كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
كسر افطار الخميس الجليد بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري من دون ان يذيبه. بل يحتاج الكثير العالق بينهما الى مثل وساطة السيد حسن نصرالله لاخراج مرسوم العقد الاستثنائي من دائرة اشتباكهما على الصلاحيات الدستورية.
مع ان التعامل مع القانون الجديد للانتخاب على ان ابصاره النور مسألة وقت ليس الا، بيد ان معظم الجهود والاتصالات الجارية توازي بين شقين فيه: معلن هو تذليل العراقيل التقنية المتصلة بآلية استخراج النتائج والعتبات الحسابية واحتساب الارقام وسبل تطبيقه التي لا تخلو بدورها من خلفية سياسية، ومضمر هو ابرام تحالفات متينة بين الافرقاء الرئيسيين العاملين مباشرة على القانون.
لا يقل الاهتمام بالتحالفات هذه اهمية عن التوافق على الدوائر الـ15 وتقسيمها، وهو ما يتحدث عنه معظم المعنيين، بالكلام عن ضمانات يجري الخوض فيها وتشكل جزءاً لا يتجزأ من التوافق على القانون.
للمرة الاولى منذ عام 1934، حينما اجريت اولى الانتخابات النيابية خبرتها البلاد، يخرج نظام الاقتراع من الاكثري الى النسبي، ويضع تكوين مجلس النواب امام مرحلة غير مسبوقة. الا انها المرة الاولى ايضا تحمل تحالفات اللوائح التي يتناولها القانون الجديد مجازفات غير مجرّبة.
على مرّ عقود قوانين انتخاب متعاقبة قسّمت الدوائر على نحو مختلف ومتفاوت، لكن تحت مظلة التصويت الاكثري، افضت التحالفات الى السيطرة، الى حد بعيد، على نتائج الانتخابات، ما احال المجالس النيابية المتتالية متشابهة في قبضة طبقة سياسية واحدة متحالفة في ما بين قواها، ومتناحرة في المواقع. ذروة الوصول الى نتائج الانتخابات قبل بلوغ صناديق الاقتراع كانت في الحقبة السورية (1992 ــــ 2000)، من خلال صوغ تحالفات صلبة كانت تؤول الى معرفة الفائزين سلفاً وان في ظل قوانين مختلفة.
الا انها ليست الحال الآن تماما وإن في ظل التحالفات نفسها، في ما بين القوى نفسها المستمرة في معظمها منذ انتخابات 1992، في ظل التصويت النسبي واللوائح المقفلة ومنع التشطيب. وهو مغزى مشاورات التحالفات الجاري ابرامها، والتطمينات التي يحتاج اليها رؤساء الكتل الكبيرة للمضي في قانون الدوائر الـ15، غير المأمون النتائج. ولأن احداً من هؤلاء لم يعد في وسعه التراجع عن النسبية في القانون الجديد ــــ وقد صار الى تثبيتها نهائيا ــــ يتريثون في الذهاب الى الانتخابات ويبحثون في ضمانات الاحجام. وقد يكون توقيت اصدار رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم العقد الاستثنائي خير مؤشر الى ان الافرقاء جميعاً ليسوا على ابواب قانون انتخاب جديد فحسب، بل ايضا على ابواب احجام وكتل نيابية مختلفة، ومجلس نيابي جديد عن حق.
واقع الامر ان صدور مرسوم العقد الاستثنائي قبيل افطار الخميس ليس سوى جزء من الضمانات المتوخاة تلك، واظهار حسن نيات في الذهاب الجاد الى قانون جديد للانتخاب بعدما بات البديل الوحيد من اجراء الانتخابات هو الفراغ فقط. كان اصدار مرسوم العقد الاستثنائي ــــ وإن بالطريقة التي ارتآها رئيس الجمهورية ولم ترضِ تماما رئيس المجلس نبيه برّي، المغايرة للصيغة التقليدية المعتمدة في حالات مماثلة ــــ ثمرة اجتماع وزير الخارجية جبران باسيل ليل الاربعاء بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي ابدى رغبته في صدور المرسوم في الساعات القليلة المقبلة، قبل الوصول الى افطار الغداة، في اشارة ايجابية تسبق ذهاب برّي الى قصر بعبدا. الا انها تشير ايضا الى اصرار حزب الله على قانون جديد للانتخاب يعتمد النسبية الصافية، واستعداده المضي فيه الى النهاية وإن اقتضى طرحه على التصويت ايا تكن الجهة المتحفظة.
لم تمنع استجابة رئيس الجمهورية الرغبة تلك من اعتماد صيغة غير مسبوقة في الغالب في مراسيم العقود الاستثنائية، بادراجها كلمة «حصرا» بغية تقييد البرلمان بالبند الوحيد في جدول اعمال العقد وقصره على قانون الانتخاب، وتفادي ايراد فقرة اخرى تقليدية بدورها ترد في كل مراسيم العقود الاستثنائية تقول بترك الحرية لهيئة مكتب المجلس في ادراج بنود اخرى في جدول الاعمال، مشاريع قوانين واقتراحات قوانين، تبعا لما ترتئيه. ما انطوى عليه هذا التقييد، سواء اقر قانون جديد للانتخاب ام لا، هو انه لم يعد في وسع البرلمان من قريب او بعيد الخوض في اقتراح القانون المعجل المكرر لتمديد ولايته المطروح منذ جدول اعمال جلسة 13 نيسان، ولم يعد الاقتراح كما جدول الاعمال نفسه قائمين في العقد الاستثنائي. بعدما دفنته المادة 59، وضع مرسوم العقد الاستثنائي حجرا على قبر اقتراح التمديد كي لا يخرج. دُفن معه ايضا، سياسيا الى حين اقرار آخر جديد، قانون 2008. لم يعد في وسع المجلس كذلك ــــ ايا تكن التحديات التي قد يجبهها في الايام القليلة المقبلة ــــ البحث في تعديل مهله القانونية بغية الفسح في المجال امام العودة الى احكامه في الانتخابات النيابية المقبلة. من ذلك الاهمية التي صيغ فيها مرسوم العقد الاستثنائي. والواضح ان صدوره ليس مؤشرا الى مواراة تمديد الولاية والقانون النافذ فحسب، بل ايضا الى ان القانون الجديد يوشك على ابصار النور.
لم يكتفِ عون بهذه السابقة. بل توخى تحميل استخدام هذا الشق من المادة 33 بعداً مختلفاً، مفاده ان صدور مرسوم عقد استثنائي ليس اجراء آليا ملزما لرئيس الجمهورية كلما تطلبه مجلس النواب، بل ينبثق ايضا من ارادة الرئيس نفسه ــــ ما دام صاحب الصلاحية مع رئيس الحكومة ــــ في توجيه مسار اعمال العقد الاستثنائي، ليس في مدته فحسب، بل كذلك في جدول اعمال. ألحق عون تقييد اعمال البرلمان، بقفزه فوق موعد 5 حزيران الذي حدده بري للجلسة العامة، كي يؤكد طعنه في وجهة النظر القائلة بامكان دعوة الهيئة العامة خارج العقدين العادي والاستثنائي كلما استخدم رئيس الجمهورية المادة 59 لتجميد اعمالها.