كتبت ابتسام شديد في صحيفة “الديار”:
لم يعد من سبيل امام رئيس حزب الكتائب الا المعارضة بعدما سدت في وجهه كل المنافذ منذ امتناعه عن انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية والذهاب بعيداً بمعارضة هذا الانتخاب واظهار نفسه كأنه رأس الحربة في الجلسة التي حمل بها النواب ميشال عون الى الرئاسة الاولى، وزاد من حدة ذلك اخراج حزب الكتائب من الحكومة وقناعته بان لا نصيب لاي كتائبي في حركة التعيينات الشاملة التي تنتظرها الدولة على غير مستوى، ولذلك فان الجميل يفتش عن وظيفة له تؤمن استمراره في المعترك السياسي بوجه مختلف يؤكد تمايزه، ليشكل حيثية مسيحية في مواجهة الثنائية المسيحية.
وهذه المعارضة يخوضها باعتباره رئيساً لحزب لا يزال له حيثيته الشعبية متكئاً على تاريخ طويل وعريض في العمل السياسي. تقول مصادر مسيحية، والجميل يعرف انه يواجه مارداً مسيحياً وان لا مكان له في اتفاق معراب وان ما كان له في السابق لم يعد متاحاً اليوم، بعدما نسف الجسور مع طرفي التفاهم، فلم يتبق له في الوسط المسيحي سوى خيارات محدودة مع قوى ليس لها تأثير طاغ على الأرض. فتيار المردة على رغم انه يتقاسم الضرر من وجود عون على رأس الجمهورية مع حزب الكتائب فانه لا يماشي الجميل في جنوحه الاقصى نحو المعارضة المتطرفة. وتسأل المصادر، هل يكفي ان ينسج علاقات مع زعامات تقليدية في جبل لبنان والشمال والبقاع كي يعدل ما اختل من توازن؟ واذا كانت مجالات التعاون واردة مع المجتمع المدني فهل هناك آلية تسمح بعقد تحالف معها ؟ وهل يمكن التوصل الى برنامج مشترك يوازن بين ثوابت الكتائب ومتحركات هيئات هذا المجتمع خصوصاً في العديد من الشؤون والمجالات الاجتماعية والحقوقية؟
لا شك ان قانون الانتخاب الجديد الذي انتقده الجميل شكل له ما يشبه طوق النجاة تضيف المصادر فلو كانت الانتخابات المقبلة ستجري على قاعدة الاكثرية فقد يمنى الجميل بخسارة كبيرة حتى يقال انه كان ثمة صعوبة امامه للاحتفاظ بمقعده في المتن اما وفق هذا القانون النسبي فان الكتائب ستحظى بمقعدين او ثلاثة، ومن هنا فان الجميل لا يجد في يده سلاحاً أفعل من سلاح التصويب على السلطة وانتقادها بعنف والتقاط ادنى الثغرات ليبني عليها حضوره السياسي والشعبي.
وفي هذا السياق يقول كتائبيون سابقون ان الجميل يقرأ في كتاب جده بيار الجميل عندما كان يصدح بصوت معترض في اوائل الخمسينيات والاربعينات من القرن الماضي ولكن تلك الظروف تختلف عن اليوم، فبيار الجميل الجد لم يكن في اولوياته الحصول على مقاعد نيابية او وزارية بل كان همه ان يتجه الى الشباب ويراكم حيثية شعبية منهم ومعظم المنتمين الى الحزب كانوا من دون السن القانونية التي تخولهم الانتخاب لكنهم كانوا الذخيرة الاستراتيجية التي بفضلها اصبحت الكتائب اقوى الاحزاب اطلاقاً، فجماعة «الشورت» حكمت لبنان وكانت القوة الأبرز في المجتمع المسيحي فهل ينحو سامي الجميل الى هذه الخطوة، وهل ان الجميل قرأ صحيحاً في الوقت الخطأ ام قرأ خطأ في الوقت الصحيح، وهل في امكان الكتائب في هذه المرحلة الدقيقة ان تحقق اختراق ام تبقى حقل تجارب لخيارات رئيسها؟ لكن الحقيقة وما يجمع عليه الجميع هو دينامية النائب الجميل الذي لا يكف عن الحراك وملاحقة ادنى التفاصيل مما يشكل ازعاجاً حقيقياً للطبقة السياسية الحاكمة لكن عليه ان يجيد الفرملة في الساعة الضرورية واطلاق العنان عندما يكون هذا الأمر متاحاً بيسر.
الامور في حزب «الله والوطن والعائلة» تسير اليوم عكس تيار الامس، بحسب المصادر المسيحية، لم ينس كثيرون مشهد آخر احتفالات 14 آذار عندما أدار سعد الحريري ظهره لحكيم معراب وأمسك بيد «سامي الجميل» فيومها كان الحكيم يعد للتسوية ولطي صفحة الماضي مع ميشال عون حتى لا يقال الانقلاب على 14 آذار قبل ان تتبدل الأمور وتنقلب رأساً على عقب ليعود الحريري وجعجع اللذين مشيا بالتسوية السياسية نفسها اقرب الى حالة الأمس مما ابقى الكتائب خارج المشهد سواء بين الحليفين السابقين اوفي علاقة الكتائب غير المنضبطة مع العهد الجديد.
تعزو المصادر ما يحصل في الكتائب الى تفاهم الثنائية المسيحية من جهة، والى شخصية رئيس الحزب سامي الجميل ووثباته السريعة التي تختلف عن استراتجيات الرئيس أمين الجميل الذي كان قادراً على تدوير الزوايا ويعتمد سياسة الصبر والتروي وان كان لا يحيد عن ثوابت كتائبية ومسيحية، «نفس» رئيس حزب الكتائب سامي الجميل لا يشبه نفس او مسار والده الرئيس امين الجميل، فالحزب بات يخطو مع سامي الجميل خطوات بعضها جريئة وبعضها عشوائية ترتد سلباً احياناً على مسيرة الحزب السياسية فالحزب يبدو خارج الصورة المسيحية لمشهدية التيار الوطني الحر ومعراب وبعيداً مساحات شاسعة عن قصر بعبدا. عبثاً يحاول سامي الجميل تحقيق اختراقات في السياسة وتسجيل اهداف في مرمى الثنائية المسيحية وان كان ينجح في كسب بعض الجماهيرية المسيحية عندما يشاكس في البرلمان وعندما يرتدي «رنجر» الكتائب الحزبي ويتأهب للنزول الى الشارع والوقوف في صف من تبقى في المعارضة والى جانب الحراك المدني.
واكدت المصادر انه يمكن القول ان الكتائب بقيت خارج نادي او تحالف الاقوياء مسيحياً منذ تفاهم معراب، وعليه فان الجميل يكثف او يضاعف حركته السياسية مشاكساً معارضاً تماما كما حصل في جلسة القانون الانتخابي التي عكست احتقان القلوب مع رئيس تيار المستقبل وبالامس عندما تم استثناء الكتائب من طاولة بعبدا، على ابواب التحضير للمعركة الانتخابية رئيس الحزب يحاول مد جسور مختلفة على الساحة المسيحية قد لا تستثني 8 آذار وقد تفاجىء آخرين، يتحسس النائب الجميل بان تقارب التيار الوطني الحر والقوات مع كل شوائبه في الانتخابات البلدية سوف يتكرر في الانتخابات النيابية، وبالتالي لا بد من البحث عن سبل لاختراق تلك الحالة المسيحية او ربما البحث عن شركاء او حلفاء جدد في المناطق المسيحية خصوصاً وان لا مشكلة لدى الكتائب مع الفريق الآخر في الوطن.
والحزب يحاول ان «يلعب» مجدداً على الساحة المسيحية على وتر المعارضة والمشاكسة. النائب سامي الجميل معروف بطبعه الثوري والشبابي انتقل الى صفوف المعارضة وبات يحمل لواءها وهو يحاول تعويم الكتائب مسيحياً وتمرير الصدمات الحزبية وفق المعادلة الراهنة «الامر لي كتائبياً»، تقول المصادر، ويعمل على اللعب على تناقضات التفاهم المسيحي، والجميل الذي وجد نفسه ذات ليلة كانونية خارج تفاهم معراب يحاول البحث عن حلفاء جدد خصوصاً وان الكتائب تكتشف شيئاً فشيئاً انها لا يمكن ان تنصهر في التفاهم المسيحي الذي حاكت خيوطه الرابية وفصلته معراب على قياسهما المسيحي.