كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
تكاد محاكمة إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير تستوفي شروط دخول موسوعة «غينيس» العالمية، من باب الأكثر مماطلة. فرغم النقلة النوعية التي شهدها الملف بعد إصرار رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد حسين عبدالله على السير في استجواب الأسير بعد تعيين محامٍ عسكري له، لا تزال أنظار وكلاء الدفاع مكبّلة بعقارب الساعة بهدف شراء الوقت لاستحالة إعادتها إلى الوراء.مرّةً جديدة تختلف حسابات الحقل عن حسابات البيدر بين المحكمة العسكرية ووكلاء الدفاع عن الشيخ أحمد الأسير، الذين لم يجدوا في تقديمهم 3 إخبارات أيَّ إفادة فورية، ولا في استنكافهم عن حضور الجلسات نتيجةً حسية، فلجأوا إلى تقديم طلب ردِّ هيئةِ المحكمة المكوّنة من ضبّاط قضاة وعسكريين، وقاضٍ مدني، لتعيين هيئة بديلة.
إلّا أنّ حساباتهم اختلفَت عن حسابات أصحاب ميزان العدالة، فرَفضت محكمة التمييز العسكرية طلبَهم بالنسبة إلى الضبّاط العسكر. في ما لم يرد بعد جوابٌ من محكمة التمييز المدنية بالنسبة إلى تعيين بديل عن القاضي المدني.
ما هي خطوات المحكمة؟
كلّ من يتابع ملفّات المحكمة العسكرية عن كثب، وما تنضَح به من قضايا إرهابية وروح إجرامية، يَعتبر من البديهي أن يُرفض طلب وكلاء الأسير، لجملةٍ من الأسباب، أبرزُها أنّه من غير الوارد تفصيل هيئة وفق مقاييس محدّدة «ع الطلب»، كما أنّ الموافقة على هذا النوع من المطالب سيُثير شهيّة أسماء أخرى قيد المحاكمة.
في هذا السياق يقول مصدر مسؤول في المحكمة العسكرية لـ «الجمهورية»، «إنّ محكمة التمييز ردّت في 23 من الشهر الجاري طلبَ الرد المقدّم من هيئة الدفاع لعدم جدّيته وعدمِ قانونيته، وأرجأت النظر في طلبِهم نقلَ الدعوى إلى ما بعد إنهاء الإجراءات المنصوص عنها قانونياً، وسَمحت للمحكمة العسكرية الدائمة بالسير في الدعوى وفقاً للمادة 340 أصول محاكمات جزائية».
أمّا عن الأسباب التي حالت دون عقدِ جلسة وفق ما كان مُرجحاً في 30 أيار، فيوضح المصدر: «صحيح أنّنا تبلّغنا موقفَ التمييز العسكرية، ولكن لم يصلنا بعد جواب محكمة التمييز المدنية بالنسبة إلى طلب تغيير القاضي المدني.
لذا ما إن نتبلّغ الجواب، والذي من المُرجّح أن يكون رفضَ محكمةِ التمييز المدنية طلبَ وكلاء الأسير، سنعود إلى مواصلة الجلسات من حيث انتهينا في الجلسة الأخيرة في 25 نيسان 2017 والاستماع إلى المرافعات»، مشيراً إلى أنّ «تحديد موعد للجلسة سيكون في غضون أسبوع وعلى أبعد تقدير في غضون أسبوعين، وفق ما يُتيحه جدول الجلسات في المحكمة».
في السياق عينه، لا يُخفي المصدر «أنّ المحكمة العسكرية الدائمة لا تُسقط من حساباتها أيَّ احتمال، «كلّو وارد»، بعدما باتت على يقين بنزعة المماطلة وتضييع الوقت لدى وكلاء الدفاع عن الأسير»، ويضيف: «لو أنّها فعلاً جدّية لكانت ستسير بالمحاكمة على نحو طبيعي، وخلال المحاكمة سيتمّ النظر في الإخبارات التي قدّمتها وغيرها من المطالب»، مؤكّداً أنّ «المحكمة تحترم طلبات الدفاع».
«نتّهمها بالانحياز»
في المقابل، يعتبر الناطق باسمِ وكلاء الدفاع عن الأسير المحامي محمد صبلوح «أنّ المخالفات القانونية التي ترتكبها المحكمة الدائمة واضحة، خصوصاً لجهة عدم البتّ بأيّ طلب من طلبات الدفاع، وتعيين محامٍ عسكري، وتطبيق خاطئ للمادة 59 قضاء عسكري، فالأسير لم يُوافق على عزلِ وكلائه ليتمّ تعيين بديل، بل أكّد أنّ لديه وكلاء أصيلين».
ويضيف في حديث لـ «الجمهورية»: «المحكمة عسكرية والمحامي عسكري، فبات الخصمُ والحكم جهةً واحدة، لذا نتّهم المحكمة بالانحياز لفئة دون أخرى. نطالب بالعدالة، وجلُّ ما نريده البتّ بالإخبارات، وأبرزُها من أطلقَ الرصاصة الأولى، وهذا ليس بطلب تعجيزي».
ويأسف صبلوح لتجاهلِ المحكمة مجموعة عوامل أشعلت فتيلَ القتال، قائلاً: «كان هناك مسلحون على أرض المعركة يجب أن يُعاقَبوا، كما عوقبَ المسلحون الآخرون، فهم من أطلقوا الرصاصة الأولى وأشعلوا فتيلَ الفتنة، وقتَلوا شهداء من الجيش».
ويتابع: «شقيقة أحد الضبّاط الذين استشهدوا في المعارك، أكّدت أنّ شقيقها قتِل في صيدا وليس في عبرا، إلّا أنّ جميع الموقوفين أخِذوا من عبرا، ما يدلّ على صحّة كلامِنا بأنّ هناك من أشعلَ فتيلَ الفتنة، وشقيقُها قد قتله أحدُ عناصر «سرايا المقاومة» في «حزب الله»».
ويتوقف صبلوح عند خبر تبلّغِه مساء أمس، ويؤكّد انغماس «سرايا المقاومة» في القتال، قائلاً: «تبَلّغنا من النيابة العامة أنّها أوقفت علي جعفيل من عناصر السرايا الذي سبق وزلَّ لسانُه في المحكمة خلال تقديمه إفادتَه في مطلع تشرين الأول 2016، حين قال: «جاءنا تعميم لعناصر السرايا بالنزول لقتال الأسير إلى جانب الجيش»، بعدما أكّد «أنه أحد عناصر «سرايا المقاومة» الذين شاركوا في القتال ضد الأسير في محلّة التعمير»، لذا نحاول متابعة التحقيقات».
لا نندم ولا نتراجع…
بعدما ردّت محكمة التمييز العسكرية ردَّ وكلاء الأسير، يعوّل صبلوح على موقفها في التعاون مع طلبهم بنقل الدعوى، فيقول: «مع تقديمنا طلبَ ردِّ هيئة المحكمة قدّمنا طلبَ نقلِها إلى هيئة أخرى، لذا نأمل تجاوُبَ محكمة التمييز معنا بعدالة، فقد طلبَت منّا بعض المستندات والأوراق، مع 26 نسخة من طلب نقل الدعوى ليتمّ إبلاغه إلى جميع فرقاء الدعوى وبعض المعنيين».
وعمّا إذا سيعودون عن مقاطعتهم الجلسات في حال ردّت محكمة التمييز المدنية طلبَهم، يقول صبلوح: «هذا الموضوع رهنُ موقف الرئيس جوزف سماحة الذي ينظر في الطلب، إذا وافقَ على طلبنا، هذا يؤكّد أنّ خطواتنا وكلّ ما قمنا به قانوني، ولا نندم على أيّ خطوة، وإنّ كلّ ما تفعله المحكمة الدائمة ومحكمة التمييز مخالف للقانون. وفي حال رفضَ طلبنا سنجتمع لنأخذ الموقف المناسب من الجلسات، إلى حين البتّ بطلب النقل».
في وقتٍ يأخذ البعض على المحكمة أنّها عيَّنت محامياً عسكرياً ليُدافع عن الأسير، فيما هذا الأخير مُتّهم بخوض معارك ضد الجيش، على اعتبار «لشو مستعجلين بمحاكمتو».
يبقى الجواب واحداً في أروقة «العسكرية»، «ليس الوقت مناسباً لا للتصويب ولا للمماطلة، خصوصاً أنّ أسماء كبيرة تتهاوى وشبكات إرهابية تتفكّك»، وأيّ تساهلٍ في هذا الملف سيشكّل قاعدة لآخرين، حيث لا يعود ينفع الندم. فتعتبر المحكمة أنه يكفي ما مضى من سنوات من أخذٍ وردّ، من دون تسجيل أيّ تقدّم في محاكمة الأسير، لذا لن توفّر بغرَفها كافة وأجهزتها أيَّ مخرج قانوني أو اجتهاد للتضييق على كلّ من يحاول تضييع العدالة.