كتبت آلان سركيس في “الجمهورية”: بات واضحاً أنّ الساحة المسيحية المتنوّعة أصلاً تعيش فترات إتفاق، فيما تمتدّ مراحل الإختلاف لوقت أطول، ولا يمكن سعاةُ الخير في غالبية الأحيان جمع الأضداد إذا لم يكن هناك من قاسم مشترَك أو مصلحة تسهّل هذا الموضوع. وقد نجحت بكركي في وضع إطار لحلّ ملفات عدة بعدما جمعت المسيحيين سابقاً، وأبرزها رئاسة الجمهورية وقانون الإنتخاب.
يؤكد كثيرون أنّ الساحة المسيحية تحتاج الى حوارات عميقة تحدّد الرؤية المستقبَلية، فعندما جمع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الزعماء المسيحيين الأربعة: الرئيس ميشال عون، الرئيس أمين الجميل، رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، كانت هناك حاجة ملحّة لهذا اللقاء، وقد أتى بمردود إيجابي، أما الآن فقد تغيّرت الاسماء لأنّ عون بات رئيساً للجمهورية، وباسيل رئيساً لـ«التيار الوطني الحر»، وتسلّم النائب سامي الجميّل رئاسة الكتائب بدلاً من والده، فيما بقي فرنجية وجعجع كلٌ في موقعه.
ولا تستبعد بكركي إمكانية دعوة المسيحيين الى اجتماع موسّع إذا دعت الحاجة المسيحية والوطنية، لكنّ الأمور تسير الآن طبيعية، والمسائل الأساسية تُبحث في المؤسسات الدستورية، لذلك نترك لرئيس الجمهورية التحرّك، لكنها تؤكّد في المقابل أنه «عندما تستدعي الحاجة فنحن جاهزون، لأنّ اجتماعات الأقطاب المسيحيين كانت لحلّ مسائل وطنية لا مسيحية فقط”.
أما على جبهة قانون الإنتخاب، فتقول مصادر بكركي لـ”الجمهورية”، إنّ الزعماء المسيحيين واللبنانيين صالوا وجالوا وفي النهاية ساروا بما كُتب في بكركي ونال قانون الخمسة عشر دائرة مع النسبية الإجماع الوطني.
وتضيف: “إذا عدنا إلى الوراء، نلاحظ أنّ الراعي شكّلَ بداية تواصُل بين القوى المسيحية المتخاصمة، حيث شهدت الساحة المسيحية حراكاً تَمثّلَ في تشكيل لجان في بكركي تضمّ معظم الأحزاب والقوى السياسية والمستقلّين وشخصيات مدنية، وفي لحظات التفاهم المسيحي النادرة نجح المجتمعون في الاتفاق على موضوعات أساسية وجوهرية قبل أن يحصل الفراقُ مجدداً في تلك الفترة، ويمضي “كلّ يغنّي على ليلاه”.
وفي سياق البحث في الموضوعات الخلافية والمسائل الوطنية المعقّدة، حصَر المسيحيون الذين اجتمعوا في بكركي المرشّحين لرئاسة الجمهورية بالقادة الموارنة الأربعة، لكي يصل الرئيس المسيحي القوي، وبذلك بات من غير الممكن انتخاب رئيس خارج هذا النادي، فدارت الأيام، وعلى رغم الكباش والفراغ والتدخّلات العربية والدولية وما رافقَ تلك المرحلة من تطوّرات، عاد المجلس النيابي، نظراً إلى الظروف السياسية المعروفة والمستورة، وانتخَب عون رئيساً، وبذلك نجَحت نظرية “الرئيس القوي”.
وتشير المصادر الى أنّ لجنة بكركي التي كُلّفَت درسَ قانون الإنتخاب وضَعت اقتراحات عدّة كان أبرزها قانون النسبية على أساس 15 دائرة، والذي شكّل حلاً لمأزق وطني عمره من عمر لبنان.
وعلى رغم أنّ النزاع في البلد هو سياسي بخلفية طائفية، وما الطائفية إلّا سلاح لتحقيق الغايات والأهداف، يُدرك المسيحيون أنّهم وصلوا إلى الخطوة الأخيرة، أو بالأحرى الفرصة الأخيرة، فإذا لم يستطيعوا تحصيلَ حقوقهم بوجود رئيس الجمهورية القوي واستعادة حضورهم في السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإنّ هذا الأمر لن يتحقّق لاحقاً، خصوصاً أنّ المرحلة الحالية هي تأسيسيّة، وأيّ انتكاسة فيها ستؤثّر على المستقبل، في حين يجب على المسيحيين لعب دورِهم التاريخي، والخروج من حال اليأس التى عاشوها طوال المرحلة الماضية.
وفي هذا السياق، شكّلَ انتخابُ رئيس من “نادي الموارنة الأربعة” واقعاً سيَحكم لبنان لستّ سنوات مقبلة، كما أنّ إقرار “قانون بكركي”، سيشكّل واقعاً نيابياً قد يستمرّ عشرات السنوات، والتجربة تدلّ على أن ليس من السهل، الاتفاق كلّ أربع سنوات على قانون، والدليل هو إجراء انتخابات 2009 على أساس قانون 1960. وبذلك يكون المسيحيون قد نجحوا مرّةً ثانية في تحقيق مطالبهم المحِقّة بفضل وحدتهم، وأرسوا واقعاً سيَحكم لبنان.
تُشكّل الرؤيةُ شرطاً أساسياً لنجاح المجتمع في تحقيق مطالبه، وإذا نجحت لقاءاتُ بكركي في وضعِ إطار لرئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب من خلال اتّفاق جميع المسيحيين، فإنّه يتوجّب متابعة عمل اللجان التي شكّلتها بكركي وكلّفتها موضوعات توازي بأهمّيتها الملفات السياسية، وأبرزُها بيعُ المسيحيين أراضيهم، والتراجع الديموغرافي، وغيرها من الملفات التي تُرهق كاهلَ المسيحيين واللبنانيين.