كتبت رولا حداد
فقط في دولة كلبنان، يُقرّ قانون الانتخاب من دون أن يكون وزير الداخلية والبلديات شريكاً في صياغته بتفاصيل بنوده، وهو سيكون المسؤول الأول عن حسن تطبيقه!
فقط في دولة كلبنان يُقرّ قانون الانتخاب ووزير الداخلية يعترض في مجلس النواب وخارجه على بند البطاقة الممغنطة التي تم استعمالها ذريعة لتأجيل الانتخابات 11 شهراً لدواعي تقنية “ممغنطة”!
فقط في دولة كلبنان يحاول المسؤولون بعد ساعات من تأجيل الانتخابات لحوالى السنة بذريعة الحاجة إلى وقت لاستصدار البطاقات الممغنطة، أن يطيحوا ببند هذه البطاقات، لأنها أدّت المطلوب منها بتأجيل الانتخابات، ولأن مسرحية التأجيل الطويل انتهت، ولم يعد من لزوم للبطاقات!
فكرة البطاقات الممغنطة هي فكرة محمودة أولاً، ولكي لا يسيء البعض الظن. وهذه البطاقة، إذا ما أحسن استعمالها، يمكن أن تشكل أحد أهم الاصلاحات المطلوبة في الانتخابات النيابية، لأنها تعطي الحق للناخب في الاقتراع من حيث يشاء، وليس بالضرورة أن يقصد مكان سجل نفوسه ليقترع. ولو أرادوا فعلا تحقيق هذا الإصلاح لأمكن فتح باب الانتخابات بموجب هذه البطاقة من كل السفارات اللبنانية المنتشرة حول العالم.
لكن يمكن إدخال مسرحية البطاقات الممغنطة في كتاب “غينيس” للأرقام القياسية كأقصر مسرحية في التاريخ، كزمن عرض ومدة عرض، بحيث انتهى عرضها بعد أقل من ساعات على إقرارها.
ثمة أكثر من سبب للإطاحة بالبطاقات الممغنطة، والتي من المرجح أن يتم تعديل البند المتعلق فيها في القانون، سواء في مجلس النواب أو حتى بمرسوم من مجلس الوزراء كما أتاحها نص القانون، وخلافاً للمبدأ القانون العام الذي ينص على أن تعديل القانون يتم بقانون جديد وليس بمرسوم. ومن أهم الأسباب التي أدت إلى الإطاحة بالبطاقات الممغنطة:
ـ أولاً، إن البطاقة الممغنطة تمنع تأثير البيئات الاجتماعية والمذهبية والطائفية والسياسية، حيث توجد أقلام الاقتراع، على الناخبين. وبكلام أوضح ستسمح البطاقات الانتخابية نظريا لجميع معارضي الثنائي الشيعي من تفادي الذهاب الى صناديق الاقتراع في مناطق هيمنة هذا الثنائي، ويمكن للناخبين أن يقترعوا بموجبها في أي مركز اقتراع يختارونه، بعيداً عن أي تأثير أو ترهيب أو ترغيب.
ـ ثانياً، إن هذه البطاقات تلزم أن تعتمد إدارة الانتخابات على برنامج معلوماتية يكون متصلاً بشبكة الانترنت بين كل مراكز الاقتراع، معتمدا على مبدأ Real time online بحيث يتم معرفة كل مقترع لحظة بلحظة في كل المراكز، وذلك منعاً لأن يقترع أي اسم مرتين في حال حصور تزوير لا سمح الله، كونه بإمكان المقترع أن يقترع خارج مكان قيد نفوسه. ونظام المعلوماتية هذا يسمح باستصدار النتائج بعد ساعات قليلة من انتهاء الاقتراع، ويمنع أي إمكانية للتلاعب، وهو ما قد لا يعجب الكثيرين.
ـ ثالثاً، وفي المقابل، فإن اعتماد الإدارة الانتخابية على نظام معلوماتية متصل بالانترنت، يجعل بالإمكان نظريا خرق هذا النظام أو قرصنته، ما يعرّض كل آلية الانتخابات للطعن وللتشكيك، وهو ما ستكون الطبقة السياسية في غنى عنه بعد 9 سنوات من انقطاع الانتخابات النيابية.
ـ رابعاً، يجب تدريب الإدارة على هذه البطاقات وكيفية استعمالها من قبل الناخبين، إضافة الى الحذر من احتمال أن تتعرّض هذه البطاقات للتلف بفعل عوامل طبيعية أو نتيجة تعرّضها لذبذبات الهواتف المحمولة وما يمكن أن ينتج عن ذلك من إشكالات لا تُحصى.
بناءً على كل ما تقدّم يتّضح أن التوجّه العام سيكون اللجوء إلى إلغاء بند اعتماد البطاقات الممغنطة في أقرب فرصة ممكنة، وبذلك تكون هذه البطاقات أدّت الغرض الوحيد المطلوب منها، وهو أن تكون ذريعة لتمديد طويل الأمد تحت شعار تقني لمجلس النواب للمرة الثالثة، وكأنها مسرحية هزلية لا تنقص إلا أن تحمل خاتمتها عبارة “تعيشوا يا لبنانيين وتاكلوا غيرها”!