تواصل مصدرٌ مجهول حتى الآن مع عدة وكالات إعلامية لنشر تسريبات رسائل البريد الإلكتروني بين مجموعةٍ من كبار الشخصيات في مجتمع السياسة الخارجية الأميركي، من بينهم وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس، وسفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة.
العتيبة يُعتبر شخصيةً نافذة في واشنطن، وتشير بعض التقارير إلى تواصله المستمر عن طريق الهاتف والبريد الإلكتروني مع جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزوج ابنته إيفانكا.
وخلف الكواليس، ومن خلال التسريبات، حاول يوسف العتيبة دفع الولايات المتحدة إلى غلق قاعدتها العسكرية في قطر، وإثارة بعض القضايا التي من الممكن أن تُسبِّب توتراً في العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر.
وبحسب “هاف بوست”، فإن العتيبة قال أيضاً في رسالةٍ أخرى إنَّ ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد، الذي يعد الحاكم الفعلي للإمارات يدعم حملة انتقاد الولايات المتحدة لقطر، وهي الحملة التي وصفتها قطر الشهر الماضي بأنَّها محاولة لتشويه سمعتها.
وأفاد المسؤولون عن تلك التسريبات، الذين لم تُكشَف هويتهم حتى الآن، لهاف بوست أنَّهم يسعون إلى كشف جهود الإمارات للتلاعب بحكومة الولايات المتحدة الأميركية، ونفوا انتماءهم لقطر أو أي حكومةٍ أخرى.
زيادة التوتر بين الإمارات وقطر
وبغض النظر عن غرض المسؤولين عن تلك التسريبات، فإنَّها من شأنها أن تؤجِّج من التوتر القائم حالياً بين حليفي الولايات المتحدة، الإمارات وقطر. وإن نجحت الإمارات في الإضرار بعلاقة الولايات المتحدة الأميركية بقطر التي استمرت لعقود، فإنَّ النتيجة ربما تُقوِّض بشكلٍ كبير أهداف أميركا في الشرق الأوسط. كاستعادة الاستقرار في سوريا والعراق بعد الهزيمة المنتظرة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ومن المفترض أنَّ قطر والإمارات دولتان حليفتان، إلا أنهما انقسمتا فعلياً منذ عام 2011 على خلفية رد فعل كلٍّ منهما تجاه احتجاجات الربيع العربي في ذلك العام. وعندما بدأت حركة الإخوان المسلمين السلمية إلى حدٍّ كبير في تولِّي السلطة في أنحاء الشرق الأوسط، أعلنت قطر دعمها للحركة، إذ كانت تراها وسيلةً لتحقيق تطلعات الشرق الأوسط الديمقراطية. هذا بينما كان موقف الإمارات مختلفاً، إذ وصفت الحركة بأنَّها تنظيمٌ إرهابي. وبوجود إدارةٍ أميركية جديدة في السلطة، أصبح الوقت سانحاً لتقوم إحدى الدولتين بدفع السياسة الأميركية لتحقيق مصالحها، بحسب موقع هاف بوست.
العتيبة أكثر الدبلوماسيين نفوذاً
العتيبة، الذي تولى منصبه كسفير للإمارات في أميركا منذ عام 2008، معروفٌ بأنَّه واحدٌ من أكثر الدبلوماسيين نفوذاً في واشنطن، ويظهر بشكلٍ متكرر في فعالياتٍ سياسية رفيعة المستوى، ويشارك باستمرار في دائرة الحوار الأميركية. ويعمل العتبية دائماً للحرص على اصطفاف إدارة ترامب مع الإمارات، بسبب العلاقات الاقتصادية التي تربط الإمارات بترامب.
تاريخ الرسائل
وأمدَّ المسؤولون عن التسريبات موقع هاف بوست بثلاث دفعات من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعتيبة، بعضها حديث يعود إلى شهر أيار هذا العام، والبعض الآخر يعود إلى عام 2014، التي كانت المرة الأخيرة التي دعَّمت فيها الإمارات حملةً ضخمة لزرع الشك تجاه قطر في الولايات المتحدة. وتواصل موقع هاف بوست مع ثمانية من الأشخاص الذين تبادلوا رسائل البريد الإلكتروني مع السفير الإماراتي، وشارك معهم محتويات تلك الرسائل، ولم ينفِ أيٌّ منهم تبادل تلك الرسائل مع السفير. ورغم أنَّ العتيبة لم يرد على مطالبات موقع هاف بوست المتكررة بتعليقه على الأمر، فإنَّ متحدثة باسم السفارة الإماراتية أكدت لموقع “ديلي بيست” الأميركي أنَّ عنوان البريد الإلكتروني المستخدم في الرسائل يَخُص السفير.
وتُظهِر رسائل البريد الإلكتروني جهوداً إماراتية لبناء التحالفات وتركيزاً على قطر.
فعلى سبيل المثال، وفي الليلة السابقة لمؤتمرٍ رفيع المستوى في واشنطن عن قطر، وهو مؤتمرٌ كان من المقرر أن يتحدث فيه وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس، كتب العتيبة إلى غيتس رسالةً صيغت كلماتها ببراعة، قال فيها: “موضوع المؤتمر (قطر) كان قضيةً مُهمَلَة في السياسة الخارجية الأميركية رغم كل المتاعب الذي يتسبب فيها. ولكن عندما تتحدث أنت عن الأمر سيستمعون إليك بإنصات”.
ورد عليه غيتس قائلاً إنَّه يظن أنَّ لديه فرصةً “لتحذير بعض الأشخاص بخصوص الأمر”.
وعرض عليه العتبية بعدها دعوته رسمياً لتناول الغداء، ونقل إليه رسالةً من محمد بن زايد، قائلاً: “محمد بن زايد يرسل تحياته من أبو ظبي، ويقول لك افتح عليهم أبواب الجحيم غداً”.
وفي اليوم التالي، وجَّه غيتس هجوماً لاذعاً لقطر، منتقداً الدوحة بشدة، وذلك في فعاليةٍ استضافتها مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمعروفة بتأييدها لاستخدام القوة في العلاقات الدولية. وقال في خطابه بالفعالية: “الجيش الأميركي ليست لديه قواعد عسكرية لا يمكنه الاستغناء عنها. قولوا لقطر أن تختار جانباً ما، أو سنضطر إلى تغيير طبيعة علاقتنا بها، وربما يتضمن ذلك تقليص حجم قاعدتنا العسكرية هناك”.
أمران مدهشان
وتظهر المؤسسة البحثية القوية والموجودة في واشنطن بشكلٍ مُكثَّف في رسائل العتيبة. وبينما تُظهِر العديد من تلك الرسائل مساعدة السفير مُحلِّليه في تخطيط رحلاتهم إلى الإمارات، تكشف الرسائل أيضاً أمرين مدهشين بشأن العتيبة: دعوته الصريحة لنقل القاعدة الأميركية خارج قطر، وهو أمرٌ فعله العتيبة سراً ولم يدعُ إليه علناً، وكذلك مناقشته لفكرة الضغط على الشركات في الدول الصديقة لأميركا لرفض الفرص التجارية في إيران.
وفي العاشر من شهر آذار من عام 2017، كتب الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، مارك دوبوفيتس، رسالة بريدٍ إلكتروني لكلٍ من سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، وواحدٍ من كبار مستشاري المؤسسة يُسمَّى جون حنا، الذي عمل نائباً لمستشار الأمن القومي السابق لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، بعنوان “قائمة أهداف بالشركات التي تستثمر في إيران، والإمارات، والسعودية”، بحسب موقع” إنترسبت الأميركي”.
وجاء في نص الرسالة: “السيد السفير، تفصِّل المذكرة المرفقة الشركات المدرجة التي تمارس أنشطةً تجاريةً مع إيران ولها أيضاً أنشطةٌ تجاريةٌ مع الإمارات والسعودية بحسب الدولة. وإليكم قائمة الأهداف لتخيير تلك الشركات كما سبق أن ناقشنا”.
وأرفق دوبوفيتس مذكرةً تتضمن قائمةً مطولة “بالشركات غير الأميركية التي لها عمليات تجارية في السعودية أو الإمارات وتتطلع إلى الاستثمار في إيران”.
وتتضمن القائمة عدداً من كبريات الشركات العالمية، من ضمنها “إيرباص” الفرنسية، و”لوك أويل” الروسية.
وعلى الأرجح، جرى تحديد تلك الشركات بحيث يمكن للسعودية والإمارات الضغط عليها فيما يتعلق باستثماراتها في إيران، والتي شهدت توسعاً في الاستثمار الأجنبي عقب الاتفاق النووي الذي أُبرم في فبراير/شباط من عام 2015.
التعاون بين الإمارات ومركزٍ بحثي موالٍ لإسرائيل
وبحسب التسريبات فإن منظمة الدفاع عن الديمقراطيات تبذل الكثير من وقتها ومواردها، في محاولة تدعيم العلاقات بين واشنطن والقوى السياسية المحافظة في إسرائيل. ولكن رغم رفض الإمارات لإقامة أي علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل، فإنَّ المؤسسة البحثية وغيرها من الأطراف في اللوبي المؤيد لإسرائيل قد وجدت أرضيةً مشتركة مع الإمارات في قضيتين رئيسيتين: فالطرفان يريدان احتواء إيران وحركات الإسلام السياسي، وكلاهما عانى هزيمةً كبرى حين وقَّعت الولايات المتحدة ودولٌ أخرى الاتفاق النووي مع إيران عام 2015. وطوال العام الماضي تقريباً، حاول الطرفان الضغط لإثارة الجدل حول مستقبل العلاقات الأميركية القطرية في واشنطن.
العتيبة والقاعدة الأميركية بقطر
وبحسب التسريبات فإن السفير الإماراتي في واشنطن أوضح رأيه بشأن القاعدة العسكرية الأميركية في قطر، في رسالةٍ إلكترونية، في 28 نيسان، هذا العام إلى جون هانا، المستشار البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمساعد السابق لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني.
وكان هانا حينها قد أرسل إلى السفير مقالاً نُشِرَ في مجلة فوربس الأميركية، يشير إلى استضافة فندقٍ إماراتي لمؤتمر حركة حماس في قطر. وذُهِلَ العتيبة من محتوى الرسالة، إذ إنَّ الإمارات نادراً ما تتعرض للانتقاد في مجتمع السياسة الأميركي.
فردَّ عليه العتيبة: “ألا يجب علينا محاولة نقل القاعدة العسكرية؟ لا أعتقد أنَّه من العدل توجيه اللوم لشركةٍ إماراتية في هذا الأمر”.
وقال هانا رداً على ذلك، إنَّه يتفق معه بشأن القاعدة العسكرية. ولكنَّ انتقاد قرار استضافة مؤتمر حماس هو أمر طبيعي وعادل أياً كانت هوية مالك الفندق. وجاء رد عتيبة سريعاً بأنَّ الإمارات ستنقل فندقها حين تنقل أميركا قاعدتها العسكرية.
فقال له هانا: “أبو عمر (وهو على ما يبدو لقب يوسف العتيبة، وعمر هو أحد أبنائه)، لا تنقل الفندق. فقط أجبروا حركة حماس على تغيير مكان إقامة مؤتمرها إلى فندقٍ لا يملكه الإماراتيون”.
ويوم الجمعة، قال هانا لموقع هاف بوست، إنَّ هذه المراسلات كانت جزءاً من عملٍ بينهما كالعادة.
وكتب في رسالته إلى موقع هاف بوست: “باعتبارها مركزاً بحثياً رائداً في واشنطن، فالمؤسسة تناقش السياسات مع مجموعةٍ مختلفة من الفاعلين في الشرق الأوسط وغيره. وعلاقتي بالسفير العتيبة تعود لسنوات، من ضمنها الفترة التي قضيتها في الحكومة الأميركية وخارجها”.
وفي رسائل أخرى، طلب مارك دوبوفيتس، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، من العتيبة الضغط من أجل قضيةٍ أخرى، وذلك في 10 آذار 2017. إذ أرسل دوبوفيتس للعتيبة قائمةً تضم عدة شركات معظمها غربية، وتعمل في السعودية والإمارات، وتتطلع للعمل في إيران بعد رفع جزء من العقوبات كنتيجةٍ للاتفاق النووي.
وقال دوبوفيتس في رسالته للعتيبة: “هذه قائمة بالشركات المستهدفة للضغط عليها لاتخاذ خيارٍ ما كما ناقشنا”. وتضمنت تلك القائمة شركاتٍ في النمسا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، وكوريا الجنوبية، والمملكة المتحدة.
ورداً على استفسارات موقع هاف بوست، ذكر دوبوفيتس أنَّه طالب علناً شركاء أميركا في الخليج باستهداف تلك الشركات والضغط عليها.
وكتب في ردِّه للموقع الجمعة: “ناقشتُ تلك الفكرة علناً عدة مرات، من بينها مناقشاتٍ في مقالات أو تقارير منشورة. وأرسلتُ تلك المقالات والتقارير المنشورة وقائمة الشركات كمثال لعدة أشخاص في واشنطن وخارج أميركا لمعرفة رأيهم في الفكرة”.