كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”:
كلّ القوى السياسية مرّت بقطوع ما قبل القانون الانتخابي، وشظايا التباينات حول الطروحات والصيغ الانتخابية أصابَت علاقات هذه القوى وألحقَت بها أضراراً وندوباً من الصعب إزالة آثارها بسهولة، وفسوخاً بعضُها من النوع الذي لا يضيق أو يُلحَم.
يعني ذلك أنّ الخريطة السياسية تعاني ارتجاجاً واضحاً في مفاصلها، وبمعنى أصحّ تعاني نوعاً من التجاعيد السياسية، التي لا تقدر كلّ مساحيق التجميل أن تخفيَها.
وإذا ما استثنينا العلاقة الاستثنائية بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل التي تمرّ منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية وحتى الآن، بشهر عسل مفتوح، فإنّ القوى الأخرى يقف كلّ منها خلف متراس في مواجهة الآخر.
كما هو حال “تيار المستقبل” و”حزب الله” اللذين يتعايشان معاً بحكم الضرورة السياسية والحكومية وملتزمان بعدم التأزيم، وأيضاً حال المستقبل مع حزب الكتائب والقطيعة المستجدّة بينهما، وكذلك حال المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي اللذين تَحكمهما حالياً علاقة متأزّمة رَفعت نبرة التخاطب بينهما الى مستوى هجومي غير مسبوق، وها هي الأمور بدأت تتراجع نحو التهدئة، ويلعب الرئيس نبيه بري دوراً مهمّاً في هذا السياق، واقترَب من تحقيق إيجابيات جدّية وخلال مدى غير بعيد.
لكنّ الملاحظة الأساس هنا، هي أنّ التيار الوطني الحر برئاسة باسيل يشكّل نقطة التماس والمواجهة مع غالبية القوى السياسية، أي إنه يقف عملياً على جبهات مفتوحة، حيث تظهر خريطة علاقاته:
أوّلاً، قطيعة مع تيار المردة، واشتباك اندلعَ منذ الانتخابات الرئاسية وما زال هذا الاشتباك مشتعلاً.
ثانياً، قطيعة واشتباك مع حزب الكتائب منذ مرحلة تشكيل حكومة العهد الأولى برئاسة سعد الحريري.
ثالثاً، قطيعة واشتباك مع سائر القيادات السياسية والعائلات والشخصيات المسيحية التي وضعتها طروحات باسيل على منصّة الإلغاء والتهميش والإقصاء من الحياة السياسية بالكامل.
رابعاً، إشتباك دائم مع الكوادر والناشطين السابقين الذين أبعدَتهم القيادة الجديدة للتيار، وهذا الاشتباك مرشّح إلى مزيد من التفاعل في الآتي من الأيام، في ظلّ التحضيرات التي يعدّ لها هؤلاء لخوض الانتخابات النيابية على اساس القانون الجديد، في اتّجاهين، الأوّل الترشيح مباشرةً وإعداد لوائح ليس ضدّ التيار الوطني الحر بل ضدّ من سمّوهم «المرشحين المرتزقة وضد “المصلحجية” الذي تسلّقوا على ظهر التيار منذ 12 سنة وجعلوه جسراً لمصالحهم”. والثاني خوض المعركة بالصوت التفضيلي ومحاولة توجيهه ضمن لوائح “التيار”.
خامساً، إهتزاز إعلان النوايا بين التيار الوطني الحر برئاسة باسيل و”القوات اللبنانية”، جرّاء الأداء الذي اعتمدته قيادة “التيار” خلال معركة القانون، وجرى التعبير عن ذلك في المجالس المغلقة وكذلك في أكثر من محطة علنية.
سادساً، إهتزاز جدّي في التفاهم المعقود بين التيار الوطني الحر و”حزب الله”، حيث حَكمت الطرفين نظرةٌ مختلفة جذرياً إلى كثير من الأمور والطروحات السياسية، انعكسَ احتقاناً في جمهور الطرفين.
وهذا المناخ السلبي القائم لا يبدو أنّ المآدب الرمضانية وما شابَهها، قد بدّدته، خصوصاً أنّ المناخ السلبي الذي زرع في الجانب الشيعي من تفاهم مار مخايل، أوجَد ندوباً على مستوى الكادرات والكوادر لم تتمّ معالجتها جدّياً حتى الآن، وتحتاج إلى كثير من الجهد.
سابعاً، مزيد من الاهتزاز في العلاقة بين التيار الحر ووليد جنبلاط، جرّاء الطروحات التي بدت أنّها تستهدفه شخصياً. قد يبدو باب العلاقة موصَداً، إنّما هناك من يؤكّد أنّ بعض المنافذ ما زالت مفتوحة فيها ويعوّل عليها.
ثامناً، إهتزاز العلاقة مع الرئيس نبيه بري وحركة “أمل”. والتقاء الرئيسين عون وبري أوقف هذا الاهتزاز، قد يبدو ذلك أنّ العلاقة بين التيار وبري ومِن خلفِه أمل، تُحقن بمسكّنات فيما هي تحتاج إلى إعادة تقييم من جديد.
خريطة الجبهات المفتوحة هذه، تضع التيار الحر برئاسة باسيل على مفترق اختيار أيّ طريق سيَسلك، فهل يختار المضيَّ في طريق الجبهات المفتوحة والمواجهة والاشتباك مع الكلّ تقريباً، ولهذا الطريق خسائرُه التي لا يمكن أن تعوَّض، أو يختار العودةَ إلى التواضع والذهابَ إلى قراءة واقعية وهادئة لكلّ الوقائع تقيّم العلاقات وتجري مراجعة صريحة ونقدية للأداء بعيداً عن الطموحات، والشعارات الكبرى التي طرحت وسقطت في معركة القانون، لعلّ ذلك يؤدي إلى الاستفادة من الأخطاء التي ارتُكِبت… وما كان أكثرَها!