كتب الوزير الأسبق فادي عبود في “الجمهورية”: طالعني أمس خبر الأرباح التي حقّقتها شركة Ryan air هذا العام، وهي أرباح قياسية بلغت 1.32 مليار يورو (1.14 مليار جنيه استرليني) مع ارتفاع أعداد المسافرين. شركة الطيران التي تُسيّر 1800 رحلة يومية في 33 دولة، وهي شركة إيرلندية، استطاعت أن تُحقّق النجاح بسبب إيمانها بمفهوم أساسي «الطيران هو حق للجميع وليس من الكماليات».
لقد استطاع الطيران المنخفض الكلفة في أوروبا أن يمنح هذا الحق إلى كثيرين، وأن يُسهّل حياة الكثيرين، خصوصاً في ما يتعلق بالأعمال، عبر تسهيل الرحلات الجوية بين الدول الأوروبية، ومنح حق السفر للعديد من العائلات والطلاب وغيرهم بأكلاف تنافسيّة.
ولإثبات أهميّة هذا الطيران عالمياً، عرض الصحافي الأميركي ريتشارد كويست وثائقياً على الـ«سي ان ان»، «رحلة حول العالم على متن شركات طيران المنخفض الميزانية: 10 رحلات بكلفة 1،653 £». وشدّد كويست على أنّ هذه الصناعة هي مستقبل عالم الطيران.
أما هذا الحق فما زال شبهَ مسلوب في الشرق الاوسط وفي لبنان، وإن وُجد فالتنافس مفقود، وهنا لا بد من الاشارة إلى أنّ فعالية الطيران المنخفض الثمن تبقى في إطلاق تنافس غير محدود، ولذك نجد أنّ فقط ما نسبته 13.5 في المئة من إجمالي المسافرين من منطقة الشرق الأوسط يسافر ضمن خطوط الطيران منخفضة التكلفة.
علينا أن ننظر الى هذه الحقائق بتمعّن، وعلينا أن نحترم حق المغترب والسائح، والطالب بالسفر الى لبنان بكلفة معقولة ومقبولة، علماً أنّ هذا الحق لا يُهدّد شركة طيران الشرق الأوسط أو شركات الطيران التقليدية لأنّ مستوى الخدمات مختلف، إنما يُوسّع شريحة المسافرين ويضيف مسافرين جدداً على خريطة الطيران العالمي.
عندما تمّ تمديد حصرية «الميدل ايست» لفترة 12 عاماً في أيلول 2012، تعهّد وزير النقل حينذاك غازي العريضي دراسة إطلاق شركة طيران منخفضة التكاليف. فأحد الشروط لقبول تمديد الحصرية كان بحث خيار إطلاق شركة منخفضة الكلفة، وبالفعل كلّف مجلس إدارة MEA شركة «Ernst & Young» بإجراء دراسة جدوى في هذا السياق ولكن توقف البحث عند هذا الحد. ولم يطّلع مجلس الوزراء على نتائج دراسة الجدوى الاقتصادية.
مَن ينظر اليوم الى أسعار بطاقات السفر من دول وعواصم العالم الى بيروت مقارنةً بالدول القريبة، يلاحظ ارتفاع الأسعار غير العقلاني، إضافة الى أنّ العديد من الوجهات في اوقات الذروة يصبح من المستحيل السفر اليها ويعاني اللبناني الأمرَّين لإيجاد مقاعد فارغة، ويجعل خياراته محدودة ويضطره الى دفع مبالغ باهظة.
كل ذلك في بلد يملك شبكة مغتربين ضخمة تمتدّ الى كل أصقاع الارض، ففي كل منزل في لبنان هناك فرد يعمل أو يتعلّم في الخارج، وكل عائلة لديها أقرباء في الخارج. إنّ الاستمرار في السياسة الحالية لا يساعد في التقريب بين هذه العائلات، ولا يشدّ المغتربين الى بلدهم الأم.
يجب إعادة النظر في هذه السياسة والاستفادة من المقوّمات التي يملكها لبنان لإطلاق مشاريع متعلّقة بقطاع النقل، من شركات طيران منخفضة الثمن وربما مطار بها خارج بيروت الى النقل البحري والبرّي وسكك الحديد والمترو، وتلفريك لوصل المناطق، وغيرها من الافكار التي تُعتبر حاجةً اليوم، كما أنها تشكل فرصة استثمارية مهمة للعديد من الشركات الخاصة التي تستطيع استلام هذه المشاريع عبر قروض ميسرة، كما أنّ هذه المشاريع تُعتبر أساسية لخلق فرص عمل، خصوصاً أنّ هناك اليوم العديد من المساعدات والقروض المطروحة على لبنان لإعطائنا قروضاً طويلة الأمد (30 سنة) بفائدة 1 في المئة، وبالتالي يجب الاستفادة منها لتعزيز البنية التحتية ولا سيما أنّ هكذا مشاريع تعود بأرباح على الدولة اللبنانية.
هذه فرص حقيقية وأساسية، تستطيع الدولة تلزيمها والاستفادة منها من خلال مناقصات شفافة وحقيقية تضمن حق الدولة وحق المستثمر وتعود بالنفع على المواطن اللبناني الذي يشعر أنه محبوس في قفص في بلده، من ناحية بسبب قلة الخيارات المتاحة أمامه في النقل الجوي، وثانياً زحمة السير الخانقة المنتشرة في كلّ المناطق والتي تجعل من التنقل في لبنان معضلةً حقيقية.
لقد بات تفعيل مطار في سهل البقاع ضرورة وطنية واقتصادية وسياحية، وليس ترَفاً أن نفتح مطاراً ثانياً، ولا سيما أنّ الاحوال الإقليمية تساعدنا في تأمين النقل الى دمشق وعمان وبغداد، إذا انطلقنا بأجر طيران منخفض السعر، كما يحدث في عدد من الدول، كما أهمية مطار القليعات من الناحية السياحية ومن الممكن أن يكون أيضاً صالحاً لاستخدامه مطاراً لرحلات داخلية ايضاً.
لقد راهنّا على قدرة السوق الحرة في تأمين دخل للدولة إذا تمّت المناقصة بالطريقة الصحيحة، وهذا ما تمّ مع تأمين مبلغ 100 مليون دولار، ولكن يجب الانتقال الى الخدمات الأخرى، من خدمة الـVIP وغيرها من الخدمات التي تؤمّن مدخولاً اساسياً للدولة، وتفعيل صالون الشرف وخلق خدمة مميّزة لدرجة رجال الاعمال والدرجة الاولى، فمثلاً الـbusiness lounge الذي تمّ افتتاحُه أخيراً في تركيا، اعطى شعبية كبيرة للطيران التركي.
تغيير العقلية اليوم أساسي عبر وضع مصلحة وحق المواطن في المرتبة الاولى، لقد استفادت إيرلندا من موقعها الاستراتيجي لإطلاق أنجح شركة في الطيران المنخفض التكلفة في العالم Ryan air، ويجب أن نصبو الى الأهداف نفسها… ألا يحقّ للمواطن اللبناني القيام برحلة حول العالم بألفي دولار فقط؟