IMLebanon

هل كرّست التسوية حلف عون – الحريري؟

كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:

التسوية على قانون الانتخاب بين الفرقاء السياسيين اللبنانيين ثبتت وقائع سياسية، مهما كانت الثغرات التي اتصف بها المولود الجديد الذي ستبقى النتائج التي سيفرزها غير واضحة نظراً إلى التعقيدات التي تكتنف عملية تطبيقه، وليس لأنه يبتدع نظاماً مثالياً يبقي القول الفصل لصناديق الاقتراع في تحديد الفائزين والخاسرين. فالقانون مركب وليس مبسطاً بحيث تدخل جملة عوامل في احتساب التوقعات جراءه، خصوصاً أنه يمزج بين النسبية وبين التصويت الطائفي عبر الصوت التفضيلي في القضاء.

وفي اعتقاد أوساط سياسية أن القانون الأفضل هو الذي لا يحدد سلفاً من يربح كما درجت العادة عند اعتماد القوانين السابقة في العقود الماضية، لكن هذا لا ينطبق على القانون الحالي، كما وعد بعض من دعوا إلى تغيير قانون الستين الأكثري. فالنتائج يمكن تقديرها استناداً إلى القانون الجديد، لكن الغموض في ممارسة العملية الانتخابية واحتساب الأصوات يطغى على توخي الغموض في النتائـج. وهنـاك فرق بين المسألتين.

وأياً كانت التحليلات حول صورة البرلمان الذي سيولد في أيار من العام المقبل، فإن من المبكر، وفق العديد من القيادات رسم صورة للمرحلة السياسية المقبلة، نظراً إلى أن التحالفات في العملية الانتخابية قد تخضع للكثير من المتغيرات. وهو ما حدا برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى القول إن توقع الصورة السياسية الناجمة عن النظام الانتخابي الجديد منذ الآن يجافي الحقيقة.

وتسجل مصادر سياسية مجموعة من الاستنتاجات التي نجمت عن التسوية الأخيرة أهمها:

1- إنها كرست التحالف بين رئيس الجمهورية وبين رئيس الحكومة سعد الحريري، نظراً إلى التناغم الذي حصل بينهما في العديد من المحطات الصعبة التي مرت بها عملية البحث عن القانون، بحيث بات واضحاً أنه تحالف سينسحب على الانتخابات النيابية المقبلة. وفي وقت بقي العديد من القوى السياسية يتعامل مع الصفقة التي قامت بين «تيار المستقبل» وبين «التيار الوطني الحر» على رئاسة عون للجمهورية على أن هدفها كان ملء الفراغ الرئاسي، والتي سماها الحريري في حينه المخاطرة الكبرى لإنهاء أزمة الرئاسة، تقول مصادر مقربة من رئيس الحكومة إن فريقه لم يعقد تلك الصفقة ليختلف مع الرئيس عون في الانتخابات النيابية.

وتؤكد المصادر نفسها أن «المستقبل» سيتحالف مع «التيار الحر» في هذه الانتخابات. وعلى رغم الأنباء التي تحدثت عن أن الحريري أبدى انزعاجه في المرحلة الأخيرة من التفاوض على قانون الانتخاب، من توالد المطالب التي طرحها رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، فإن مصادر الحريري تقول إن ما أدى إلى حسم الأمر والتوقف عن تأخير التوافق على القانون هو اكتشاف الجميع أن الاستمرار في التفاوض والمناورة بات صعباً، لأن كابوس عدم إنجاز القانون (السقوط في الفراغ بعد اللعب على حافة الهاوية) سيجثم على صدر الجميع ويحول دون تحقيق الإنجاز المطلوب ويضر بالعهد.

وحول اعتداد العديد من الفرقاء بأنهم كانوا وراء إنجاز التسوية وبأن كثراً يدّعون أبوتها، ترى المصادر المقربة من الحريري أن هذا الأمر «بات الآن وراءنا. وهو شهدنا مثله حين جرى التوصل إلى اتفاق الدوحة. والآن علينا التطلع إلى الأمام».

وترد المصادر نفسها على انتقاد المعايير المختلفة في القانون، لا سيما في ما يخص اعتماد الصوت التفضيلي في القضاء في بعض الدوائر في وقت بقي في الدائرة المؤلفة من قضاءين في دوائر أخرى بالقول إن المبدأ هو اعتماد الصوت التفضيلي في «الدائرة الصغرى» كما جاء في نص القانون، ولم يتم اعتماد تعبير القضاء. والدوائر الصغرى هي تلك التي كانت قائمة في القانون القديم والتي يشمل بعضها قضاءين مثل بعلبك- الهرمل، البقاع الغربي- راشيا، ومرجعيون- حاصبيا. فهي عوملت في القوانين الانتخابية السابقة مثل القضاء في الدوائر التي قامت على قضاء واحد. ولم يتم استثناؤها في القانون الجديد.

الأبوة والتأخير

2- إن الدور الذي قام به نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان في التوصل إلى شبه إجماع على المبادئ الرئيسة للقانون، خلق مناخاً إيجابياً بينه وبين بعض القوى السياسية التي سهلت ولادته. فأوساط «القوات» تسجل لـ «حزب الله» أن صدقيته كان لها أثر إيجابي، على رغم الاختلاف السياسي مع الحزب. كما تسجل لرئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط «أداءه الممتاز» في التعاطي مع جهود التوافق، وتعتبر أن الحريري لعب دوراً تسهيلياً فائق الأهمية في مواقفه أثناء جهود إنجاز القانون، حتى اللحظة الأخيرة.

وتتجنب أوساط «القوات» إبداء الملاحظات المباشرة على المطالب التي طرحها الوزير باسيل وأخرت القانون، وتتجنب تسميته. لكنها تشير إلى أن التسوية كانت انتهت قبل 3 أسابيع، وأن هناك من سعى إلى اكتساب صفة أبوة القانون فانتهى الأمر بلعبه دوراً تأخيرياً لا أكثر، وبالسعي للحصول على مكاسب مؤجلة مثل الحصول على 6 مقاعد للمغتربين في دورة انتخابات عام 2022. وهذا أنشأ نمطاً من التعاطي السياسي يؤدي إلى تحويل مبدأ التوافق إلى مبدأ حق الفيتو. وهو أمر يعرقل التسوية.

وتترقب أوسط عدة مدى انعكاس التعاطي الإيجابي بين «القوات» وكل من «حزب الله»، جنبلاط، والحريري على العلاقة بين هذه الأطراف في الأشهر المقبلة، وبالتالي في التحالفات الانتخابية. لكنها ترصد أيضاً انعكاسات التمايز الذي ظهر مع باسيل، والذي يشمل تمايزاً في التعاطي مع ملفات حكومية عدة منها تلزيم استيلاد الكهرباء من البواخر، على العلاقة والتحالف الانتخابي، في ظل حديث «القوات» عن أنه قد يحصل في دوائر ولا يحصل في أخرى.

«حزب الله» والحسابات الإقليمية

3- إن كل الفرقاء أخذوا فرصة أشهر تمتد أو تقصر قبل موعد الانتخابات بعد 11 شهراً، كي يرتبوا أوضاعهم وتحالفاتهم، حيث الحسابات ليست محلية فقط بل إقليمية أيضا، خصوصاً بالنسبة إلى «حزب الله». فبالإضافة إلى الأسباب الداخلية للتمديد زهاء سنة، والتي تختلف بين فريق وآخر، تدخل الحسابات الخارجية عاملاً مهماً، ولو غير معلن في اتضاح صورة تكوين ميزان القوى الداخلي في البرلمان. وفي الانتظار حقق الثنائي الشيعي قدراً كبيراً مما يرمي إليه بقبول سائر الفرقاء اعتماد النسبية الكاملة في القانون. وهو ما كان يردده منذ البداية على رغم رفض حلفاء وخصوم له هذا الخيار تماماً مثلما حصل عندما أصر على رئاسة عون بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي. إلا أن أوساطاً معنية بالمداولات التي جرت لإنجاز التسوية على القانون تصر على القول إن الفرقاء الرئيسيين تصرفوا على وجوب المشاركة في ما بينهم بإنجاز الاتفاق وأن الهم المشترك تجنب الفراغ.

4- إن الخلاف بين الحريري وجنبلاط، بعد الاتفاق الذي كان قائماً بين الرجلين على السراء والضراء على رغم مروره سابقاً بهزات، والذي نجم هذه المرة عن التباعد في الخيارات في قانون الانتخاب، بقي من دون علاج، على رغم اتباع الجانبين التهدئة في التخاطب الإعلامي التي لا يلبث أن يخرقها تصريح من هنا أو من هناك، على رغم حرص رموز من الجانبين على إطفاء أي سجال. ولا تخفي أوساط «المستقبل» هنا أن لا جهود لرأب الصدع بين الرجلين بعد، وأنها تتمنى أن تحصل معالجة للخلاف، لكنها تعتبر أنه «لم يعد مقبولاً أن يعامل جنبلاط الحريري كما سبق أن تعامل معه في السنوات الـ15 الماضية»، في وقت ممنوع على من يرتاد بيت الحريري أن يتناول رئيس الحزب الاشتراكي بأي موقف». وتقول إن لا شيء نهائياً في العلاقة الثنائية وفق التجارب السابقة.

وفي المقابل، تكرر أوساط جنبلاط القول إنه حين أبدى إحدى الملاحظات عن «المفلسين الجدد» اعتبر أنه كان قاسياً فيها وأنه تراجع عنها حين قال إنه لم يكن يقصد الحريري. لكن هذه المصادر تبدي انزعاج جنبلاط من التنازلات التي قدمها الحريري في مداولات قانون الانتخاب ضارباً بعرض الحائط قوله إنه لن يقبل بقانون انتخاب لا يرضى عنه جنبلاط ويمس بمصالحه، فوافق على المشروع التأهيلي الطائفي الذي طرحه باسيل، ثم حاول إقناع فريق جنبلاط بالقبول أن يتولى رئاسة مجلس الشيوخ، حين طرحت الفكرة قبل أكثر من شهر، مسيحي لا درزي، في وقت تجنب جنبلاط طرح هذا الموضوع حتى لا يدخل في سجال حول رئاسته مع أحد. وهو تجنب أيضاً الانغماس في التداول الذي جرى لاحقاً في شأن تفاصيل قانون الانتخاب التي سئم من المناورات حولها وسلم أمر البحث فيها للفريق التقني والمعاونين تفادياً للبلبلة ولأي إشكالات. ومن هنا اتفاقه مع بري على التفاوض في شأن القانون باسمه.