كتب ألان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
تقترب رحلة قانون الانتخاب من نهايتها، إذ إنّ الـ15 دائرة مع النسبية التي تمّ الإتفاق عليها في بكركي سلكت طريقها، ويبقى البحث في التفاصيل، ليتمّ إقراره في مجلس النواب.تطرح الأوساط السياسيّة والشعبية تساؤلات عدّة حول كيفية الإتفاق على النسبية بشكلها الأخير، وكيف دخلت «القوّات اللبنانية» عبر النائب جورج عدوان على الخطّ بعدما كان رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ينسّق معها في حين أنّه لم يكن لها ممثّل في اجتماعات اللجنة الرباعية المختصّة بدرس القانون.
قرَّرت الأحزاب والشخصيات المسيحية التي إجتمعت في بكركي أنّ قانون النسبية على أساس 15 دائرة يأتي بعد «القانون الأرثوذكسي» ليؤمّن صحة التمثيل، لكنّ هذا القانون الذي خرج من الصرح البطريركي لم يجد طريقه نحو التطبيق سابقاً، في حين أنه وبعدما توافق الجميع عليه كثر عرّابوه، فمن جهة أكّد «التيار الوطني الحرّ» أنّ العماد ميشال عون كان اول من طرحه في بكركي وهو من سوّق وطالب بالنسبية، فيما قال حزب الكتائب أنه كان من أشدّ المطالبين به وأعاد طرحه كصيغة مقبولة، في وقت يعلن تيار «المردة» أنّه هو أيضاً طالب به بعدما كان الجميع قدّ تخّلى عنه.
وفي التفاصيل، فإنّ التفاوض الإنتخابي بدأ بشكل فعلي منذ مطلع السنة الجديدة، حيث دأب باسيل على تقديم الإقتراح تلوَ الآخر، وكانت تناقَش خلال اجتماعات اللجنة الرباعية، ووصَل عددها الى ثلاثة، ورفضت كلها.
وفي حين يتسابق الجميع على أبوّة القانون الجديد، تَروي «القوّات» أنه في تلك الفترة كان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع يراقب التطورات الانتخابية من معراب، في حين كان التنسيق معه قائماً على قدم وساق، ولكنّ جعجع فضّل عدم التدخل في المفاوضات، وكان يرافق الحركة الجارية ويتمنى لها النجاح، إلّا أنّ الشك كان يساوره طوال الوقت بأن تحقق الإتصالات النتائج المرجوّة والمطلوبة.
وتجنّباً للأسوأ أو لاحتمال فشل المفاوضات، وضَع جعجع خطة «ب» في رأسه في حال لم تؤدِّ جهود اللجنة الرباعية الى النتيجة المتوخّاة، لأنّ الأساس بالنسبة إلى رئيس «القوات» هو الوصول الى قانون جديد يؤمّن صحة التمثيل المسيحي والوطني.
وفي حين كان الخطر من إجراء الإنتخابات على أساس قانون «الستين»، ومع مرور الوقت وإسقاط مشاريع باسيل، ووصول الجميع إلى حافة اليأس والاستسلام، تكشف «القوات» أنّ جعجع قرر أن يبادر منعاً للفراغ والتمديد و»الستين»، لأنها خيارات سيئة جداً على البلد والعهد.
وعند هذا الحدّ قرر التدخل من خلال مبادرة مزدوجة تتمثّل في الموافقة على النسبية الكاملة بـ15 دائرة، وطلب من عدوان الدخول على خط المفاوضات بخريطة طريق واضحة تضع نصب عينيها الوصول الى قانون جديد يرضى عنه كلّ الأطراف ويتناسب مع الصيغة اللبنانية ويحقّق المناصفة المرجوّة.
وبالفعل، بدأ عدوان يشقّ طريقه بين التناقضات والألغام، وبعد جهد حثيث استمر نحو شهر تقريباً، وضع القانون على مساره الصحيح. أمّا بالنسبة الى توقيت المبادرة القواتية، فإنّ جعجع لم يطرح النسبية الكاملة بـ15 دائرة إلّا بعدما تراجع الثنائي الشيعي عن تمسّكه بالدائرة الواحدة أو 6 دوائر، وأتت المبادرة كورقة أخيرة، لأنه لو طرحها في وقت مبكر كان يمكن أن تطير كما تمّ تطيير ما سبقها من قوانين بغية العودة الى «الستين» أو الذهاب الى «التمديد».
وتؤكّد «القوات» أنّ «مراقبة الاحداث من بعيد يعطي صاحبه رؤية أوضح للمعطيات والواقع وما يجب عمله. وهذا ما حصل في فترة الفراغ الرئاسي، ما دفع جعجع إلى ترشيح العماد ميشال عون ومن ثم انتخابه.
وهذا ما حصل في مرحلة التخبّط في قانون الانتخاب في ظل خشيته من تفويت اللحظة السياسية لإقرار قانون جديد يُعيد التوازن والمساواة تطبيقاً لاتفاق «الطائف»، الأمر الذي أدى الى ولادة قانون ليس مسخاً او حَلاً لمشكلة، بل صنّفه البعض بأنه من أفضل القوانين التي يمكن الوصول إليها».
أمّا الآن، وبعد سَير المؤسسات بشكل شبه طبيعي نتيجة إنهاء الفراغ الرئاسي، من ثمّ اقتراب إقرار قانون الإنتخاب الجديد في مجلس النواب، إنتقل تركيز جعجع و»القوات» على الانتخابات المقبلة وإجراء الحسابات واحتساب الأصوات، خصوصاً انّ النسبية تتطلّب تنظيماً من اجل توزيع الأصوات التفضيلية واختيار المرشحين والتحالفات في كل دائرة على حدة، وبالتالي، فإنّ ماكينة القوات الإنتخابية وضعت نُصب عينيها زيادة كتلتها النيابية.