كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
كان الحدث أمس في بلدة عرسال البقاعية، وتمثل بنقل عائلات سورية من بعض مخيمات البلدة باتجاه الداخل السوري، الأمر الذي اعتُبر دليلاً على مساحة الأمن والأمان التي أصبحت تتصف بها منطقة الجرود بفعل السيطرة المُحكمة التي يفرضها الجيش هناك، والتي تتجلّى بشكل واضح من خلال الإنجازات التي يُسطّرها على تلك الجبهات التي بدأت بدورها تضيق إلى حد ما، مع التضييق الذي يفرضه الجيش على الجماعات الإرهابية بفعل الضربات التي يوجّهها اليها، والتي أسفرت عن حصرها ضمن مساحات محددة، بعد أن كانت سابقاً تتحكم بكافة المعابر والممرّات التي كانت تُستعمل لإدخال السيارات المفخخة إلى لبنان.
في سياق عملية عودة النازحين السوريين من مخيمات إلى مناطق «آمنة» في سوريا تقع عند الحدود اللبنانية – السورية، وهي المرّة الأولى التي يعود فيها هذا العدد من النازحين إلى بلادهم منذ لجوئهم إلى لبنان، صدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه بيان أشارت فيه إلى أنه «بناء على رغبة عدد كبير من أفراد العائلات السورية النازحة في مخيمات عرسال بالعودة إلى سوريا، واكبت وحدات من الجيش العملانية ومديرية المخابرات، اعتباراً من فجر أمس، هؤلاء، خلال انتقالهم على متن 30 سيارة مدنية من أنواع مختلفة، من المخيمات المذكورة إلى آخر مركز تابع للجيش على الحدود اللبنانية – السورية في جرود المنطقة، حيث تابعوا انتقالهم من هناك إلى بلدتهم – عسال الورد في الداخل السوري».
من المعروف ان هذا الحدث الذي تابعه الجيش أمس، إنما جاء بعد إتفاق بين الأطراف المتقاتلة «حزب الله» و»سرايا أهل الشام» وقد نص على عودة الدفعة الأولى من النازحين السوريين إلى بلدهم، على أن تتبعها عمليات مشابهة في وقت لاحق وبأعداد أكبر تكون مقدمة لإنهاء هذا الملف المُتخم بالمشاكل أقله في عرسال على أمل أن ينسحب في وقت لاحق، على بقية مخيمات النازحين في كل لبنان وإغلاق هذا الملف بشكل كامل وليس في منطقة محددة. وقد أكد العديد من فاعليات عرسال ارتياحهم الكبير لهذه الخطوة، وأملوا أن تُستكمل في أقرب فرصة، بعودة كل النازحين الى ديارهم.
وفي السياق، تكشف مصادر ميدانية ومتابعة بشكل حثيث للواقع الميداني في الجرود لـ «المستقبل»، أن التعويل على دور الجيش في المناطق الحدودية وتحديداً في جرود عرسال والمعطوف على قدرته في بسط سيطرته العسكرية والأمنية في تلك البقعة الجغرافية التي يتسلل الإرهابيون عبرها، مكّنه أمس، من أن يكون المسؤول عن إنتقال النازحين بطلب مباشر من الجهات المتقاتلة في هذه المنطقة التي أصبحت آمنة والطريق فيها أصبحت مفتوحة حتى باتجاه الداخل السوري». وتؤكد المصادر أن الجيش واكب عملية العودة وصولاً الى أقرب نقطة من الجهة السورية وآخر نقطة يتواجد فيها الجيش اللبناني. وجميع هؤلاء مدنيون وليس بينهم أي مُسلّح على الإطلاق».
ملف النازحين في لبنان، موصوف بأنه ملف صعب خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان سواء في الشق الأمني أو المعيشي، وتزداد صعوبته نتيجة التداخل الدولي فيه. وتؤكد المصادر أن خروج هذه الدفعة من النازحين من شأنه أن يُريح الجيش وأهالي عرسال على حد سواء، ومن شأنه أن يُمهد لعمليات مشابهة خصوصاً وأن لهؤلاء النازحين الذين عادوا بالأمس، أهلاً وأقارب سوف يحذون حذوهم ويعودون الى بلادهم أيضاً في أقرب فرصة ممكنة، وبالتالي فقد فتحت العودة الباب على مصراعيه لحلول مقبلة في منطقة الجرود سبق أن عبّر عنها قائد القيادة الوسطى في الجيش الاميركي الجنرال جوزف فوتيل لدى زيارته الجرود برفقة قائد الجيش العماد جوزف عون والسفيرة الاميركية إليزابيت ريتشارد، والذي أكد خلالها على «المصالح المشتركة التي تجمعنا بالجيش وتتضمن هزيمة تنظيم داعش، والعناصر الإرهابية المتطرفة الأخرى»، منوّهاً بـ «الجهد الذي يبذله الجيش حفاظاً على أمن لبنان واستقراره».
وتشدد المصادر على أن «زيارة فوتيل أعطت دفعاً كبيراً للجيش الذي لولا الثقة بقدرته وصلابته في الجرود، لما كان توجه إلى أقرب نقطة خلافية وخطرة والتي تدور فيها الصراعات ويكثر فيها تواجد الإرهابيين. وهو شاهد بالعين المجردة، مدى قدرة الجيش هناك، ولذلك أتى إصراره على القاء كلمة له في تلك المنطقة». ومن هذا الوضع تذهب المصادر لتؤكد الأهمية التي توليها كافة الدول للبنان ولمؤسسة الجيش على وجه الخصوص، فلبنان أحد الخطوط الأمامية الرئيسية في مواجهة تنظيم «داعش»، يمسكه الجيش اللبناني بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأخرى وبكفاءة فعَّالة ملحوظة، وهذا كله يثير إعجاب الدول القريبة والبعيدة».
وتتويجاً لزيارة فوتيل ونتائجها المرضية، زار أمس قائد العمليات الخاصة المشتركة الأميركية الجنرال أوستن سكوت ميلر قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهي أيضاً تأتي استكمالاً للزيارات التي يقوم بها الأميركيون للبنان بهدف الاطلاع على وضعه الأمني والسياسي. وفي هذا السياق علمت «المستقبل» أن كل هذه الزيارات تصب في خانة دعم الجيش وتعزيز قدراته، وأن ميلر أشاد بـ «جهود الجيش اللبناني ومناقبيته وثباته في مواجهة الارهاب». كما نقل وجهة نظر فوتيل الذي كان مرتاحاً الى أقصى الحدود في منطقة الجرود وهذا ما يعطي الجيش دفعاً مهماً في كل عملياته الميدانية لمواجهة الارهاب.