ذكرت صحيفة “الحياة” أن رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما قرّر تأجيل الجلسة التشريعية التي كانت مقرّرة اليوم الاثنين 12 حزيران للبحث في قانون الانتخاب إلى الجمعة المقبل، ارتأى تمديد الفرصة للحكومة لعلها تنجح في التوصل إلى قانون انتخاب جديد يدفع في اتجاه منع لبنان من أن يقترب من حافة الانهيار، رافضاً كما تقول مصادر نيابية حشر الحكومة في الزاوية، لأن لا مجال لتسجيل مواقف مع اقتراب البلد من المهلة القاتلة وما يترتب عليها من تداعيات سياسية، نتيجة الدخول في فراغ في السلطة الشتريعية لن يكون لمصلحة أحد، لأنه سينسحب حتماً على المؤسسات الدستورية الأخرى.
ولفتت المصادر النيابية إلى أن الرئيس بري ليس من هواة حرق المراحل، لكنه في الوقت ذاته لن يقف مكتوف اليدين في حال لم يترجم التفاؤل الذي أخذ يشيعه هذا الطرف أو ذاك حول اقتراب القانون من مرحلة ولادته الأخيرة، في جلسة مجلس الوزراء إلى قرار حاسم من شأنه أن يؤدي إلى الإفراج عن قانون الانتخاب.
ولم تستبعد المصادر النيابية من وجهة نظرها أن يبادر بري إلى تأجيل الجلسة النيابية المقررة يوم الجمعة المقبل لمدة 24 ساعة، على أن تنعقد في اليوم التالي أي السبت في 17 الجاري، على أن تخصص لمناقشة القانون والتصديق عليه.
وعزت المصادر ذاتها احتمال تأجيل الجلسة إلى السبت المقبل، إلى وجود رغبة لدى بري في إعطاء فرصة للكتل النيابية وللنواب المستقلين للاطلاع على مشروع القانون الذي ستحيله الحكومة إلى رئاسة المجلس ووضع ملاحظاتهم عليه.
لكن المصادر عينها لم تسقط من حسابها إصرار بري على تثبيت موعد الجلسة التشريعية الجمعة، في حال أن جلسة مجلس الوزراء انتهت من دون التفاهم على قانون انتخاب جديد، على أن تخصص لمناقشة بند وحيد يقع تحت عنوان ما العمل قبل انتهاء ولاية البرلمان الممدد له، لأنه من غير الجائز إقحام البلد في فراغ قاتل في وقت هو في أمس الحاجة إلى الاستقرار، ليتفرغ لاحقاً للبحث في مشروع قانون الموازنة للعام الحالي، لأن عدم إقراره في البرلمان سيفتح الباب أمام فتح اعتمادات مالية خاصة لتأمين الاحتياط اللازم مع بدء نفاذه، لصرف الرواتب للعاملين في القطاع العام وتغطية النفقات الضرورية للوزارات والإدارات الرسمية على أساس التقيد بالقاعدة الاثني عشرية.
وبكلام آخر، لم تسقط المصادر النيابية من حسابها، احتمال تخصيص الجلسة النيابية المقررة الجمعة في حال تعثرت ولادة قانون الانتخاب، لإقرار اقتراح قانون، شرط تأمين النصاب القانوني لانعقادها، يقضي بالتمديد للبرلمان حتى نهاية أيلول (سبتمبر) المقبل.
ورأت أن هذا الاحتمال يبقى قائماً ولا يلغيه إلا التوافق على قانون انتخاب، وقالت إن التمديد للبرلمان حتى أيلول، أي لثلاثة أشهر تجرى في نهايته الانتخابات النيابية على أساس القانون النافذ حالياً، أي “الستين”، لا يستهدف الدخول في معركة “كسر عظم” مع أحد، وبالتالي يتوخى منه رئيس البرلمان منع سقوط البلد في فراغ، من دون أن يتطلع من خلاله إلى إحراج هذا الطرف أو ذاك.
وسألت المصادر ما إذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون ومن خلاله الحكومة يتحمل في الأشهر الأولى من بدء ولايته الرئاسية التمديد القسري للبرلمان، في ظل تعذر الوصول إلى تفاهم حول قانون الانتخاب، وبالتالي يفترض فيه بالتعاون مع رئيس الحكومة سعد الحريري التدخل في الوقت المناسب لإنقاذ الوضع ولقطع الطريق على إجراء الانتخابات النيابية على أساس القانون النافذ.
واعتبرت أن لا مجال لأي تأخير في إقرار القانون، إلا إذا كان هناك من يصر على أن يكون له دور تأخيري، غامزةً بذلك من قناة رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل الذي يستمر حتى الساعة في مناوراته في محاولة لتحقيق انتصار حتى لو تأخر تطبيقه، ليكون في وسعه أن يقدم نفسه لمحازبيه ومن خلالهم للشارع المسيحي على أنه كان المنقذ الذي أنتج القانون.
وفي هذا السياق، سارعت المصادر النيابية إلى التحذير من لجوء باسيل وأثناء انعقاد جلسة مجلس الوزراء إلى إقحام قانون الانتخاب “بسلة من الهوامش” لا يمكن للحكومة الأخذ بها لما يترتب عليها من نسف للجهود الرامية إلى إنجاز القانون في صيغته النهائية، خصوصاً أن هناك من بدأ يشيع أن وزير الخارجية لم يعد متحمساً لقانون ركيزته النسبية في ضوء الحسابات التي أجراها، وتبين له أن من مصلحته العودة إلى قانون يعتمد النظام الأكثري، لكنه يترك لسواه مهمة تبنيه كأمر واقع.
ولفتت المصادر إلى أن باسيل سيجد مقــــاومة في مجلس الوزراء في حال إصراره على إقحام القانون بمقدمة سياسية تكـون بمثابة إعلان سياسي، يتوخى من خلاله انتزاع موافقة الكتل النيابية على الإطاحة بطريقة غير مباشرة باتفاق الطائف، وإلا فماذا يعني تثبيت المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في البرلمان وتكريس توزيع المقاعد النيابية على المذاهب والطوائف، في مقابل استحداث مجلس شيوخ طائفي؟
وأكدت أن مجرد التناغم مع مطلب باسيل في هذا الخصوص يعني التسليم بتطييف مجلسي النواب والشيوخ على نقيض ما نص عليه اتفاق الطائف. وقالت إن باسيل إذا ما أصر على “الإعلان السياسي” في القانون فإنه سيلقى معارضة، وسيجد نفسه وحيداً في محاولته الالتفاف على الدستور، لأن تعديله يقضي بالدعوة إلى مؤتمر وطني للحوار ومن غير الجائز إقحام القانون بهوامش تتناقض وروحية الدستور اللبناني.
أما تعذر التفاهم على حصر الصوت التفضيلي في القضاء أو في الدائرة الانتخابية التي يتبع لها، وتحديداً في المشاورات التي تسبق جلسة مجلس الوزراء، فسيدفع حتماً إلى حسم الخلاف حوله في داخل الحكومة، إنما على قاعدة عدم تطييفه، لا سيما أن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أبلغ بعض المحيطين به بأنه مع أن يكون هذا الصوت وطنياً، أي خارج القيد الطائفي.
ويتردد أن موقف الراعي هذا وصل إلى مسامع بري الذي تواصل معه في الساعات الماضية، وأبلغه بأنه يدعم وجهة نظره التي يؤيد فيها احتساب التفضيلي على أساس وطني.
كما يتردد أن بري قد يذهب إلى مسايرة رئيس الجمهورية في حال أحس بأن الأخير يدعم الرأي القائل بحصر التفضيلي في القضاء مع أنه يؤيد حصريته في الدائرة الانتخابية.
إلا أن لمراعاة بري لرئيس الجمهورية حدوداً، وشرطها أن يبقى الخلاف حول التفضيلي العائق الوحيد الذي يؤخر ولادة قانون الانتخاب، إضافة إلى أن رئيس المجلس لا يؤيد نقل أي مقعد نيابي من دائرة إلى أخرى، لكن لن يتخذ منه مشكلة في حال أن الحريري يوافق على نقل المقعد الإنجيلي من بيروت الثالثة (المزرعة – المصيطبة – زقاق البلاط) إلى الأولى (الأشرفية)، على رغم أنه مع تعزيز الشراكة المسيحية- الإسلامية في انتخاب النواب.
وبالنسبة إلى تخصيص 6 مقاعد نيابية لتمثيل اللبنانيين المقيمين في بلاد الاغتراب على أن يطبق في الانتخابات النيابية المقبلة، فإن باسيل يميل إلى خفض عدد أعضاء البرلمان الحالي من 128 إلى 122 نائباً، شرط مراعاة المناصفة، على أن تخصص هذه المقاعد لتمثيل الاغتراب اللبناني.
لكن رغبة باسيل في انتزاع موافقة مجلس الوزراء على اقتراحه هذا، ستصطدم بمجموعة من الموانع، أبرزها وجود رفض نيابي لخفض عدد المقاعد، وإصرار من حزب “القوات اللبنانية” على مشاركة المغتربين في الانتخابات في خلال وجودهم في لبنان، لأن مثل هذا الاقتراح لا يصب في خانة إصراره على تأمين صحة التمثيل المسيحي في البرلمان وتعزيز دوره في الحياة السياسية.
كما أن هناك عوائق أخرى في وجه اقتراح باسيل، منها وجود صعوبة في إحصاء المغتربين وتحديد انتماءاتهم الطائفية.
ناهيك عن أن توزيع المقاعد الاغترابية مناصفةً، يمكن أن يحدث خللاً في التوزيعة المعتمدة حالياً للمقاعد النيابية على الطوائف والمذاهب، إضافة إلى أن “حزب الله” كان سأل باسيل في أكثر من لقاء ما إذا كان في مقدوره في ظـــل العقوبات الأميركية المفروضة عليه، ترشيح أي ممثل عنه في بلاد الاغتراب أو القيام بحملات انتخابية من قبل الناخبين لمصلحة هذا المرشح أو ذاك.
لذلك يحاول باسيل أن ينتزع من الحكومة موافقة لفظية على تخصيص مقاعد نيابية للبنانيين في بلاد الاغتراب، مع أنه يدرك منذ الآن أنها غير قابلة للصرف، لوجود صعوبة في تطبيقها على أرض الواقع الاغترابي، فهل يتخطى مجلس الوزراء كل المناورات التي تستهدف قانون الانتخاب ويتوصل إلى إنجاز القانون، أم أن التمديد للبرلمان سيكون البديل على أساس اعتماد القانون النافذ حالياً؟