كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
عَكَستْ تسميةُ «أسوأ الممكن» التي أُطلقت على قانون الانتخاب الجديد في لبنان الذي سلك طريقه أمس عبر الحكومة الى البرلمان لإقراره مع تمديد تقني حتى 20 ايار 2018، طبيعةَ التسوية التي وُلد في كنفها من خلال تنازلاتٍ متبادَلة ووفق معادلة «لا انتصار كاملاً ولا انكسار كاملاً» لأيٍّ من الأفرقاء السياسيين الذين جاءت قراءاتهم لحسابات «الربح والخسارة» نسبيةً كما القانون الذي اعتمد نظام الاقتراع النسبي ضمن 15 دائرة، وذلك للمرّة الاولى في تاريخ لبنان منذ ما قبل الاستقلال (كان يُعتمد النظام الأكثري).
وفي حين أَنْجَزَ مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها أمس في القصر الجمهوري مشروع قانون الانتخاب وأحيل على مجلس النواب (تنتهي ولايته الثلاثاء المقبل) لإقراره غداً عبر التصويت بمادة وحيدة، فإن ما سبَقَ ورافق استيلاد الصيغة التي رسا عليها القانون ثبّت ما كانت «الراي» أشارتْ اليه مراراً في الأسابيع الأخيرة من ان القانون الجديد «لا بدّ آتٍ» وانه عند حلول «ساعة الحقيقة» فإن الجميع سيسلّمون بـ the game is over ليكتفوا بما «حصّلوه» من مكاسب على «حافة الهاوية» من دون دفْع البلاد الى المنزلق الخطير المتمثّل بالفراغ في البرلمان، وبما يضمن تحصين التسوية السياسية التي تتفيأها البلاد منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، وخصوصاً في غمرة «العواصف» المحيطة بالبلاد.
وبعد «ثلاثاءٍ ماراثوني» من الاتصالات والاجتماعات التي أفضتْ الى التحاق الجميع بـ «مركب النجاة» الذي شكّله ما بات يُعرف بـ «قانون عدوان» (في إشارة الى نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان الذي تولى تعويم صيغة نسبية الـ 15 الدائرة في «توقيتٍ ذهبي») رغم تسجيل بعض الأطراف تحفّظات عن بعض النقاط التقنية ولكن تحت سقف «القانون ماشي»، جاءت جلسة مجلس الوزراء لتكرّس هذا المناخ إذ اكتفتْ بعض القوى التي اعترضتْ مثلاً على أن يكون الصوت التفضيلي ضمن القضاء وليس الدائرة الانتخابية بإدراج موقفها في محضر الجلسة من دون أي لجوء الى التصويت، ومع الأخذ ببعض الملاحظات التي أعيد إدراجها في المشروع عبر اللجنة الوزارية المكلفة من الحكومة وذلك خلال انعقاد الجلسة (مثل تحديد الفترة الضرورية لاستقالة رؤساء البلديات قبل ترشّحهم للانتخابات النيابية بشهرٍ بعد نفاذ القانون).
وفي موازاة الجانب التقني، فإن مدة التمديد للبرلمان كانت أبرز النقاط العالقة، وهي حضرتْ في لقاءٍ ثنائي استبق بدء الجلسة الوزارية بين عون والحريري وسرعان ما انضمّ اليهما وزير الداخلية نهاد المشنوق، وسط اعتبار دوائر مراقبة أن طرْح اعتماد البطاقة الممغنطة في الدورة المقبلة (تسمح للناخب بالاقتراع في مكان سكنه وتحتاج لنحو 10 أشهر لإنجازها) وفّر «المبرّر» لطلب التمديد حتى الربيع المقبل (وفق ما أراد في شكل رئيسي الحريري) على عكس رغبة الرئيس عون وحزبه (التيار الوطني الحر) بتمديدٍ لا يتجاوز 4 أشهر، فكان الاتفاق على تمديد حتى 20 ايار 2018 على أن تجري الانتخابات عند جهوز الوزارة المختصة.
ويمكن اختصار أبرز نقاط القانون العتيد باعتماد الدوائر الـ 15 مع الصوت التفضيلي في القضاء، وتحديد الحاصل الانتخابي كعتبة نجاحٍ للائحة (عدد المقترعين مقسماً على عدد المقاعد) وعدم اعتماد عتبة للمرشح، والسماح بترشح لوائح غير مكتملة شرط أن تحتوي مقعداً واحداً عن كل قضاء على الأقلّ، على ألا يقل عديدها عن 40 في المئة من مقاعد الدائرة. كما يتضمّن القانون، بطريقة الفرز، دمْج اللوائح وترتيب المرشّحين في الدائرة على أساس نسبة الصوت التفضيلي في القضاء. وتم الاتفاق على نقل مقعد الأقليات من بيروت الثانية الى بيروت الاولى. وفي المقابل لم يجرِ اعتماد الكوتا النسائية ولا التوافق على اقتراع العسكريين أو خفْض سنّ الاقتراع.
وفيما كان الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط يعتبر القانون «معقّد مشربك كصانعيه»، قبل ان يؤكد ان «المهمّ التعامل مع الأمر الواقع وانها مرحلة جديدة وجميعنا ساهم فيها»، فإن وضع القانون الجديد في «غربال» الربح والخسارة يُظهر الآتي:
* ان عون نجح في «دفن» قانون الستين ومنْع التمديد بلا قانون جديد، و«أنقذ» عهده من نكسة «قاتِلة» لو حصل فراغ في البرلمان، فيما حقق حزبه (التيار الحر) الصوت التفضيلي في القضاء، وهو ما اعتُبر «مصيرياً» لرئيس التيار الوزير جبران باسيل لخوض الانتخابات في قضاء البترون.
* ان بري، الذي وصف القانون بـ «أهون الشرور» ربح بقطْعه الطريق على طروحات باسيل التي اشتمّ منها رائحة طائفية بحتة، كما فاز بانتصار منطق النسبية الكاملة.
* ان الحريري الذي يُعتبر «المضحّي» الأكبر بقانون النسبية التي يرجّح ان تقلّص حجم كتلته النيابية، فاز بإنجاز القانون الذي التزمت حكومته بإقراره كما ربح بإطالة فترة التمديد وصون علاقته الجديدة مع عون.
* ان «حزب الله» ربح جرّ الجميع الى النسبية الكاملة، وخسِر (ومعه بري) باعتماد الدوائر الـ 15 والصوت التفضيلي في القضاء بما فرّغ النسبية واقعياً من مضمونها، رغم اعتبار البعض ان الحزب وفّر منصة لإضعاف خصومه وأتاح لحلفاء له بطوائف أخرى إمكان «العبور» الى البرلمان من بوابة النسبية.
* ان «القوات اللبنانية» تُعتبر «عرّابة» المَخرج الذي وفّر للجميع «سلّم النزول من على الشجرة» الى مساحة مشتركة، مما أتاح الاتفاق على القانون وظهّر دوراً وطنياً لها.