كتبت ربي منذر في صحيفة “الجمهورية”:
محمد بدرالدين الكرنبي الملقّب بـ«أبو بدر»، إسمٌ شغلَ المخابرات والأجهزة الأمنية، خصوصاً أنه لم يكن هناك أيُّ صورٍ أو معلومات عنه، إلّا حقيقة أنّه مفخِّخ غالبية السيارات التي كانت تُستخدم في العمليات الإرهابية في الفترة الماضية. ومنذ يومين، أوقِفَ سائق «فان» أجرة للاشتباه بمشاركته في معارك عرسال، لتكون المفاجأة بأنه الكرنبي بذاته، والذي كشفَ الجزء الذي كان محجوباً عن حقيقة هذه العمليات، إضافةً إلى أدوار عدّةِ أشخاصٍ ضالعين فيها… صيدٌ ثمين في جعبة المخابرات، تنشر «الجمهورية» تفاصيلَ توقيفه واعترافاته كلّها.ورَد إسم الكرنبي (مواليد الـ1989- عرسال) في أكثر من تحقيق واعتراف لمجموعات إرهابية، وكان مطلوباً من دون أن تكون هناك معلومات عنه غير اسمِه، ولا حتى أيّ صورة له.
ومنذ ليلتين أوقِفَ شخص على أساس أنّه يعمل كسائق «فان» أجرة على خط بيروت – البقاع للاشتباه بأنه شارَك في معارك عرسال ضد الجيش نتيجة معلومات توافرَت للأجهزة الأمنية، وتبيّن لاحقاً أنّه الكرنبي، والمفاجأة كانت إدلاؤه بمعلومات خطيرة أثناء التحقيق بيّنت أنّه كان صيداً ثميناً للمخابرات، وإضاءتُه على عمليات إرهابية حصَلت في الفترة الماضية، وكان جانبٌ منها لا يزال غامضاً.
«سيرته» الإرهابية
بدأ الكرنبي نشاطَه الإرهابي عام 2012 والتحقَ بمجموعة مسلّحة مؤلّفة من 20 لبنانياً وعددٍ من السوريين، كانت قد تَشكّلت في جرود عرسال وأخَذت من جرود الرهوة مقرّاً لها، وكان هدفها مساندة الثورة السورية في بداياتها، والعمل على مواجهة الجيش السوري النظامي في الداخل السوري، من خلال دخولها إلى سوريا وتنفيذ عمليات معيّنة، لتعود بعدها إلى مركزها في لبنان.
بعد ذلك بفترة بدأ العمل مع شخص يدعى «أبو عبدالله العراقي»، وهو ضابط عراقي سابق، انتقلَ إلى جرود عرسال مع انطلاق الثورة السورية ومكثَ في لبنان بعدما أنشأ مجموعة كانت تنفّذ عمليات إرهابية، وكان يؤمّن الانتحاريين ويؤمّن لهم الطريقَ الى الداخل اللبناني لتفجير أنفسِهم.
التعاون مع الكرنبي في البداية كان من خلال تكليفه من قبَل «أبو عبدالله» على اعتبار أنّه يعمل على الخط بين بيروت والبقاع، بالذهاب إلى مطار بيروت ونقلِ الانتحاريين الى عرسال ومنها إلى سوريا مقابل بدل مادي، ولم يكن آنذاك يَعلم بأنّ من يَنقلهم هم إرهابيون.
واكتشفَ الحقيقة…
أمّا النقلة النوعية فكانت مع تفجير الرويس في الضاحية الجنوبية عام 2013، حين اكتشَف الكرنبي حقيقة ما كان يَحصل، وبأنّ الانتحاري الذي فجّر نفسَه كان قد نَقله هو بنفسه وسَلّمه لـ«أبو عبدالله»، ليتعرّف بعدها إلى سامح سلطان في عرسال، المعروف بـ«سامح الربيدي» الذي قُتل بعملية نوعية نفّذها الجيش في جرود البلدة، فتوطّدت علاقتهما وانتقل عندها الى مرحلة جديدة من العمل الإرهابي هي تفخيخ السيارات.
عام 2013 وبعدما ضُربت مجموعته، التحقَ بمجموعة «أبو جعفر القسطلاني» الذي كلّفَه بمهمة إطلاق الصواريخ في اتّجاه الهرمل واللبوة.
وبعد معارك يبرود، انتقلَ «أبو عبدالله»، الذي تشير المعلومات الى أنّه شغلَ لفترة منصبَ أمير «داعش» في القلمون، الى منطقة يبرود بعد سقوط القصير، ومن هناك تَعزّز التعاون بينه وبين الكرنبي والبريدي، وبدأوا يعملون في تفخيخ السيارات وإرسالها الى الداخل اللبناني.
تفخيخ سيارات شرعية
البارز في هذا الموضوع كان اكتشاف أنّ قسماً كبيراً من السيارات المفخخة كان يتمّ شراؤه بطريقة شرعية، سواء من الداخل اللبناني أو السوري، وهي كانت مهمّة الكرنبي في البداية قبل أن يتعلّم التفخيخ، فكان يشتريها ويسلّمها لـ«أبو عبدالله» الذي كان يفخّخها ويسلّمها بدوره للإنتحاريين، حيث كان مقرّه بحسب إعترافات الكرنبي، يضمّ عشرات الإنتحاريين الجاهزين لتنفيذ العمليات.
في التحقيقات، اعترَف الكرنبي بالمعلومات الآتية:
- إستلمَ سيارة «جيب شيروكي» زيتية اللون اشتراها سامي الأطرش، الملقّب بـ«الباروخ»، ونَقلها إلى عرسال ثمّ الى جرود الرهوة حيث تمّ تفخيخها تحت إشراف «أبو عبدالله»، ثمّ أعادها الى عرسال وسُلّمت الى انتحاري فجّرها في الهرمل قرب محطة الأيتام.
- العملية الثانية كانت في سيارة «جيب شيروكي»، اشتراها الأطرش ونَقلها الكرنبي الى عرسال، وفُخّخت ثمّ أُعيدت الى بيروت، لكن الجيش ضبَطها قرب إشارة المريجة في الضاحية الجنوبية قبل تفجيرها.
- الثالثة كانت سيارة «كيا بيكانتو» أحضِرت من سوريا واستعملها الكرنبي في الفترة الأولى مع أشخاص من مجموعته في تنقّلاتهم قبل تفخيخها وتفجيرها عند حاجز الجيش في وادي عطا.
- الرابعة كانت سيارة «جيب لاند روفر» فضّية اللون، شارَك الكرنبي بشرائها مع أشخاص من عائلته، وأثناء نقلِها من قبَل أحمد الأطرش الملقّب بـ«نسر عرسال» في منطقة وعرة في جرود الهرمل، تعرّضَ لكمين من «حزب الله» حيث ضُربت السيارة بصاروخ موجّه، ما أدّى إلى تدميرها وإصابة الأطرش في وجهه ومقتل سوري كان معه، وبحسب المعلومات أنّ السيارة كانت متّجهة الى الهرمل لتفجيرها في الداخل اللبناني.
الإعتراف الأخطر
أمّا أبرز وأخطر الاعترافات، فكانت كشفُه عن عملية ضخمة كانت ستُنفّذ في إحدى مناطق بيروت من خلال سيارة «مرسيدس 500» اشتراها «أبو عبدالله» من سوريا ونَقلها إلى لبنان، حيث جُهّزت بكمّية كبيرة من المتفجّرات، إلّا أنّ عطلاً أصابَها أثناء وجودها في عرسال، ما أدّى الى فشلِ المهمّة بعناية إلهية، إذ إنّها كانت ستُسقِط عدداً كبيراً من الضحايا.
إلى ذلك، أعطى الكرنبي معلومات حول تفخيخه ومشاركته بتفجير عدد من السيارات في الداخل السوري، وبحسب اعترافاته، أنّ البريدي وسامي الأطرش كانا من يحدّدان الأهداف سواء في لبنان أو في سوريا، كما كشفَ أنّ مجموعته بايَعت «داعش» بشخص «أبو عبدالله» الذي نصّبَ نفسه أميراً للمجموعة.
عن عملية عرسال
وفي التحقيق الأوّلي معه، تبيّن أنّ الشك الذي أوقِفَ على أساسه صحيح، إذ إنّه شارَك في عملية عرسال في آب الـ2014 مع مجموعة تابعة لعماد جمعة، وتجمّعوا في منزل ابراهيم الأطرش لينطلقوا بعد استلامهم السلاح، وكانت مهمتهم السيطرة على مراكز الجيش في وادي الحصن، فدخلوا من خلال مجموعتين: الأولى كانت بقيادة الأطرش والثانية بقيادة «أبو حسن الفلسطيني»، وسيطروا على الموقع وأخذوا الأسلحة والذخائر التي كانت فيه ثم توجّهوا الى الجرد. وبعد الهجوم، حسب ما كشَف، عاد الأطرش مع مجموعة من المسلحين الى عرسال.
هذه المعلومات هي من التحقيق الأوّلي وسيكون هناك توسّع فيه لكشفِ المزيد من المعطيات التي ستضيء على خفايا عدد كبير من عمليات حصلت في الفترة الماضية والطريقة التي كانت مُعتمدة فيها، إذ تبيّن أنّ لدى الكرنبي معلومات دقيقة ومفصّلة، وسيُحال بعدها الى القضاء المختص ليُحاكم.
وتكمن أهمّية الكرنبي في أنه استطاع حجبَ هويتِه لفترة طويلة الى حين اوقِف لجرمٍ آخر… وما سيحصل في المرحلة المقبلة هو مواجهة بينه وبين سامي الأطرش، الموقوف لدى مديرية المخابرات، ومقاطعة إعترافاتهما، وبذلك تكون قد اكتملت صورة الأحداث الماضية.