IMLebanon

الإرهاب الجهادي… أم الجهاد الإرهابي؟

 

كتب مسعود المعلوف في صحيفة “الجمهورية”:

كلما وقع عملٌ إرهابي في مكانٍ ما من العالم، تكثر الكتابات والمقالات والتحليلات التي تسعى الى شرح هذه الظاهرة العنفيّة الغريبة كما يزداد الحديث عن ضرورة دراسة أسباب الإرهاب ودوافعه ووسائل معالجته وكيفية تجنيب المجتمع ويلاته ومصائبه. وبسبب ما قام ويقوم به أتباع الدولة الإسلامية في أوروبا وأميركا وحتى في الشرق الأوسط من أعمال إرهابية إجرامية وحشيّة متذرّعين بخلفيات دينية لأعمالهم الشنيعة، فإنّ الدول الغربيّة بصورة عامة أصبحت تطلق اسم «الإرهاب الراديكالي الإسلامي» على معظم الأحداث العنفيّة والإرهابيّة التي تقع بين الحين والآخر.النائب السابق من أصل لبناني السيدة ماريا موراني، التي انتُخبت لثلاث دورات متتالية في البرلمان الفدرالي الكندي، ورئيسة مؤسسة «موراني لعلم الجريمة» والإختصاصية في علم الإجتماع والجريمة، تنبّهت منذ زمن الى خطورة تفشّي العنف والإرهاب في العالم وقامت بدايةً بدراسات وأبحاث حول العنف الذي تُمارسه العصابات في شوارع عدد من المدن الكندية والأميركية، وقد أصدرت منذ سنوات كتباً حول هذا الموضوع أصبحت مراجعَ مهمّة يطّلع عليها المسؤولون والذين يهتمون بهذه المسائل، وها هي اليوم تقوم بأبحاث معمّقة حول موضوع الإرهاب المتفشّي في أنحاء كثيرة من العالم، مع تركيز خاص على ما أصبح يُعرَف بالإرهاب الإسلامي، استعداداً لإصدار كتاب حول الجهاديّين الغربيّين.

نظراً إلى خطورة وأهمية الموضوع وفي سبيل إعداد كتابها الجديد بالإستناد الى دراساتٍ جدّية بدأتها منذ العام 2012، فقد قامت ماريا موراني بأبحاث معمّقة حول الجهاديين في بلاد الغرب، وزارت كلاً من بلجيكا وفرنسا حيث قابلت في كلّ من هاتين الدولتين كما في كندا حيث تقيم شباناً، ذكوراً وإناثاً، من سنّ الخامسة عشرة وما فوق، كما قابلت عدداً من الأهالي الذين انخرط أولادُهم في منظمات جهادية لتسمع مباشرة من المعنيّين أسباب ودوافع انجذاب هؤلاء الشبان الى تلك المنظمات.

ومن جهة ثانية، التقت عدداً من الجهاديّين السابقين الذين تخلّوا عن العقيدة الجهادية وآخرون من الذين قاتلوا في سوريا ثم عادوا الى أوطانهم. كما عقدت لقاءات واجتماعات مع أفراد راوَدتهم فكرة الجهاد أو حاولوا جدّياً الإنتقال الى سوريا في سبيل ما يسمّونه الجهاد أو القيام بعمل إرهابي في منطقة ما.

من الذين تحادثت معهم أيضاً عدد من الجهاديّين من أفغانستان والبوسنة وسوريا والعراق، كما أنها التقت للغاية نفسها عدداً غير قليل من الشبان المسلمين ومن الذين اعتنقوا الإسلام وتبنّوا فعلياً نظرية الجهاد التي يُنادي بها أولئك المتطرّفون.

من هذه المقابلات واللقاءات والإجتماعات العديدة التي عقدتها مع تلك المجموعات التي لها علاقة بالإرهاب الذي يزداد انتشاراً في العالم، ومن خلال ما سمعته مباشرة من هؤلاء الجهاديّين، سعَت ماريا موراني الى تحليل وفهم وتفسير كيفية نموّ فكرة التطرّف الديني وإيديولوجية الجهاد التي يزرعها المقاتلون في نفوس الشبان الذين يتبنّون هذه الأفكار ودوافع التحوّل الى الجهاد والعوامل التي تؤثر في الإنسان لكي يُغيّر سلوكه في هذا الإتجاه أو سواه وكيف يمكن أن يتحوّل الشاب شخصاً يستطيع قطعَ رأس أخيه الإنسان أو القيام بعملية انتحارية يقتل خلالها مصلّين أبرياء في جامع أو كنيسة أو أناساً أبرياء يمارسون حياتهم اليومية بصورة طبيعية.

كما أنها تركّز على ما يجري داخل العائلة وتصرّفات الأهل في المنزل والأفكار المتداوَلة فيه، من دون أن تنسى الدورَ الكبير وربما الأساس الذي يلعبه الإنترنت في نشر ثقافة التطرّف والجهاد وسرعة انتقال هذه الأفكار من شخص الى آخر ومن مجموعة الى أخرى مع ما للإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي من تأثير كبير في المجتمعات الحديثة.

ومن أهمّ ما توصّلت إليه في أبحاثها أنّ الدين والإيديولوجية السياسية لا يشكّلان العوامل الأساسية لهذا التحوّل عند الغربيّين، بل إنّ الذين ينجذبون الى التيارات الجهادية هم عادة من المكتئبين والمهمّشين الذين يشعرون أن لا مكان لهم في المجتمع الذي يعيشون فيه وهم غالباً ما يفكّرون في الإنتحار، فتُغريهم الوعودُ بحياة أفضل ملؤها الهناء والسعادة.

المهمّ في كل ذلك، أنّ السيدة ماريا موراني تستخلص أدواتٍ تحليلية تمكّنها من تحديد مَن هم الأشخاص المعرضون للوقوع في شباك الإرهابيّين ومَن هم الذين عندهم ميول لتقبّل واعتناق الإيديولوجية الإرهابية تمهيداً لقيامهم بعمليات القتل والتفجير، وبذلك يصبح من الممكن وضع برامج وقائية لحماية الشبان من الوقوع فريسة لأولئك الذين يسعون الى تجنيدهم، وكذلك برامج إعادة تأهيل للّذين سبق لهم أن انخرطوا في تلك المجموعات المتطرّفة ويريدون الإبتعاد عنها والعودة الى الحياة الطبيعية.

لا شك في أنّ مشكلة التطرف والإرهاب لا يمكن معالجتها إلّا بعد فهمها وفهم كيفية نشوئها وتطوّرها، ولعلّ مثل هذه الدراسات والأبحاث توصلنا في وقت غير بعيد الى حلّ هذه المشكلة المستعصية التي تعاني منها غالبية المجتمعات، خصوصاً إذا ما كان معدّو الدراسات من أصول شرق أوسطية مثل السيدة ماريا موراني، عندهم خبرة واسعة في الموضوع وفهم لخلفيات المنطقة، وفي الوقت نفسه لهم حيثيّة سياسية وتأثير في المجتمع الغربي الذي يعيشون فيه.