Site icon IMLebanon

هل يكون الحلّ بـ”حَذف” “نواب كنعان” الـ20؟

 

 

كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:

في الظاهر، تبدو العقدةُ محصورةً بـ4 مقاعد مارونية يرفض الرئيس نبيه بري نقلها من «دوائر إسلامية»، لئلّا يتعزَّز «الاتجاه الطائفي». فهل هناك مكانٌ للخيار الأسهل واللاطائفي بتطبيق «إتفاق الطائف» وخفض عدد النواب من 128 إلى 108؟ليس واضحاً إذا كان المشروع المتداوَل، أي النسبية في 15 دائرة، والصوت التفضيلي، يحظى فعلاً بالتوافق أم إنّ هناك قوى ما تزال تراهن على أنه سيسقط ككل الصِيغ السابقة. لكنّ المؤكد هو أنّ الجميع يحتسب الخسائر والأرباح بدقة، ويتعاطى مع ملف الانتخابات بصفته مفترَقاً حاسماً: إما الانتصار وإما الهزيمة!

هناك نزاعٌ واضح بين ماكينة أدارت البلد تحت راية السوريين بعد «الطائف»، يمثِّلها «التحالف الرباعي»، وماكينة عائدة من النفي والنأي في تلك المرحلة لتستعيد مكانها، وتمثلها القوى الحزبية المسيحية.

الماكينة الأولى تتشبَّث بما أمكنها تحقيقه من مكتسبات، والثانية تريد انتزاعَ ما أمكن واستعادة مقدار من التوازن. وتشاء مقتضيات المرحلة أن يكون قطبا المواجهة بين الماكينتين عون وبري، فيما الآخرون على الجبهتين يفضّلون التمايز، وخصوصاً الحريري وجنبلاط.

في الظاهر، يبدو التجاذب شيعياً – مسيحياً. لكنه أيضاً، في العمق، نزاع على مكاسب سياسية ومصالح مختلفة. ويحاول الحريري وجنبلاط أن يلعبا على الخط المسيحي – الشيعي الفاصل لتحقيق الأرباح.

يعتقد البعض أنّ هناك أفكاراً وصيَغاً عدة من شأنها أن تضع حداً لخلاف عون وبري في الملف الانتخابي، ولكنّ المشكلة تكمن في عدم قدرة الطرفين على خفض سقف المطالب والشروط بما يكفي للتوافق. فلا عون يكبح جموحَ المطالبة ولا بري يبدي ليونة في التنازل.

أكثر من ذلك، يعتقد عون أنه بفضل صموده حقَّق هذا المقدار من التنازلات حتى اليوم، وأنه لو أصغى سابقاً إلى الذين يطالبونه بالليونة لما كان وصل إلى رئاسة الجمهورية، ولما كان أحد يفكر اليوم في قانون متوازن للانتخابات. وتالياً، عليه الصمود أكثر.

ولكن، فيما تبدو الهوّة عميقة سياسياً بين الطرفين، هما يتقاربان جداً من الناحية العملانية في مقاربة قانون الانتخاب. وصيغة الـ15 دائرة المتداولة تكاد تحظى بالإجماع، لولا المطالبة المسيحية بنقل المقاعد الـ4.

ولذلك، ثمّة مَن يطرح مَخرجاً جذرياً، ويُفترض أنه يحظى بقبول الجميع، وهو العودة إلى نصّ اتفاق الطائف المتعلق بعدد النواب، أي إلى 108، والتخلّي عن المقاعد الـ20 التي ابتكرها غازي كنعان وأضافها لتشكيل أرجحية تتحكّم بالسلطتين التشريعية والتنفيذية.

في قانون 1960، كان المجلس النيابي يضمّ 99 نائباً: 54 مسيحياً و45 مسلماً. وطالب المسلمون في الطائف بالمناصفة. وعارض النواب المسيحيون ذلك بقوة، خصوصاً بعد تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حدود مبالغ فيها. لكنّ المؤتمر انتهى بإقرار زيادة 9 نواب مسلمين، ليكون المجلس من 108، مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين.

ولكنّ السوريين ضغطوا لإصدار قانون انتخاب في 22 تموز 1992، يقضي بإضافة 20 مقعداً، فأصبح العدد 128. وتمّ ترتيب مقاعد 6 من النواب المسيحيين العشرة الذين أضيفوا، في دوائر خارج جبل لبنان، وتحت السيطرة السورية: مارونيان في طرابلس والبقاع الغربي، أرثوذكسيان في الكورة وعكار، كاثوليكي وأرمني أرثوذكسي في زحلة.

وجوهر الاعتراض الذي يقوده عون اليوم يتعلق بالمقاعد الـخمسة، ما عدا الكورة، أي في طرابلس والبقاع الغربي وعكار وزحلة حيث التأثير الإسلامي حاسم أو مرجِّح… إلّا إذا تمّ رسم حدود جديدة لدائرة زحلة، فيأتي نائباها الكاثوليكي والأرمني اللذان جرت إضافتهما بأصوات مسيحية. وعندئذٍ، يتقلّص العدد موضع الاعتراض إلى 3: طرابلس، عكار والبقاع الغربي.

ويطالب عون اليوم، تعويضاً، بنقل 4 مقاعد مارونية إلى دوائر مسيحية. ولكن، ربما يكون الأفضل تصحيح الخلل الذي خلّفه غازي كنعان، فيتحقّق تنفيذ أحد بنود الطائف في شكل سليم، ومن دون أيّ عوائق.

وصحيح أنّ هذا التصحيح سيُعيد الخلل في تمثيل الروم الكاثوليك بـ6 نواب، مقابل 8 للدروز (كان لكل من الطائفتين 6 نواب في مجلس الـ99)، ولكن، على الأرجح، لن يشكّل الأمر أزمةً للكاثوليك إذا تحسّن التمثيل المسيحي عموماً. كما أنّ التصحيح سيلغي المقعدَ العلوي. وهذا أمر يمكن حلّه بتعديل طفيف للمقاعد بين الطوائف الإسلامية.

وفي المفهوم الإصلاحي، إنّ عدد الـ108 كافٍ جداً لبلد في حجم لبنان. ولا بأس بتخفيف الهدر وتقليص حجم الرواتب والنفقات التي يتسبّب بها 20 نائباً إضافياً.

لا يجرؤ أحد على القول إنه يؤيِّد الإبقاء على «الإنجاز» الموروث من غازي كنعان. لكنّ التحدّيات والمصالح المحلية الضيقة أقوى من مفاعيل كنعان. وأساساً، لولاها لما تمكّن كنعان- بما يمثّل- من السيطرة على القرار اللبناني لسنوات.

في العمق، هناك اليوم نزاع طائفي خفيّ وآخر مذهبي خفيّ: هل تكون نواة الميثاق مسيحية – سنّية كما في 1943، أو تفرض التحوُّلات وموازين القوى أن تكون مسيحية – شيعية… أو تكون مذهبية سنّية – شيعية، وعلى ضفافها يصطف المسيحيون والدروز؟

لا أحد يريد الإفصاح عن عمق المشكلة: لا المسيحيون الذين يعانون من عقدة العدد المتضائل، ولا الآخرون الذين يعانون من عقدة الشعور بفائض العدد أو القوة أو الإثنين معاً. وقد يكون مكتوباً على الجميع أن يخرجوا من عقدتين نفسيّتين: عقدة الاضطهاد وعقدة جنون العظمة!