Site icon IMLebanon

الرشق بالحجارة .. مَن يصيب؟

 

 

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

ما إن صدر القانون الانتخابي الجديد في الجريدة الرسمية حتى سارع جبران باسيل الى المناداة بإدخال «سلّة تعديلات» عليه لتضمّنه ما وصفَها جملة أخطاء يجب تصحيحُها.لم يسبق أحدٌ باسيل الى طرح تعديل قانون لم يجِف حبر إقراره في المجلس النيابي وقبل أن يُجرَّب ويدخل حيز التنفيذ، إلّا أنه عاد بالأمس وعدّل موقفه هذا، وقال إنه ملتزم بهذا القانون لـ«دورة واحدة» فقط، وأجّل سلّة التعديلات التي نادى بها لتنظيف القانون من الشوائب والأخطاء التي تحدّث عنها، الى ما بعد إجراء الانتخابات النيابية على أساس هذا القانون في أيار من العام المقبل، ليسري هذا التعديل في الانتخابات التي تليها في ربيع العام 2022 أي بعد 5 سنوات.

موقف باسيل أو تعجيله في طلب تعديل القانون فور ولادته كان مفاجِئاً، لا بل محلّ استغراب كلّ الوسط السياسي، حتى ضِمْن تياره السياسي، ذلك أنّ القانون لم يطبَّق بعد ليعرف خيره من شرّه وليعرف أيضاً مكمن الخلل الحقيقي فيه وما إذا كانت تعتريه أخطاء أم لا.

وكذلك كانت حالُ موقفه الجديد الالتزام بالقانون الانتخابي لدورة واحدة، إذ جاء مفاجِئاً أيضاً للوسط السياسي، ليس فقط لتراجعه عن مطلب نظّر له بعد إقرار القانون، بل للقفزة الزمنيّة النوعيّة التي قفزها في مرحلة التراجع، والتي تمتدّ لخمس سنوات؟!

بالتأكيد إنّ لباسيل أسبابه التي أوجبت عليه تظهير موقفه الأوّل بالمناداة بسلّة التعديلات الفورية، وقد تكون بالفعل الأخطاء التي تحدّث عنها وقال إنها موجودة في متن القانون واحداً من تلك الأسباب. ولكن قد تكون من تلك الأسباب أيضاً، الحسابات والإحصاءات والدراسات التي أُجريت حول النتائج المفترَضة للانتخابات التي ستجرى على أساس هذا القانون وحول حجم وعدد المقاعد التي سيحصدها التيار الوطني الحر في تلك الانتخابات إذ قد لا تكون بالحجم والعدد التي تمّ تقديره خلال مراحل إعداد القانون.

وبالتأكيد أيضاً، أنّ ثمّة أمراً ما دفع باسيل الى التسليم بالأمر الواقع والتراجع عن مطلب التعديل الفوري، فليس مستغرباً أو مستبعداً هنا إن كانت خلف هذا التراجع «إرادة رئاسية» نصحت بعدم التسرّع وصرف النطر عن هذا التوجّه التعديلي التعجيلي، الذي لن يكون منه طائل، كما ليس مستغرباً أو مستبعداً إن كان دافع باسيل الى التراجع هو اصطدامه بحقيقة أنه غرّد وحيداً في هذا الاتجاه التعديلي ولم يكن له نصير حتى من أقرب الحلفاء؛ القدامى أو الجدد على حدٍّ سواء، وليس مستغرَباً أو مستبعداً أبداً إن كان مردّ هذا التراجع هو تسليم باسيل بالعجز عن تمرير مثل سلة التعديلات، وباستحالة اختراق الجدار السياسي القائل بأنّ إمكانية هذا التعديل منعدمة، وإنّ التفكير بالمسّ بفقرات جوهرية وحتى بفقرات غير جوهرية في متن القانون الانتخابي، هو نوعٌ من أحلام اليقظة التي تجاوزتها الوقائع التي صارت ثابتة.

على أنّ هذا التراجع الذي لم يقدّم له باسيل تفسيراً واضحاً، اقترن بمنطق لا يبدو أنه غادر مرحلة ما قبل الوصول الى القانون الانتخابي بكل ما اعتراها من التباساتٍ وتبايناتٍ واشتباكات إذ بدا هذا المنطق وكأنه ما زال خلف المتراس ويرشق الحجارة في اتجاهات مختلفة. بما يعكس بشكل واضح الاستمرار في سياسة «الجبهات المفتوحة» مع قوى سياسية معيّنة. والأكيد هنا أنّ «اللبيب السياسي» من الاشارة يفهم.

وثمّة نماذج عديدة عن هذا الرشق المتجدّد بالحجارة، التي دحرجها هذا المنطق خلال الأسبوع الاخير:

– الاول، مصادرة أبوّة القانون الانتخابي وتجييره فقط لمَن سمّاهم باسيل «الاصدقاء والحلفاء في «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية، إذ لولا هؤلاء لما كان وجود للقانون، وطبعاً بالشراكة معه. مغيّباً بذلك، عن قصد أو عن غير قصد، دور قوى سياسية أخرى كان لها الجهد الأساس في وضع القانون بدوائره الـ 15 مع النسبية على سكة الولادة.

هنا يمكن الاستعانة بالنائب جورج عدوان ليروي القصة الحقيقية لولادة القانون، وما هو دور الرئيس نبيه بري في استحضار هذا القانون من غياهب الرفض والنسيان، وماذا دار بين بري وعدوان في ذلك اللقاء الشهيرالذي عُقد بينهما في عين التينة. ومَن قال لمَن ما مفاده: «أنا ابلغك موافقتي على هذا القانون، فاذهب وسوّقه مع التيار»، ومَن قال لمَن ما مفاده: «أعتقد يا دولة الرئيس أنّ المشكلة قد حُلَّت».

– الثاني، التصريح علناً عن الهدف الحقيقي للتيار الوطني الحر بقيادة باسيل، بقيادة الدولة بكلّ سلطاتها ومؤسساتها، عبر تحقيق أكثرية نيابية عنوانها «نحن البديل»، تدير الدولة في المجلس النيابي والحكومة طبعاً وفق النهج الذي يريده باسيل. وهذا يعني أنّ كل القوى الاخرى تصبح بلا أيّ معنى وفي موقع المهمّش أو الضعيف، الذي لا حول له ولا قوة وحتى لا حضور.

– الثالث، الاعلان المبكر عن النّية بتأليف لوائح «أوادم»، وترشيح التيار لشخصيات من كل الطوائف. هذا حقّ للتيار لا ينازعه فيه أحد، لكنه هنا يحلّل لنفسه ما حرّمه على الآخرين، فللتذكير فقط إنّ هذا الاعلان لا ينسجم مع بعض الشعارات والمواقف التي قيلت في فترة الإعداد لقانون الانتخاب ، وأبرزها الموقف الشهير لرئيس الجمهورية مبشال عون الذي قال ما حرفيّته «الأزمة تكمن في أنّ كل واحد يريد أن يسحق الأقلية الموجودة في طائفته، ويمد يده على جيب الآخر كي يشلّحه عدداً من المقاعد».

الرابع، محاولة قلب الوقائع حول بعض التفاصيل، ولاسيما منها الصوت التفضيلي بالقول «إنّ الصوت التفضيلي هو الافضل لباسيل على مستوى الدائرة وليس على مستوى القضاء». مع أنّ الاجتماعات العديدة التي عُقدت في مرحلة إعداد القانون، عكست تأييد «حزب الله» وحركة «أمل» و«القوات اللبنانية» للصوت التفضيلي على مستوى الدائرة، والتيار من خلال باسيل كان معارِضاً بشدة لهذا الأمر.

– الخامس،، التحديد المُبكر للجبهة السياسية التي ستخوض الانتخابات معاً عبر مربّع؛ التيار الوطني الحر و«تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«حزب الله». وبصرف النظر عما إذا كان هذا التحديد المبكر منسّقاً مسبقاً مع القوى المذكورة، إلّا أنّ هذا التحديد معناه الطبيعي أنّ كل مَن هم خارج هذه الجبهة هم في جبهة الخصوم.

هنا تحضر الاسئلة التالية:

– أيّ رسالة يبعث بها باسيل الى الواقع السياسي، الذي يمرّ حالياً في مرحلة انتقالية عمرها 11 شهراً حتى موعد الانتخابات؟

– هل هي رسالة تبريديّة؟

– هل هي رسالة تصبّ الزيت على نار الخلافات؟

– هل تنطوي هذه الرسالة على محاولة تشويش على الايجابيات الكبرى التي فرَضت نفسَها إن في «التفاهم الرئاسي» الذي كان بمثابة القابلة القانونية لتوليد القانون الانتخابي، وأعاد مدّ جسور الودّ بين الرئاسات وعلى وجه الخصوص بين الرئاستين الأولى والثانية؟

والتي – أي الايجابيات – تأتّت أيضاً من اجتماع رؤساء الأحزاب في القصر الجمهوري وما أفرزه من تفاهم على انطلاقة سياسية حكومية مجلسية منتجة؟

ثمّة آمال عُلّقت على إمكان تبريد الجبهات السياسية خلال المرحلة الانتقالية الحالية بما قد يساهم في معالجة بعض الملفات الحيوية والأساسية التي تتطلّب توافقاً سياسياً بالدرجة الأولى، ولكن مع استمرار سياسة «رشق الحجارة» هناك خشية حقيقة من أن تنحى الأمور في اتجاهٍ آخر.. وفي كل الأحوال فلننتظر ما ستحمله الأيام المقبلة.