السابقة، ومنها مثلاً موضوع حقوق الإنسان والحريات العامة، وخصوصاً موضوع التغيير المناخي الذي لا تُعيره إدارة ترامب أيّ اهتمام بل هي تنفي وجود مثل هذا التغيير لدرجة أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء لقائه ترامب في السفارة الأميركية في بروكسل منذ أيام تمنى على الرئيس الأميركي عدم انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس الموقعة في 12 كانون الأول 2015 والتي تحدّد خطوات وإجراءات لمواجهة التغيير المناخي.
أمّا في ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة تجاه الناتو وما صدر عن ترامب من تصريحات منتقدة للحلف أثناء حملته الإنتخابية حيث قال إنّ هذا الحلف قد أصبح قديماً جداً وتخطّاه الزمن، فإنّ خطابه في بروكسل لم يُبدّد مخاوف الدول الأعضاء وتركهم غير واثقين من سياسة ترامب حيال الناتو وكذلك في مجال التجارة الدولية وموضوع التحولات المناخية وفي كيفية مواجهة روسيا.
فواضح أنّ اهتمام إدارة ترامب في سياستها الخارجية ينصبّ بصورة خاصة على منطقتنا، وعلينا السعي قدر المستطاع الى الإفادة من هذا الاهتمام الأميركي المتجدد والمتزايد وحماية مصالحنا من ايّ ارتدادات أو عواقب قد تنجم عنه.