كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل“: لم تعد عمليات البحث والتدقيق في ما يتعلق بمشروع «حزب الله» الخاص ورؤيته المستقبلية، تحتاج إلى عناء فكري أو جهد سياسي، ولا حتّى إجراء دراسات ولا استطلاعات رأي، فكل ما يُمكن أن تحتاجه لتثبيت المشروع الذي ينجرّ وراءه الحزب ويُهدّد من خلاله السلم الداخلي والأوضاع في المنطقة، هو فقط تصريح أو حديث أو «زلّة» لسان من أحد قادته. وهناك أمثلة ووقائع كثيرة كشف الحزب من خلالها عن نواياه ومُخططاته المُسبقة لم يكن أوّلها سقطة «لو كنت أعلم»، ولن يكون آخرها ما كشف عنه النائب نوّاف الموسوي أول من أمس خلال رعايته احتفالاً بمناسبة «يوم القدس العالمي» في صور.
فقد أفرد النائب الموسوي خلال كلمته، مساحة لـ «الانتصارات» التي حققها حلف «الممانعة» في المنطقة، وراح يتحدث عن حلف جديد ضم اليه «الحشد الشعبي» في العراق مهمته مواجهة اسرائيل في لبنان من بوابة أن «من حق المقاومة أن تحشد حلفاءها في مواجهة معركة حشد عدونا فيها كل حلفائه»، إذ يقول «كما قاتلت المقاومة في سوريا معاً من الحرس الثوري الإيراني إلى الحشد الشعبي العراقي إلى القوى السورية الشعبية إلى كل مناضل عربي وقف إلى جانب القيادة السورية، سنقاتل معاً في لبنان صفاً وحلفاً واحداً إذا أقدم العدو على العدوان على لبنان». وبكلامه هذا، يكشف الموسوي عن «التقيّة» أو الاستكبار اللذين يُمارسهما حزبه في «لعبته» السياسية والعسكرية واللتين تقومان عادة على قاعدة «الحاجة تُبرر الوسيلة».
الأسئلة في السياق الذي يورده الموسوي كثيرة، ولكن حتّى اليوم لم يجد لها الحزب، ولا الإيراني، إجابة شافية: ألم تنقلب «الثورة» الايرانية على الذين تعاونوا معها في البداية بعد وصولها إلى الحكم؟ ألم يتم الانقلاب على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بعد وعود بتسهيل عملها؟ ألم يعِد اللبنانيين ذات يوم، بصيف هادئ ليستفيقوا في اليوم التالي على حرب طالتهم بأرواحهم وأرزاقهم؟.
من المؤكد أن التصاريح التي يُطلقها قادة «حزب الله» والمُشابهة بغالبيتها لكلام الموسوي، تكشف أن «حزب الله» يسير على خطّين متوازيين بين لبنان وسوريا ضمن منهجية اسمها «التدمير الكامل»، وهي منهجيّة بات يبرع الحزب فيها ويتقنها بعيداً عن الشعارات التي ما زال يُصرّ على رفعها مثل حمايته للمُقدّسات والقرى الحدوديّة وصولاً إلى «أطروحة» لولا تدخّلنا في سوريا لأصبح تنظيم «داعش» في جونية. ومع هذا، حتى اليوم لا يُريد الحزب أن يقتنع بأنه هو من استجلب الإرهاب بأشكاله، وهو من جعل من مناطق نفوذه ساحة حرب واستهداف من خلالها استمد خصومه شرعيّة حربهم ضد لبنان واللبنانيين. وآخر إسقاطات الحزب، كان استبدال الموسوي «المعادلة الذهبية» أي الجيش والشعب والمقاومة، بثلاثية مؤلفة منه ومن «الحرس الثوري الإيراني» و«الحشد الشعبي» وكأن هناك تأكيداً من الحزب على حقيقة وجود مشروع «الهلال الفارسي» المذهبي.
يجهد الإيرانيون طوال الوقت، من أجل تخريب الوضع في المنطقة وعرقلة التسويات والحوارات التي يُمكن أن تفرد مساحات من الإستقرار بين الدول الجارة. يزرع الإيراني بذور إرهابه في العراق فيُحوّل الصراع فيه إلى مذهبي وإلى تقاتل بين أبنائه على الهويّة، وهذا ما يظهر بشكل جلّي من خلال «الحشد الشعبي الذي أنشأه لإتمام مشروعه التقسيمي. الأمر نفسه يُمارسه في اليمن حيث يقوم بتسليح جماعات خارجة على القانون لا تجمعه بها سوى المصالح الآنية وحثّها على الإنقلاب على الدولة، ثم يمدّها بالسلاح والدعم المادي ليعود ويتهم دولاً عربية بأنها داعمة للإرهاب وللإنقلابات في المنطقة. والأمر نفسه تعتمده إيران في سوريا، وفي لبنان. وهي التي حاولت خلال الأشهر الماضية، أن تؤسس في لبنان حشداً شعبياً مذهبياً في مواجهة الشعب السوري في الداخل السوري، لكن وعي اللبنانيين وحكمتهم قتلا هذا المشروع في مهده.
من نافل القول أن السياسة الإيرانية المُتبعة، تقوم على الاستعلاء والمُكابرة والتعاطي الفوقي مع دول يُفترض أنها جارة، ولذلك ليس غريباً عنها إعتماد سياسة التخريب فيها، سواء بشكل مُباشر أو من خلال «حزب الله» ذراعها التخريبي في المنطقة. ولكنها في لبنان، لن تجد من ينصاع لا إلى رغباتها ولا إلى إرهابها. ففي لبنان شعب يُصرّ على نبذ الفتن وعلى هويّته العربية على الرغم من الدهاء الفارسي القائم على مقولة «أننا لن نخسر شيئاً في حال تمكّنّا من ضرب العرب بالعرب وتحديداً على أرضهم، فإذا ربح حلفاؤنا نكون قد انتصرنا، وإذا خسر العرب تكون الخسارة لكل العرب».
من يسأل عن مفهوم وعادة إستغلال قادة «حزب الله» للمنابر وتحديداً تلك التي يمتزج فيها ألم الناس مع وقع المُناسبة على غرار ما يحصل اليوم في مناسبات «العزاء» المتنقلة من بيروت الى الجنوب فالبقاع، ما عليه إلا أن يُتابع الاسلوب الذي ينتهجه أو يتفنّن به القادة الإيرانيون في توجيه رسائلهم ضد خصومهم من على منابر دول عادة ما تكون مُحايدة بالنسبة الى هذه الصراعات أو في كثير من الأحيان، مؤيّدة للطرف غير الإيراني الذي يتقصّد إستغلال المناسبات الرسمية من أجل خلق بلبلة إعلامية وهو الذي تقوم سياسته في المنطقة على مبدأ «فرّق تسد». من هذا المنطلق، استغل النائب الموسوي احتفالاً في مناسبة أوجدها الإيراني واستغلها كحصان طروادة لزرع بذور فتنته في المنطقة وهي «يوم القدس العالمي». وبدل أن يتحدث عن المناسبة و«معانيها»، راح يُهيّئ الناس لحرب مرتقبة يكون فيها الغريب رأس حربة واللبناني مُجرّد شاهد زور.