كتب سيمون أبو فاضل في صحيفة “الديار”:
“مع اقتراب الجيش السوري وحلفائه بمن فيهم حزب الله من الاطباق على الحدود العراقية -السورية بملاقاتهم الجيش العراقي والحشد الشعبي، وتأمين الشريان للواقع الديموغرافي لاستكمال الهلال الشيعي ، يبدأ العد العكسي للقضاء على المنطقة التي تتواجد فيها كل من «النصرة» و«جيش الاسلام» وتنظيم «داعش» والتي تمتد من الحدود الشمالية -الشرقية للبنان حتى الداخل السوري، وتضم نحو 800 عنصر من داعش ، 700 من جبهة النصرة ونحو 300 من «سرايا الشام».
اذ عمدت القوات السورية وحزب الله الى تعزيز الحزام العسكري -الشعبي الذي حققاه على طول الحدود اللبنانية الشرقية حتى تخوم مدينة حمص ومنها نزولا نحو اللاذقية ومكن هذا المحور الخلفية الامنية للعاصمة دمشق بحيث شكلت عملياته سيطرة على كامل المساحة التي تفصل بينها وبين حدود هذه البقعة، من اجل وقف محاولات قطع الطرقات الموصلة الى العاصمة ومنع اي تهديد من قبل المجموعات المتواجدة.
وكان الجيش اللبناني عمد الى التضييق على المسلحين وقطع لهم طرق التهريب وحيازتهم على إمدادات متعددة، بحيث بات هؤلاء في واقع صعب اثر اجراءات حادة اقدم عليها كل من الجيش السوري وحزب الله في الجبهات المباشرة معهم.
ويندرج هجوم «داعش» على «جبهة النصرة» الذي كبد تنظيم الدولة نحو 50 قتيل أقله ليعطي دلالة واضحة في القراءات الامنية بان أمير «داعش» ابو السوس بات في واقع صعب واراد السيطرة على مواقع النصرة ذات الجغرافية الحيوية لتواجدها المتاخم للمخيم الذي يقع في منطقة ما بعد الجيش اللبناني لجهة الجرود ،وذلك لفك العزلة ، خصوصا ان الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية ضبطت تسريب الأموال اليهم ،اذ يضم المخيم نحو 11الف نازح سوري ومن الممكن ان يشكل ملاذا لإرهابيي «داعش» اذا ما ارادوا الهرب ،خصوصا بعد انسداد المسارب التي كانت تسهل الخروج او الدخول الى مناطقهم من الجانب السوري
ولذلك فان التوقيت لفتح معركة الجرود يعود لتحالف الممانعة ،فحزب الله يريد إنهاء هذا الواقع الإرهابي المتاخم لتواجده والجيش السوري يتجه لاستكمال السيطرة على أراضيه.
اذا قرار معركة فتح عرسال لن يكون لدى الجانب اللبناني ، ورئيس الجمهورية ميشال عون الذي طالما طالب بدخول الجيش اللبناني الى الجرود لإنهاء الامر الشاذ، لم يقارب هذا الواقع مجددا من موقعه كرئيس اعلى للقوات المسلحة كما يعتبر كل من وزير الدفاع وقائد الجيش من فريق عمله المباشر لكونه اختارهما مباشرة.
ويعود ذلك وفق القراءات الامنية ذاتها، لكون الجيش اللبناني يدرس كلفة هذه المعركة لان هذا الواقع قد تنتهي مع الوقت بكلفة اقل ،اذ حتى الان التحق 162 عنصراً من «سرايا الشام» بالجيش النظامي وفق تفاهمات من شأنها ربما ان تشجع لالتحاق اخرين من الفريق ذاته او «النصرة»، فيما داعش لا تسوية معه ولا يمكن عقد اي تفاهم معها ومن غير الممكن توفر مخارج ولذلك قد تكون المواجهة مرتقبة مع أفرادها، لان ما يطبق على «النصرة» او «سرايا الشام» لناحية التبادل الممكن او المحتمل اذا كان لا بد منه لاستكمال عدة اتقافات سابقة فهذا الامر لا يصح مع «داعش» لا سيما بعد التحالف بين الرئيس. دونالد ترامب والملك سلمان بن عبد العزيز.
وما جعل الجانب اللبناني مطمئنا سياسيا وعسكريا الى ان واقع الجرود لم يعد يشكل خطرا متناميا دون ان يعني ذلك تراجع جهوزية الجيش اللبناني، هو ان من كبير الارهابيين لم يبق سوى امير «داعش» ابو السوس وامير جبهة النصرة ابو مالك التلي بعد مقتل الآخرين، ولم يعد في صفوف هذه المجموعات قيادات تصنف صفاً ثانياً او ثالثاً، عدا ان اهالي عرسال قد تعبوا من ممارسات الارهابيين الذين اغتالوا ابناء البلدة لمجرد التشكيك في احدهم.
هذا المشهد هو الذي يجعل الجانب اللبناني في حالة ملاقاة الحرب على هؤلاء بدلا من المبادرة للانقضاض عليهم في مرحلة الوهن الذي اصابهم.
ثم ان تريث لبنان في إطلاق معركة عسكرية لتحرير جرود عرسال حتى لا يكون المباشر لزج ذاته في حرب المحاور في ظل التواصلات الخفية للمجموعات المتواجدة في تلك المنطقة مع المحاور الإقليمية ولعدم تعكير الساحة الداخلية وإعادة احياء المشاعر السنية المتضامنة ، هو الامر ذاته اعتمد مع قيادات حركة «حماس» التي التقت مدير الامن العام اللواء عباس ابراهيم المكلف الملف الفلسطيني ،وسمعت منه تضامن لبنان مع القضية الفلسطينية ،وكذلك سمعت عدم قدرة لبنان على تحوله مقرا لقيادت «حماس».
ففي ظل الموقف السعودي من هذه المنظمة والخلافات العربية ، ليس من مصلحة لبنان ان يحتضن حركة تصنفها واشنطن ارهابية وهو كلام يعرفه من لقاءاته الامنية الأميركية ومدى النظرة اليه ،ولذلك من غير الممكن التهاون في هذه الخطوة التي لا يتحملها لبنان”.