كتب محمود زيات في صحيفة “الديار”:
هذه هي النسبية التي ارادها اقطاب السلطة واحزابها، لا غيرها ..نسبية نُسجت خيوطها بعناية فائقة، انسجاما مع خارطة جيوسياسية مليئة بالتعقيدات الحزبية والمؤثرات المناطقية، لكنها مغلفة بتوافق اجمع عليه اللاعبون المؤثرون في الانتخابات، توافق بين منه «التحالف الرباعي» الذي قام في انتخابات العام 2005.
واذا كنا نشهد «نقزات» سياسية من قانون الانتخاب، لبعض الاطراف السياسية، وبوادر خصومة سياسية من هنا، و«غرام انتخابي» من هناك، لكن اشهر التمديد التي مُرِّرَت على عجل في مادة واحدة في مجلس مجلس النواب التي خصصت لاقرار القانون.
في الشكل، وُلدت دائرة عاليه ـ الشوف، بمباركة جنبلاطية، لكنها تؤسس لحالة صراعية بدأت معالمها تظهر على السطح بين النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري، وهي قابلة للاحتدام اكثر، مع الاقتراب اكثر من موعد الانتخابات في ايار المقبل، ما لم يُصغ تحالف انتخابي يُرضي الطرفين.
هي الانتخابات التي ستجري وفق قانون اعطى «الحق» للاحزاب التي تمثل طوائفها، على حدّ مصادر متابعة، في ان تجمع «شملها» مع المقاعد النيابية للطائفة، بعد «هجرة قسرية» فرضتها وصايات وهيمنات انتجها الواقع السياسي الذي اعطى الغلبة للفريق المسلم على حساب مصالح المسيحيين وحقوقهم في المناصفة التي نص عليها الدستور، فالثنائي الماروني الممثل بالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ومعهم الاحزاب الاخرى، شعر بـ «الظلامة» جراء القوانين الانتخابية السابقة التي ارتكزت على النظام الاكثري، اكان في دوائر موسعة ام في دوائر صغرى، وفي الحالتين، فان الغلبة ليست عندهم، من هنا يأتي الرهان على النسبية المطعمة بتعديلات من شأنها ان تحقق المناصفة، بعد ان «تُحرِّرَ المقاعد النيابية المسيحية من تأثير الاكثرية العددية التي غالبا ما تكون لمصلحة الفريق المسلم، بشقيه السني والشيعي.
الواقع الانتخابي السائد في منطقة الشوف التي تشكل مع منطقة عاليه دائرة انتخابية واحدة، يؤشر لحماوة سياسية ستشهدها المنطقة بين «تيار المستقبل» الذي يحظى بنفوذ انتخابي فيها، وبين الحزب التقدمي الاشتراكي، على مدى الاشهر المقبلة التي تسبق موعد الانتخابات في ايار المقبل، وان ما يعزز هذا الاعتقاد، الاصطدام السياسي الحاصل بين الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، على خلفية الاعداد للقانون الجديد، بطريقة شكلت «نقزة» جنبلاطية، ويشير مطلعون الى ان اجواء «تيار المستقبل» بدأت تتحدث عن ان لا مصلحة للتيار بوضع بيضاته في السلة الجنبلاطية داخل مناطق نفوذه الانتخابي والشعبي، وبخاصة في اقليم الخروب، كافة القوى تسعى الى اضعاف الآخر، وبخاصة الاقوياء، فمن «حق» التيار خوض الانتخابات على مقاعد الطائفة السنية، وان ازعج الامر قوى سياسية اخرى استأثرت بهذه المقاعد بفضل «النعمة» التي اغدقها عليهم «قانون غازي كنعان» الاكثري، وقانون صفقة الدوحة «الستيني».
يجزم المطلعون ان القانون الجديد للانتخابات سيزيد من التوترات القائمة بين الاطراف السياسية، فدائرة عاليه ـ الشوف، فيها ما يكفي لتفجير صراعات واشعال تجاذبات بين القوى الاكثر تأثير على الناخبين، والعلاقة بين الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر لم تخرج بعد من غرفة العناية الفائقة، فيما بقيت العلاقة بين الاشتراكيين والقوات اللبنانية «ماشية بين السطور»، وعلى ضفة اخرى، فان حالة حرجة من العلاقات بين جنبلاط والحريري فجرتها الصيغة التي وُضعت في قانون الانتخاب ما تزال تطغى على اطلال تحالف «الايام الخوالي».
تمتد الخارطة السياسية للقوى النافذة في انتخابات دائرة عاليه الشوف، من قوى سياسية وحزبية الى زعامات تقليدية، ويبرز من القوى صاحبة النفوذ السياسي والانتخابي الحزب التقدمي الاشتراكي، التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، الحرب الديموقراطي اللبناني، حركة «امل»، «حزب الله»، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب الكتائب، الحزب الشيوعي اللبناني، حزب الوطنيين الاحرار وحزب التوحيد العربي.
في الدائرة التي تحظى بمروحة واسعة من القوى والاحزاب المؤثرة، وما تحمله من صراعات وحسابات لا تخلو من التعقيد، لم يعد طرف ما هو «الآمر الناهي» في تشكيل اللوائح، والقانون الانتخابي الجديد اسقط كل «المحرمات» على حدّ قول المصادر واطاح بـ«الخطوط الحمر» التي لم يكن مسموح من قبل «الدق» فيها، الان، ومع القانون الجديد «الدق» بات متاحا…لا بل مباحا، بعد ان اصبح اللاعبون كثرا. يبقى الخوف الجنبلاطي من انتخابات عاليه ـ الشوف، ظهور تسونامي ماروني ـ سني يتحكم بمسار الانتخابات، يكون ثمرة مناكفات جرت بين التيارين الازرق والبرتقالي، استهدفت جنبلاط سياسيا وانتخابيا، لكن الامور تبقى مرهونة بتطور العلاقات بين الاطراف، وثمة من يرى ان الوقت المتاح كفيل بترطيب الاجواء وتطبيع العلاقات السياسية والانتخابية، بما يحفظ للجميع تمثيلا نيابيا مرضى عنه، وقد يتطلب الامر تقديم جرعة من «الذكاء» الجنبلاطي الذي يُترجم عادة بـ «التفافة» هي اقرب الى «التكويعة»، التي ستٌجنبه بالتأكيد من الخوض في مغامرة غير محسومة النتائج.
وفي بعض الصالونات السياسية ثمة من يؤكد على ان الثابتة الوحيدة لدى جنبلاط في ملف تحالفاته، ما زال يمثلها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يسبق ان قام بخطوة في ملف قانون الانتخاب شكلت «نقَّزة» سياسية وانتخابية لجنبلاط، لا بل كان الحاضن الوحيد له… وهذا لا ينفي ارتياح جنبلاط للعلاقة الهادئة مع «حزب الله»، في زمن انهيار «جبهة الحلفاء» واشتداد سياسات الحصار واستهداف الحجم السياسي والنيابي لجنبلاط، الذي لن يكون «يتيما» في معركة تكثر فيها الرؤوس الحامية.