كتب أيمن عقيل في صحيفة “الأخبار”
لا يوجد جواب واضح لهذه الموافقة المفاجئة من حيث انقلابها على لازمة لم يملّ تيار المستقبل من تردادها، مفادها الربط «السببي» بين النسبية وسلاح المقاومة. هذا الربط المفتعل كان تدليساً على واقع عدم حاجة التيار إلى النسبية، لأنها تقلص من حصته النيابية الأكبر في لبنان.
معلوم أن النسبية في قوانين الانتخاب هي خيار الضعيف في كل الأحوال، وهي أيضاً خيار قوي بين أقوياء يفتقر إلى رغبة خوض المعارك القاسية والمفتوحة الاحتمالات. الأرجح أن الحريري ينتمي إلى المجموعة الثانية.
هل وصل جيش المستشارين عند الرئيس الحريري إلى خلاصة مفادها أن التآكل الشعبي الذي أصاب التيار الأزرق قد أوصله إلى النقطة الحرجة؟ في حال صحّ هذا الافتراض، فإن معنى ذلك أن لحظة «الانقلاب» قد حانت. معنى الانقلاب في هذا السياق هو أن القوة التجييرية للتيار اقتربت من نصف عدد المقترعين المتوقع، وهذا ما سيهدد حكماً رتابة اكتساحه للدوائر الانتخابية في حالة القانون الأكثري. قياساً على نتائج الانتخابات النيابية الماضية في دائرة طرابلس التي جرت في صيف الـ2009، سوف يكون وضع تيار المستقبل مأسوياً في حال تصور لعبه وحده في موازاة خصومه الكثر هذه الأيام. مقارنة مع نتائج حزب الله وحركة أمل في الانتخابات عينها في دائرة صور، على سبيل المثال، فإن الخاسر الأول بالكاد حصل على 10% من العتبة الانتخابية المطلوبة. على الهامش، لا جدال في أن النسبية سوف تجعل «الاكتساح» مستحيلاً على أيّ من القوى المسيحية، ما سيشجّع الطامحين على المبادرة إلى تدشين مساراتهم السياسية الخاصة بعيداً عن الأحزاب. نظرة سريعة على الأرقام، تؤكد أنه لن يكون غريباً أن تتشارك 3 لوائح على اقتسام نواب دائرة تتّسع لخمسة مقاعد نيابية. على المدى الطويل، سوف تفعل النسبية بخريطة توزع القوى السياسية في لبنان ما تفعله في أيّ بلد آخر، سوف تذرّرها. ديناميات النسبية ستخلق، وربما ستختلق، كثيراً من القوى والأحزاب الصغيرة. لا جدال في أن «صخرة» ثنائي حزب الله ــ أمل ستكون الضحية الأكثر تأخراً زمنياً لعوامل التعرية الناتجة من القانون الانتخابي «النسبي».
سيناريو خوض تيار المستقبل غمار الانتخابات النيابية التي طال انتظارها على القانون الأكثري تعني مغامرة محفوفة بالمخاطر في الشمال وعكار والبقاع على وجه الخصوص. ويبدو أن حسابات المفاضلة بين الحصص المستقبلية في حالة القانون الأكثري أو النسبي الحالي لم تفضِ إلى ترجيح واضح. ومع افتراض أن الحصص ستكون متقاربة في حالة اعتماد أيّ من القانونين، يبقى أن القانون النسبي يمنح الحريري حضوراً نيابياً على امتداد الخريطة «السنية» في لبنان، بينما يفتقر خصومه إلى هذه الميزة. بهذا المعنى، فإن كتلته ستكون سنية ــ وطنية، وكتلة أيّ من خصومه ستكون طرابلسية أو عكارية أو بقاعية وهكذا. لا يخفى أن ما يفعله الرئيس ميقاتي في بيروت هو جزء من محاولات جسر الهوة وإيجاد موطئ قدم خارج طرابلس. التصور أن الرجل سيرضى على المدى القريب بأن يكون قوياً في طرابلس وضعيفاً في بيروت.
النسبية تبقي الحريري في الشمال والبقاع ولا تشطبه من معادلاتهما، من أجل ذلك عليه أن يدفع ضريبة التقلص في بيروت وبعض الدوائر الأخرى. يبدو أن الرجل أقلع عن محاولات استعادة «مجد» الإرث المستقبلي الماضي، وهو قد باشر بالفعل اتخاذ خطوات للحدّ من الخسائر والخروج بأسلم السيناريوات الممكنة. هذا زمن القحط، وتلزمه إجراءات تقشّف سياسية قاسية. القبول بالنسبية هو أحد هذه الإجراءات.