كتب بسام أبو زيد
تكمن المفارقة المضحكة في أننا نحن اللبنانيين نتغنى أننا في بلد يطبق معايير الديمقراطية، ولا سيما الانتخابية منها. وتكبر هذه المفارقة المضحكة عندما نقارن بين الديمقراطية في لبنان والديمقراطية في دول أخرى كبريطانيا، فيتبين أننا نعيش وهما وتخلفا كبيرين وأن ليس لنا من الديمقراطية وانتخاباتها سوى مظاهر فولكلورية تزداد يوما بعد يوم على حساب الأصل والجوهر.
عن أي ديمقراطية نتحدث في لبنان ونحن من ابتكر بدعة التمديد لرئيس الجمهورية ولمجلس النواب، والبدعة الأهم هي بدعة الفراغ، ضاربين عرض الحائط بدورية الانتخابات وحق الناس في المحاسبة وممارسة دورهم في الاختيار؟
عن أي ديمقراطية نتحدث وقانون الانتخابات النيابية لا يولد إلا في اللحظات الأخيرة قبل عمليات الاقتراع، كنتاج تسوية سياسية همها الأول ضمان المقاعد للقوى السياسية، وليس صحة التمثيل وإتاحة الفرصة أمام المقترعين كي تكون الانتخابات وسيلة لإجبار من أخطأ في حق المواطن والوطن على دفع الثمن؟ وكل ذلك يجري تحت عناوين كبيرة واهية وفي مقدمها الرفض للطائفية والمذهبية وتقسيم البلاد وكأننا نعيش في دولة مدنية علمانية شعبها وساستها موحدون تجاه مصيرها ومصلحتها، وهو أمر أقل ما يقال فيه أنه “ضحك على الذقون”.
عن أي ديمقراطية نتحدث ونحن ناخبون تقودنا إلى صندوقة الاقتراع ولاءاتنا الطائفية والمذهبية والحزبية العمياء، فلا ندرك الخطأ من الصح ونخشى محاسبة الزعيم وأزلامه ولو كانت أخطاؤهم كبيرة وعظيمة، ونتهم بالخيانة كل من انتقد صورة الزعيم وأراءه النيرة للتحول الانتخابات من فرصة للاختيار العاقل إلى ردة فعل عشوائية؟
عن أي ديمقراطية نتحدث وهناك مواطنون ومجموعات سياسية تخشى المشاركة في الانتخابات، لوجود قوى تصادر ساحات وطوائف ومذاهب، وتمنع بالتهديد والوعيد والترهيب، كل أصحاب الأفكار المناقضة لها من المشاركة في الانتخابات وأثبات حضورها، في ظل دولة عاجزة عن ضمان هذا الحق لكل مواطنيها؟
عن أي ديمقراطية نتحدث وانتخاباتنا لا علم لنا بتاريخها، والأغلبية تسأل ما إذا كان المال الانتخابي سيفعل فعله؟
عن أي ديمقراطية وانتخابات نتحدث والناخب الحر كمن يقاد إلى الذبح، يضغط عليه النافذون السياسييون في كل لحظات العملية الانتخابية، من الاعلام إلى باب قلم الاقتراع وداخله حيث الفوضى ومحاولات التأثير على رأي المواطن مباحة ومتاحة وكل ذلك تحت أعين سلطة تصدق أنها تجري بالفعل انتخابات؟
عن أي ديمقراطية نتحدث ونتائج الانتخابات معروفة بدقة، ومن سيفوز بالأسماء، وكم ستحقق هذه الجهة أو تلك من مقاعد وفي أي دوائر وصولا إلى معرفة ما سيناله كل مرشح من أصوات قبل إنجاز عمليات الاقتراع؟ إنه بالفعل مفهوم جديد للديمقراطية أن تعرف نتائج الانتخابات قبل حصولها.
في بريطانيا وعند فرز الأصوات في كل دائرة يجتمع المرشحون في المكان ذاته أثناء الفرز، وعندما تنتهي هذه العملية وتظهر النتيجة يقف المرشحون المتنافسون على منصة معدة في المكان، ويتولى أحد الأشخاص تلاوة اسم كل مرشح وما حصل عليه من أصوات، فيعرف من هو الفائز ومن هم الخاسرون الذين يهنئون الفائز أمام الجميع.
هذه هي إحدى مظاهر الديمقراطية والتواضع في الدول التي يخشى فيها السياسيون صوت الناس وضميرهم، ولا يصطدم المواطن بسياسيين فقدوا ضميرهم.