Site icon IMLebanon

النواب التقنيّون

 

 

كتب جوزف الهاشم في صحيفة “الجمهورية”:

مدَّدوا مرة ومرتين ويمدِّدون مرة ثالثة، ومن أجل المحافظة على آخر قطرة ملوَّثة من ماء الوجه سمّوه تمويهاً: «التمديد التقني».

مدّدوا لأنفسهم بموجب نظرية الحق المقدس في السلطة… فهُمْ، ملوكٌ بالتفويض الإلهي، وهمُ الحاكم العرفي المنفرد، وهمُ الفرعون الذي يعتبره المصريون ملكاً وإلهاً.

يوافقون على قانون للإنتخابات مشوَّهٍ وطنياً، ويمدّدون لأنفسهم تقنيّاً، ولكن… من يمنعهم من ابتكار تقنيَّة جديدة أو ذريعة «ممغْنَطةٍ» تعطّل تنفيذ هذا القانون، لأنه عند فَتْح الشهيَّة على التمديد لا تعود تنفع نصائح خبراء التغذية للتخفيف من الوزن المنتفخ، ويصبح الجشع السلطوي غريزة مسعورة لتمديد الشباب النيابي، كالعجوز التي ترفض مواجهة بشاعتها في المرآة، وتظلّ تطرح نفسها عروساً متصابية للزواج بالمتعة.

أيّاً كان إسم هذا التمديد اللَّقيط المكنّى بالتقني، فإنّ بموجبه يختلس النواب حقاً تشريعياً بصورة غير شرعية، ويتقاضون بدلاً مادياً هو أشبه بالمال الحرام.

ولكن… إذا كان النواب قد مدّدوا لأنفسهم تقنياً، فهذا يعني أنهم نواب تقنيّون.

والتقنية، حسب تعريف مجمع اللغة العربية تعني «التكنولوجيا» وهي تعني «التكنيك» بحسب القاموس.

والتقنية بهذا المعنى تُطْلق على كل صفة فنيّة أو صناعية أو حرفية، ولقد حدّد عالم الإجتماع الأميركي «جورج باين» التقنية أو التكنولوجيا «بأنها تتضمن جميع المعدات والآلات والأواني والأسلحة وأدوات المسكن والملبس…»

وبهذا التحديد العلمي، لا يعود للنواب التقنيين أي علاقة بالصفة التمثيلية الشعبية، ولا بالصلاحيات التي تحددها أحكام الدستور للسلطة المشترعة، بل يصبح اختصاصهم محصوراً بما تعنيه التقنية من تعريف علمي، لجهة الآلات والأواني وأدوات المسكن وما إليها..

كل ما يحكمنا ويتحكّم بنا هو كذبة ديمقراطية يمارسها مجلس نيابي ممدِّدٌ ومتمدِّد زوراً باسم الشعب.

فيما المجلس النيابي الأصيل، وفي زمن الفوضى والإضطراب وضياع المسؤولية وتبعثر السلطات، يصبح هو صاحب المسؤولية وصاحب السلطة، لأنه يمثل صوت الشعب، وصوت الشعب يتعالى فوق سلطة الأمبراطور لأنه من صوت الله.

هكذا وقف مجلس الخمسمئة الفرنسي في وجه الأمبراطور نابوليون عندما توجّه مع بعض الضباط الى المجلس من دون أن تُوجَّه إليه الدعوة، فتصدّت له الجمعية العمومية صارخة ليخرج نابوليون، فتهيّب شرعية الصوت الشعبي وخرج.

إذا ظلّ المجلس النيابي عقاراً في ساحة النجمة سائباً لبعض الأباطرة الصغار. وإذا ظلّت البلاد رهينة لسلطة إستبدادية تمارسها طبقة سياسية متوارثة بالإحتلال والإحتيال.

وإذا ظل هذا الشعب مجرد شبحٍ بشري، مجرَّدٍ من أي دور وطني وسياسي وحقوقي وإنساني، ولا يقوم بانتفاضة ثائرة لتحقيق ما هو إصلاح حقيقي وتغيير، في معزل عن شعائر الكذب والتزوير.

إذاً… فتعالوا ننشد مع الشاعر أبو القاسم الشابي:

ضحكنا مِنَ الماضي البعيدِ وفي غدٍ ستجعلُنا الأيامُ أُضحوكةَ الآتي.