كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:
علاقات زوجية كثيرة تسير بسلاسة ورقيّ في المجتمع، فتُثير إعجابَ الآخرين وغيرتَهم. في المقابل تتميّز علاقات أخرى بالمشاكل والشجارات المستمرّة على مواضيع الخلاف المتكررة نفسِها، ما يُسمّم حياة الشريكين، وسرعان ما تطفو هذه العلاقات على سطح أحاديثِ الناس التي يثيرها تناوُل مشاكل الغير في مجتمعٍ تَكثر فيه النميمة ويمتاز بتشريج الأنا على حساب الآخرين.
لا يغِبْ عن بالكم أنّ العلاقات الناجحة لم تنجَح صدفةً ولم يكن الحبّ وحدَه سببَ استمراريتها، بل الذكاء العاطفي وحُسن إدارة العواطف والمشاكل والمواقف اليومية. يُحدّد المعالج والمستشار النفسي للأزواج والبالغين فادي الحلبي، في حديثٍ مع “الجمهورية”، عدّة مداميك تُبنى على أساسها العلاقة الناجحة.
العلاقة مع الذات
أوّلُ مدماك لبناء أيّ علاقة ناجحة في الحياة مهما كان نوعها، أكانت مهنية أو عائلية أو عاطفية… هو التمتّع بعلاقة جيّدة وإيجابية مع الذات. أسباب كثيرة تجعل الإنسان يعاني من نقصٍ عاطفي معيّن أو من عوارضَ يمكن أن تظهر في عدّة مفاصل في حياته.
تُمتّعه بالتوازن وبخزّانٍ عاطفي مُكتمِل، يُحتّم امتلاكه هذه الصفات والمعايير:
ـ أوّلاً، حبّ الذات، وذلك لا يعني الأنانية، إنّما أن يُحبّ الإنسان نفسَه كما هي بجوانبها الإيجابية والأقلّ إيجابية.
ـ ثانياً، تقدير الذات.
ـ ثالثاً، الثقة بالذات.
ـ رابعاً، إحترام الذات، علماً أنّ من يحترم نفسَه ويقدّرها لا يَدخل بعلاقة تُسمّى Toxique أي مُسمِّمة وغير صحّية، ومنها عندما يرتبط بمن يُحوّل العلاقة إلى سلّةِ مهملات يرمي فيها مشاكله، أو عندما يُبقي الإنسان في علاقة لا تريحه، يسيطر عليها التوتّر والتعصيب… هذه العلاقات تفتقر لاحترام الذات.
التواصل الإيجابي
تقوم العلاقة الناجحة على التواصل الإيجابي بين الطرفين. فلا يكفي فقط التواصل، بل يجب أن يكون إيجابياً، حيث يُجيد كلّ طرفٍ سماع الآخر، ويتقِن كلُّ شريك أيضاً التعبيرَ بالكلمات. في التواصل الإيجابي يأخذ كلّ طرف كلماتِ شريكه وأفكارَه بعين الاعتبار، ويَسمعه بكلماته من دون أن يفسِّر هذه الكلمات على طريقته الخاصة ويعطيها معانيَ أخرى، ومن دون أن يعيّر الآخرَ حسب نوايا سلبية من نسجِ تحليلاته.
التعبير العاطفي
تتعدّد التعابير العاطفية، وقد تتجلّى بالكلمات الجميلة، اللمسات (عبطة، قبلة…)، المفاجآت والهدايا والمبادرات التي تُحسِّس الآخر بالفرح وباهتمام الشريك به، ما يزيد حماسته وحرصَه على العلاقة.
حلُّ النزاع بإيجابية
يجب أن يدرك كلّ ثنائي أنّ وقوع المشاكل حتميّ وطبيعي في أيّ علاقة زوجية، ولكن عليهما أن يجيدا إدارةَ الخلاف فيتشاجرا بطريقة إيجابية تترك للصلحةِ ولتقديم التنازلات مكاناً، ما يُنهي الشجارَ وكلاهما رابح. ويؤكّد الحلبي: “يجب أن يعرف الطرفان كيف يتشاجران وكيف يتصالحان، لأنّ الزوجين اللذين يكرّران نفسَ سيناريو الشجار دائماً بدل التعلّم من أخطائهما لتطوير العلاقة، يُراكِمان طاقةً سلبية تَخلق مسافةً عاطفية بينهما، وقد توصلهما إلى التباعد والطلاق على الصعيد النفسي”.
العلاقة الجنسية
ويرى المعالج والمستشار النفسي للأزواج والبالغين أنّ “العلاقة الجنسية هي المساحة التي نحتفل فيها بالحميمية العاطفية والفكرية التي تَجمعنا. فالحميمية الجسدية هي تعبير عميق عن الحميمية العاطفية والفكرية، وإذا استقلّت الحميمية الجسدية عن الحميمية العاطفية والفكرية تصبح فقط مادةً استهلاكية بدل أن تشكّلَ احتفالاً حقيقياً بالعلاقة”.
تنظيف العلاقة وصيانتُها
ليبقى البيت نظيفاً وبحالٍ جيّدة يجب تنظيفه دائماً وصيانته، وكذلك العلاقة. يشدّد الحلبي على أهمّية عدم احتفاظِ كلّ شريك بما يُزعجه في قلبه حتّى تتراكم المشاعر السلبية داخله وتتفاقم فتنفجر يوماً مهدّدةً الارتباط.
عند حدوث أيّ موقف أو تصرُّف أو كلمة أو قرار مزعج لأحد الطرفين يبادر هذا الطرف ويعبّر عن نفسِه ويتحدّث عن الموضوع مع شريكه لأنّ احتفاظه بذلك في داخله سيُبعده عن الشريك ويُشعِره بأنّ الآخر ليس صديقاً يقدر أن يفتح له قلبه.
وينصح الحلبي كلَّ شخص باقتناء ما يُشبه سلة مهملات خاصة به في البيت، وكلّما سمعَ كلمةً من زوجه، مديرِه، أو من أيّ شخص… يَكتبها على ورقة ويرميها في هذه السلة، فلا يتركها في داخله. في نهاية كلّ أسبوع يراجع الأوراق الموجودة في السلّة يرمي منها كلَّ كلمةٍ تخطّاها، أمّا الجُمل التي لازال وقعُها يُزعجه فيتحدّث بها مع الأشخاص المعنيين سبيلاً لحلّ المشكلة المتعلقة بها. هذا النوع من التفريغ يحرّر الإنسان من العواطف السلبية التي قد تُسمّم شخصَه وحياته وعلاقاته.
كلّ هذه الوسائل تساعد على بناء أرضية متينة للعلاقة مع الذات والآخر، فيكون كلّ إنسان مسؤول عن مشاكله، يتحمّلها ولا يرميها على الآخر، كما يساهم ذلك في تنظيف العاطفة والدماغ، ما يُبعد العلاقة العاطفية والزوجية عن التأثيرات السلبية والدمار.