كتب آلان سركيس في “الجمهورية”: لا يمكن رسم سيناريو الإنتخابات النيابية المقبلة من الآن، إذ إنّ المدة الفاصلة عن موعد 6 أيار 2018 ما زالت بعيدة، ولن يحسم أيّ فريق تحالفاته قبل إجراء الحسابات الدقيقة التي تظهر حجمه الفعلي.
تحظى كلّ دائرة إنتخابية بأهميتها عند القوى السياسية، خصوصاً أنّ النظام النسبي يسمح لأيّ فريق بالخرق بمجرد حصوله على الحاصل الإنتخابي. من هنا، فإنّ الترجيحات الأولية تشير الى اتجاه غالبية القوى لتأليف لوائحها الخاصة بمعزل عن التحالفات لأنّ المعركة باتت على النِسَب والكسور.
معركة مهمة
تحتلّ دائرة زحلة أهمية خاصة عند الأحزاب والشخصيات المسيحية والإسلامية على حدّ سواء، فهذه الدائرة تضم 5 نواب مسيحيين (2 كاثوليك، ماروني، أرثوذكسي، وأرمني) إضافة الى مقعد سني وآخر شيعي. ويبلغ عدد الناخبين المسجلين على لوائح الشطب نحو 172 ألف ناخب يتوزّعون كالآتي: 96 ألف ناخب مسيحي، 27 ألف ناخب شيعي، 49 ألف ناخب سني ونحو 1000 ناخب درزي.
حصدت لائحة «14 آذار» في انتخابات العام 2009 سبعة مقاعد مقابل صفر لتحالف «التيار الوطني الحرّ» و«الكتلة الشعبية» و«حزب الله» وحركة «أمل»، ونالت نحو 48000 صوت كمعدّل وسطي للائحة، فيما نال التحالف المقابل نحو 41000 صوت. ولو جرت الإنتخابات على أساس النسبية حينها لكانت «14 آذار» فازت بأربعة مقاعد، مقابل ثلاثة لـ«التيار» وحلفائه.
أمور كثيرة تبدلت منذ انتخابات 2009، فقد انفرط عقد التحالفات، وبات الحليف خصماً والخصم حليفاً، لكنّ زحلة بقيت قبلة القوى السياسية التي تريد الفوز بالغالبية.
حسابات كبيرة
تخوض كل قوة انتخاباتها من منطلقاتها الذاتية، فـ«الكتلة الشعبية» برئاسة ميريام سكاف تعتبر المعركة «حرب وجود»، فيما تؤكد «القوات اللبنانية» أنّ معركتها هي «لتثبيت هوية زحلة». ويطمح «التيار الوطني الحرّ» للعودة المظفّرة الى عاصمة الكثلكة بعدما أخرجته الصناديق منها عام 2009.
ويريد حزب الكتائب اللبنانية تثبيت وجوده في زحلة التي كانت من أهم معاقله التاريخية، فيما يطمح النائب نقولا فتوش الى إظهار أنه البديل عن زعامة آل سكاف الزحلاوية. ويطمح تيار «المستقبل» للحفاظ على «البلوك» السني الذي قلب النتائج رأساً على عقب في الإنتخابات الأخيرة، فيما سيستعمل الثنائي الشيعي قوّته لإثبات حضوره أيضاً.
وأمام هذا المشهد الملبّد، لا بد من انتظار اتجاه التحالفات، فالثابت الوحيد حتى الآن قُرب فتوش و«التيار الوطني الحرّ»، فيما بات مستبعداً التحالف بين سكاف و«التيار»، في حين لا تمانع «القوات» خوض الانتخابات منفردة لإظهار حجمها الحقيقي وقدرتها الانتخابية.
واذا لم تتحالف «القوات» و«التيار» وتشكّلت 3 لوائح، أي: «القوات»، «التيار» وفتوش، و«الكتلة الشعبية»، يبقى السؤال عن تمركز تيار «المستقبل»، وإلى أيّ لائحة سينضمّ؟ وماذا عن «حزب الله» وحركة «أمل»؟ ومع من سيتحالف حزب الكتائب بعد انفراط تحالفه مع «القوات»، فهل سيشكّل لائحته الخاصة مع المجتمع المدني أم أنه سيتحالف مع سكاف؟
شراسة كاثوليكية
سترتدي المعركة طابعاً شرساً إذا تشكّلت ثلاث لوائح أو أربع، وستتركز على كل المقاعد، لكنّ الأساس سيكون مقعديّ الكاثوليك، إذ لا يكفي رئيس اللائحة أن يكون الأول في لائحته ليضمن فوزه بالمقعد حتى لو نالت لائحته عدداً من المقاعد، فمثلاً قد يأخذ رئيس اللائحة الكاثوليكي نسبة 20 في المئة من الأصوات التفضيلية وتوزّع البقية على أعضاء لائحته، في حين يمكن ان يأخذ مرشحان كاثوليكيّان آخران من اللوائح المنافسة 21 و22 في المئة، فيفوزان ويرسب رئيس اللائحة لأنّ مقعدي الكاثوليك قد حُسما، عندها تأخذ اللائحة المقاعد من بقية الطوائف.
سيخوض فتوش معركة بقاء أيضاً، وسيمنحه مناصروه كل أصواتهم التفضيلية، إذ لا يخوض معركة إنجاح مرشّح ثان معه، كما أنّ قدرته المالية والخدماتية معروفة.
والأرقام التي حققها في الانتخابات البلدية، خصوصاً في صناديق الكاثوليك، تُظهر ذلك. فكلما رفع نسبة أصواته التفضيلية كلما تقدّم في ترتيب المرشحين وحافظ على مقعده، لأنّ اختيار الفائزين سيتمّ وفق ترتيب المرشحين الذين حصدوا أكبر نسبة من الأصوات التفضيلية.
بدورها، يُعرف عن «القوات» قدرتها التنظيمية في زحلة، وهذا ما ظهر أيضاً في الانتخابات البلدية نظراً لامتلاكها ماكينة من الشباب المتطوّع، وهذا ما تفتقده بقية القوى.
وبالتالي، فإنها ستركز هي الأخرى على حصد مقعد كاثوليكي نظراً لرمزيته في عاصمة الكثلكة، وستصبّ جزءاً كبيراً من أصواتها التفضيلية على مرشّح كاثوليكي، علماً أنّ الأسماء المرشحة لم تُحسم بعد، في حين أنه إذا صبّت أصواتها على المرشّح الكاثوليكي لن يتغيّر شيء في عدد المقاعد التي ستحصدها اللائحة، فعلى سبيل المثال إذا نالت لائحتها نسبة 40 في المئة فستأخذ 3 مقاعد، وإذا ارتفع ترتيب الكاثوليكي فإنّ المقعدين الآخرين مضمونان بغضّ النظر عن هويتهما.
أما سكاف، فإنّ معركتها الوجودية تقتضي بنَيل نسبة أصوات تفضيليّة مرتفعة بغضّ النظر عن الأسماء المرشحة معها، لكي لا تُخرق لائحتها بمرشحين كاثوليكيين أحدهما «قواتي» والآخر لفتوش، لأنّ هناك مقعدين كاثوليكيين، وهذا تحدٍّ أساسي بالنسبة اليها، إذا لا يكفيها أن تنال 3 أو 4 مقاعد على سبيل المثال، ولا تفوز بالمقعد الكاثوليكي.
لا إستقالة
وإذا كانت اللوائح والتحالفات غير واضحة، فإنّ الأسماء المرشحة لم تتّضِح بعد، لكنّ هناك أمراً ثابتاً وهو موقف رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب الذي كان يصنّف من نادي المرشحين الاقوياء. ففي الانتخابات البلدية خاضَ زغيب المعركة تدعمه «القوات» و«التيار» والكتائب.
وقد كَثر في الآونة الأخيرة الكلام عن ترشّحه للنيابة، لذلك ومع اقتراب نهاية مهلة الشهر التي حددت في القانون لاستقالة رؤساء البلديات الراغبين في خوض غمار النيابة، يؤكّد زغيب لـ«الجمهورية» أنه لن يستقيل وسيبقى على رأس البلدية لأنه لن يترشح للنيابة.
ويلفت الى انه «يفضّل العمل التنفيذي وليس التشريعي، والزَحالنة أعطوني ثقتهم وسأستمر في مهماتي»، موضحاً أنّ «حيثيته الكاثوليكية كانت وستبقى، وأهالي المدينة من كل أطيافهم منحوني أصواتهم وهذه مسؤولية».
ومع انه لن يخوض المعركة شخصياً، يعلن زغيب في المقابل أنه «سيدعم اللائحة التي تضع مصلحة زحلة فوق كل اعتبار، ولا حياد في هذه النقطة، فالمهمّ أن نعمل من أجل المدينة».
كلّ تلك السيناريوهات قابلة للتطبيق، أو ربما تتغيّر نظراً الى ظروف المعركة، في حين أنّ حماوة الصيف لن تَحجب الحماوة الإنتخابية الزحلاوية، تلك المنطقة المشهورة بجمالها، في مقابل قساوة معاركها الإنتخابية.